في ثاني لقاء مع وسائل الإعلام الوطنية، حدّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أسس الجمهورية الجديدة، أنظمتها السياسية الاقتصادية وتوجهاتها الاستراتيجية، معتمدة التغيير منهاجا في التحوّل نحو قطيعة مع ممارسات الماضي لتفتح صفحة بعقلية ومنهجية جديدة. هي مرحلة يراد لها أن تستقر على نمط سياسي يتخذ من العمل الجماعي والنهج التشاوري، قاعدة ثابتة لا تقبل المساس، للخروج التام من تعقيدات الراهن والطارئ.
أكد على هذا الطرح الرئيس تبون، مشدّدا على التوافق السياسي والرهان على الكفاءات في تولية مهام المسؤولية واتخاذ القرارات، بعيدا عن النمط المركزي المفرط، الذي أبقى سلطات بأكملها في يد الهيئة التنفيذية، مولّدا تناقضات واختلالات في صلاحيات الهيئات الأخرى.
يتذكر الجميع ما قاله الرئيس، كاشفا أسلوبا بديلا في ممارسة الحكم، أنّ يده ممدودة لكل الفاعلين السياسيين من قادة أحزاب، شخصيات وطنية وممثلي المجتمع المدني لأي مشاورات تخدم البلاد وتساعدها في التطوّر، اعتمادا على تقاسم وظيفي لا يقبل أي انفراد بالقرار. ولم يستثن الرئيس في مقاربته السياسية الحراك، الذي مد له يده غداة توليه السلطة، لحوار جاد من أجل جزائر تستكمل إقامة مؤسساتها دون إقصاء أو تهميش أو أيّ نزعة انتقامية.
كان موضوع الحراك الذي تمرّ سنة على انطلاقه، محورا أساسيا في اللقاء الإعلامي، أول أمس، الذي بات تقليدا متبعا لإحداث الاتصال والتواصل لإعطاء المعلومة الصحيحة، التي تضع حدا لأخبار مفبركة مغلوطة «فايك نيوز»، حيث قدّم الرئيس تفسيرا ودلالات لترسيم المسيرات السلمية، بجعل، 22 فيفري، يوما وطنيا للأخوّة والتلاحم بين الشعب والجيش من أجل الديمقراطية، ذلك أن الحراك الذي أنقذ البلاد من السقوط في الهاوية وأعادها إلى الشرعية الدستورية، انبثقت عنه آليات تؤسس لحقبة انتظرت بشغف ومحطة تطلّع طالبت بها مسيرات هاتفة بالتغيير، منها السلطة المستقلة للانتخابات، التي كسبت رهان إجراء اقتراع رئاسي، شكل المخرج الآمن من حالة الفراغ والأزمة الدستورية، وهي تجربة مريرة خرجت منها الجزائر بشقّ الأنفس وتضحيات جسام قبل بلوغها حالة الاستقرار، الخط الأحمر.
أظهر اللّقاء إرادة سياسية وعزيمة صادقة لتنفيذ الالتزامات الـ 54 المتضمنة في البرنامج الرئاسي، لاستكمال إقامة الدولة الحديثة، تمهّد لها الأرضية ورشات إصلاح وتغيير، بدءا من تعديل الدستور لتحديد معالم نظام سياسي أنسب، ضبط عهدات الحكم وتدقيق صلاحيات السلطات والبديل الاقتصادي، الذي يقلل من التبعية للمحروقات. كل هذا بمرافقة إعلام تعددي بشقيه الكلاسيكي والالكتروني، الذي هو بدوره مقبل على ورشات إصلاح تجيب على السؤال المطروح: أيّ إعلام نريد في الجمهورية الجديدة؟.