دبلوماسية استباقية تتحرك في إطارها الحيوي ومحورها الجيوسياسي، مرافقة، مساهمة في تسوية تعقيدات وأزمات، اعتمادا على مبدأ راسخ ، مرجعيته ثابتة. هكذا هي الدبلوماسية الجزائرية التي تعود إلى الواجهة، فارضة نفسها طرفا مهمّا في معادلة تسوية النزاعات سلميا بالحوار التوافقي، بعيدا عن لغة السلاح والتهديدات، دبلوماسية تتّخذ من رصيد تجربة الماضي والحاضر قاعدة انطلاق في عرض وساطة مرحب بها من فرقاء وأطراف متنازعة، بحثا عن حلول ممكنة لبؤر توتر ونزاعات.
في مختلف الحقب التي عرفتها العلاقات الدولية منذ التعايش السلمي، الوفاق ونهاية الحرب الباردة، ظلت الدبلوماسية الجزائرية في أولى الصفوف، تحتفظ بقيمتها ومصداقيتها، مطبّقة ما اصطلح على تسميته بـ «السياسة فن الممكن»، في مقارعة الواقع المتغيّر ومحيط مليء بالتعقيدات.
تظهر خصوصية الدبلوماسية الجزائرية في هذه المرحلة، تقاطعها مع ممارسات سابقة، واضعة في الحسبان أسلوب عمل ومنهجية تساعد على تغيير الواقع في إطار المتداول الممكن وتحقيق ما تصبو إليه بروح الواقعية المسؤولة في مناشدة الاستقرار والأمن والسلام في ربوع المعمورة، ولا سيما في الجهة الجنوبية من كوكب الأرض، حيث يشتد صراع القوى الكبرى، محاولة إعادة تقسيم مناطق نفوذ ومصالح تخوض فيها حروبا بالوكالة، تحت مسمّيات مخادعة ومغالطة، منها «حقوق الإنسان»، «الديمقراطية» و»الحريات»، متخذة من تناقضات الداخل فجوة للتغلغل وتحريك أدوات صراع وتوتر.
إنها ميزة الدبلوماسية الجزائرية التي ذكّر بها أكثر من مرة الرئيس تبون، مجدّدا التأكيد عليها في لقاء مع وسائل إعلام وطنية وأجنبية، مبرزا الضرورة الحتمية لجعل دبلوماسيتنا استباقية، هجومية، تعود بالبلاد إلى عصرها الذهبي وتعيد سياستها الخارجية إلى المبادرة والحضور، مثلما هو متضمن في البرنامج الرئاسي.
على هذا المنوال تتحرك في تعاطيها مع الملف الليبي، وتؤكد استعدادها لاحتضان جولات حوار بين الفرقاء لاستكمال مفاوضات جرت ببلادنا في فترات سابقة، بغرض التوصل إلى أرضية توافق على مرحلة انتقالية ممهدة لانتخابات تؤسس لاستكمال إقامة دولة مؤسسات تعزّز الاستقرار الوطني وتخرج البلد الجار الشقيق من التراشق العنفي والتصعيد الذي لم يعد يحتمل بعد المآسي والجروح.
الجزائر التي رافعت دوما للحل السياسي للأزمة الليبية، وكسبت ثقة الأطراف الليبية، أقنعت العواصم المعنية بجدوى نواياها الصادقة ومسعاها الجاد نحو خلق واقع جديد يتقبله الفرقاء أولا ويلتزمون به خارطة طريق، لأجندة ماهية الممكن، نحو الخروج الآمن من وضع جيو سياسي مهتز وعلاج أزمة معقدة طال أمدها ولها تداعيات خطيرة على المنطقة قاطبة.