قوة توازن

بقلم: فنيدس بن بلة
21 جانفي 2020

في ظرف قصير، استعادت الجزائر موقعها في الخارطة الجيواستراتيجية الدولية، منتزعة اعتراف العواصم بمواقفها المبدئية في علاج القضايا الساخنة بحوار تتولاه الأطراف المعنية بعيدا عن أي تدخل خارجي وأصوات المدافع وما يحدثه من مآس وتعقيدات ونزيف.
جاء هذا ضمن التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي تعهد بإعطاء ديناميكية للعمل الدبلوماسي تجعله أكثر واقعية وفعالية متجاوزا النظرة التقليدية التي لم تعد مجدية في الظرف الراهن والتغيير العميق الذي تنشده البلاد وتتطلع إلى تحقيقه من خلال ورشات إصلاح تمس الحياة السياسية ومنظومة الحكم والهيئات القضائية والتشريعية.
وكان الرئيس حريصا على المقاربة البديلة للدبلوماسية الجزائرية، تفرض ديناميكية واستباقية تراجع الأهداف والمهام الكلاسيكية لعلاقات البلاد الثنائية والمتعددة الأطراف على حد السواء. كان ملتزما في إرفاق العمل الدبلوماسي بوظيفة اقتصادية في خدمة التنمية، تطلع المتعاملين الأجانب بالخيارات الوطنية والتشريعات المحفزة على الشراكة والاستثمار ومناخ الأعمال وأرقام النمو والاستقرار التي تتخذ دوما مؤشرات ومعايير في العلاقات بين الدول وروابطها.
هذه الدبلوماسية الإستباقية والهجومية، التي تعد الحلقة المهمة في معادلة التجديد الوطني ومسار استكمال الدولة الحديثة، أعطت ثمارها في فترة قصيرة، حيث وجدت التجاوب من عواصم العالم التي يتوافد قادتها ورؤساء حكوماتها على الجزائر، معترفين بجدوى التشاور معا والتنسيق باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة في تسوية النزاعات وتهدئة الأقاليم المضطربة المتوترة المفتوحة على كل الأخطار والتهديدات.
ظهر هذا جيدا في ندوة برلين الدولية حول ليبيا، حيث أسمعت الجزائر صوتها عاليا وأقنعت الشركاء بموقفها المبدئي الثابت حول مرافقة الحل السياسي في البلد الجار الشقيق وتطلعه إلى الانفراج الذي يبعده عن التجاذبات الخارجية وتعنت قوى الداخل في الجنوح نحو السلام والاعتصام بحبل الوحدة.
وتبين من خلال مرافعة الجزائر بصفتها قوة توازن وسلم، من عاصمة ألمانيا لخيار وقف إطلاق النار الممهد إلى أرضية حوار توافقي واقعية الطرح وبعد المقاربة الاستشرافية في إعطاء ليبيا الفرصة لاسترجاع السلم والأمن بعد سنوات الدمار والحرب المحتدمة. إنها الواقعية السياسية التي تترك المجال لليبيين للدخول في حوار بينهم للتباحث عن مخرج النجاة الآمن المفضي إلى وضع آليات بناء مؤسسات دولة تمارس دورها الشرعي في استعادة الاستقرار وطي صفحة الماضي وتشييد مصالحة وفرضها أمرا واقعا جديدا في البلاد.
وينصب الموقف الجزائري على دعوة الأطراف الليبية المتنازعة إلى تحمل مسؤوليتها في الالتزام بخارطة طريق مبنية على حوار داخلي جاد يدرس أدق تفاصيل الانفراج يستند إلى منظومة أمنية وطنية مهمتها حماية التسوية السياسية  قبل المرور الحتمي إلى إصلاحات عميقة ولا تقبل بأي تدخل خارجي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19639

العدد 19639

الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
العدد 19638

العدد 19638

الإثنين 02 ديسمبر 2024
العدد 19637

العدد 19637

الأحد 01 ديسمبر 2024
العدد 19636

العدد 19636

السبت 30 نوفمبر 2024