رافق الإعلام التحولات التي عرفتها البلاد والمتاعب التي واجهتها بروح مسؤولية وأخلاقيات مهنة، مطلعا الرأي العام على المكاسب والإخفاقات، مقدما أجوبة عن تعقيدات ظرف دون الإبقاء على أسئلة عالقة ومقاربة حلول إلى إشعار آخر.
تعود بنا الذكرى المزدوجة لـ24 فيفري، إلى ما توقف عنده الإعلام الوطني 49 سنة مضت، مرسخا في الأذهان العبارة التاريخية التي أطلقها الرئيس الراحل هواري بومدين بقوة وتحد: «قررنا». وهو الإجراء التاريخي الذي اتخذته الجزائر لتأميم المحروقات برؤية، تبصر واستشراف، فارضة سيادتها على ثرواتها الطبيعية، معززة استقلالها الاقتصادي في وقت أخفقت فيه تجارب دولية كثيرة.
سار الإعلام الوطني على هذا الدرب، متشبعا بقيم الحرية والوطنية، كاشفا عن وفاء لرسالة أداها على أكمل وجه خلال العشرية السوداء، حيث دافع باستماتة عن الجمهورية وساهم في بقائها واقفة، صامدة، رافضة الاستسلام للهمجية واليأس.
في ظل التحول الراهن لاستكمال إقامة الدولة الحديثة، يظهر من جديد دور الإعلام الكبير، ويبرز طرفا شريكا كاملا في المرافقة باحتلاله مكانة مميزة في استراتيجية مخطط عمل الحكومة المستمد من التزامات برنامج رئاسي، شدد على إعطاء ديناميكية أكبر للاتصال التعددي وتفتحه لتأدية مهام على أكمل وجه في محيط سريع التطور ودخول إعلام رقمي على الخط.
لهذا جاءت ورشات متنوعة تساعد في رفع أداء المنظومة الإعلامية ومرافقتها في استكمال بناء دولة المؤسسات التي تحكمها قواعد قانونية وصلاحيات محددة الوظائف والمهام، بعيدا عن الشخصنة التي أدت الى انحراف وأزمة.
هذا التوجه عبّر عنه وزير الاتصال الناطق الرسمي عمار بلحيمر في أكثر من مرة، مؤكدا أن الورشات المفتوحة التي كانت الصحافة الإلكترونية أول منطلقاتها، غايتها «تعزيز الإطار المرجعي لاسترجاع ثقة المواطن في محتوى ما تقدمه وسائل الإعلام وتحقيق التوازن المطلوب بين الحرية والمسؤولية من خلال ممارسة هادئة لحرية الصحافة».
وهنا يظهر توازن المعادلة الإعلامية التي تحكمها قاعدة الحرية والمسؤولية وما تعنيه حتمية ربط الممارسة بميثاق أخلاقي يسد كل فجوة تطاول على حياة الناس الخاصة وفتح الباب أمام القذف والشتم وجرائم النشر والتطفل، تضرب في الأساس الوظيفة الإعلامية النزيهة وتضعف مصداقية أصحابها وتسيئ إلى حرية التعبير.
إصلاحات المنظومة الإعلامية مطلب ملح، في ظل تغيرات كبرى طالت مهنة المتاعب جراء انتشار شبكات تواصل اقتحمها مهنيون وهواة، كل منهم يروج لـ «لإعلام المواطن»، دون التقيد الحتمي بالمهنية، وما تبعته من انحرافات وتجاوزات تفرض حتمية مراجعة الأداء الإعلامي السليم باتباع معايير المهنة وتحصينها من أي ممارسة تضرب في الأساس حرية التعبير المنتزعة بتضحية ونضال لن يسقط بالتقادم.