ندوات فكرية ونقاش مفتوح على قضايا الأمة وأزماتها، أعادت إلى الأذهان دور الجامعة الجزائرية في مرافقة العمل السياسي، بعرض خيارات بديلة لاستكمال بناء الدولة الوطنية الحديثة التي تعتمد على المؤسسات قاعدة ثابتة في التسيير، متجاوزة كل أسلوب ممنهج يكرس الشخصنة.
أظهرت الأنشطة التي تقام عبر الوطن لإثراء مراجعة الدستور، وما طُرح فيها من آراء اختلفت في الأساليب واتفقت في الجوهر، أن الجامعة قاطرة التغيير بامتياز، باعتبارها منطلق الأفكار السليمة لمشروع بناء وطني يشكل الشغل الشاغل للجمهورية الجديدة التي أحدثت قطيعة مع ممارسات سابقة، أخلت بوظيفة المؤسسات وعطلت صلاحيات السلطات وكادت أن تدخل البلاد في انهيار كلي.
وحدها الجامعة تتوافر على خصوصية تزويد الوطن بالحلول المساعدة على تصحيح الاختلال للإقلاع، اعتمادا على تخصصات توفرها كليات، معاهد ومدارس عليا، وتعرضها مخابر بحث تتحرى الأسباب المشاكل وتجيب على الإشكالية مهما تعقدت، دون الإبقاء على طرح الأسئلة عن الراهن السياسي، الاقتصادي والاستراتيجي.
هنا تثبت الجامعة الجزائرية قوتها وتكشف الحاجة الملحة إليها، باعتبارها حاضنة الإبداع والابتكار وتؤكد أنها محطة مفصلية في معادلة التغيير الشامل للجزائر الجديدة التي شرعت في ورشات إصلاح بدأتها بمراجعة الدستور، في انتظار تعديل القانون الانتخابي واستكمال مسار إصلاح قطاع الاتصال وجعله أكثر احترافية ومهنية في زمن عولمة الإعلام والطرق السريعة للإعلام بشقيه التقليدي والحديث الرقمي، مقرب المسافات مكسر حواجز الجغرافيا المتباعدة.
لم تعد الجامعة وفق هذا المعطى الثابت، مجرد هيكل بلا روح، تكتفي بتخريج موارد بشرية حاملة لشهادات هشة لا تتوافر على مقومات معرفية وتخصصات يشترطها عالم الشغل، لكنها قلعة معرفية تحمل مواصفات الفكر العلمي الحديث لمشروع نهضوي يعول عليه في الإصلاح الشامل والتغيير الجذري لأعقد الأزمات وأكثر المشاكل تراكما، بعيدا عن منجزات التباهي والترقيع.
إنها الجامعة التي تريدها الجمهورية الجديدة التي تحتل الأولوية في مخطط عمل الحكومة، المستمد من البرنامج الرئاسي.
هي الصرح العلمي والمختبري، تتولاه كفاءات بمنظومة التعليم العالي لها من الاختصاص ما يجعلها طرفا أساسيا في معادلة مشروع التقويم والتجدد الحقيقي المساعد على الانطلاق نحو تحول يستجيب لتطلعات دون التوقف عند مبادرة غير مجدية ينتهي مفعولها في أقصر مدى.
إنها الجامعة الجزائرية التي تتسلح بمقومات علم وتتفتح على التكنولوجيات الحديثة وتجتهد في مقارعة الواقع الثابت والمتغير، مراهنة على الانتقال إلى مرحلة جديدة برؤية قبلية وبعدية، مؤكدة أنها قاطرة التغيير الحتمي وقطب امتياز متفتحة على المؤسسات الاقتصادية المتطلعة لمؤهلات بشرية تمنحها قوة مضافة لفرض الوجود، وكذا مقترحة لحلول الإقلاع الوطني الحقيقي التحدي الكبير.