طغت الذكرى الأولى للحراك الشعبي السلمي، أمس، على اجتماع الحكومة بالولاة، وكذا تصويت أعضاء مجلس الأمة على مخطط عمل الحكومة، حيث تم بالمناسبة تقييم ما عاشته الجزائر من حركية تطالب بالتغيير الهادئ والمرور الحتمي إلى مرحلة جديدة من استكمال بناء الدولة الوطنية التي تتخذ من نوفمبر بوصلة لها للخروج الأبدي من حالة الطوارئ والاضطرابات.
تبين من خلال وقفة تقييمية لتجربة مسار تحول عميق وفي ظرف قصير، أن الحراك السلمي الذي انطلق يوم 22 فيفري الماضي، كان محطة فاصلة لبناء دولة المؤسسات حيث يكون فيها التداول على الحكم قاعدة قانونية آمرة تُتبع، وسلطات مستقلة تؤدي وظيفتها بحسب الاختصاص منهاجا معتمدا ورقابة تشريعية قوّة ثابتة لاستقامة منظومة سياسية وقضائية، تحدث القطيعة مع ممارسات سابقة.
تبين بعد سنة من مسيرات أعطت الدرس في سلمية حركة وتحضر مطالب، كيف صنعت الجزائر الاستثناء باعتماد مقاربة تنشد التحول، اعتمادا على استقلالية قرار، ورؤية استباقية تحدّد مقاييس الجمهورية المنشودة وآليات إقامتها، متخذة من الحل الدستوري منطلقا لاصلاح الشأن الوطني وترتيب البيت.
لأول مرّة، تجرى انتخابات رئاسية تحت إشراف هيئة وطنية مستقلة حوّلت موعد 12 ديسمبر الماضي الى عرس ديمقراطي تجند الجميع لإنجاحه، سلطات، مواطنون، وهيئات نظامية أمنية في مقدمتها الجيش الذي تعهد بمرافقة تجسيد مطالب شعب هتف بأعلى صوت للتغيير العاجل وإقامة وطن، وفق معايير أوصى بها شهداء الحرية ومفجرو ثورة التحرير في سبيل استعادة السيادة الوطنية.
المرور الآمن، ساهم فيه بالإضافة الى مؤسسات الدولة والإعلام نخب لم تتوقف في المرافعة عبر فضائيات ومنابر للخيار الدستوري الذي يؤمّن البلاد من السقوط في المغامرة ويجنّبها فوضى عارمة لا مخرج منها ويهدّد بالعودة بها الى أزمات ولدتها تجارب انتقالية مُرّة كادت أن تؤدي الى انهيار الدولة الوطنية بالكامل.
واجهت النخب التي قررت تضحية ثانية من أجل الجزائر، حملات قادها تجار الأزمة ومغامرون حاولوا خطأ وسوء تقدير، الزّج بالبلاد نحو المجهول في محاولاتهم الميؤوسة ضرب استقرار وطن تحقق بالدم والدمع.
بهذه الانتفاضة السلمية نجحت الجزائر في الخروج من أعقد أزمة سياسية واجهتها، واضعة نُصب الأعين التغيير الجذري منهجية لاستكمال دولة المؤسسات، منطلقها الأول مراجعة الدستور بصفة تسمح بضمان إنشاء جمهورية جديدة تستجيب لتطلعات مواطنين يطالبون باستمرار التكفل بهم ووضعهم أسسا ثابتة في معادلة البناء الوطني، يسمع إلى صوتهم، وتؤخذ مقترحاتهم مأخذ جد في ضبط المشاريع وأولويات البرامج، ويخرجون نهائيا من النظرة السابقة التي تعتبرهم مجرّد وعاء انتخابي.