يمكن وصفه بأسبوع الدبلوماسية الجزائرية بالنظر إلى وزن الوفود والشخصيات التي زارت البلاد مرافقة للعمل السياسي والمقاربة السلمية لعلاج تعقيدات المنطقة وأزمتها بعيدا عن التدخل الأجنبي والضرب على وتر إشعال حرب مدمّرة تزيد من المآسي والجروح والانقسامات. كان هذا واضحا من خلال الرسائل التي حملتها الوفود الأجنبية التي تتفق مع طرح الجزائر بمضاعفة الجهود لتقريب وجهات نظر الفرقاء بليبيا، وإقناعهم بخيار الاتفاق على أرضية انطلاق نحو السلام الدائم في البلد الجار والشقيق، الذي أنهكت الاضطرابات والمواجهات المحتدمة مواطنيه وجعلتهم يتساءلون بحرقة يوميا، ماذا بعد؟، ما العمل لإنهاء التراجيديا التي تغذي شرارتها أطراف خارجية، متّخذة من تناقضات الداخل فجوات لإطالة عمر الأزمة وإبقاء ليبيا أسيرة وضع أمني هش وأفق مظلم.
من هنا، تحرص الجزائر، التي ترافق جهود السلام في ليبيا، على التحرك لتقديم يد العون والمساعدة للتوصّل إلى حل سياسي يتولاّه الليبيون أنفسهم، بالاتفاق على تفاصيل خطة عمل تعيد البلد إلى الاستقرار وتخرجه من وضعية التوتر التي انعكست ولا زالت، سلبا على المنطقة، وباتت فجوة لتدفق السلاح إلى الساحل وانتشار شبكات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية.
يدخل تحرك الجزائر في إطار السياسة التي اعتمدها الرئيس عبد المجيد تبون المبنية على مقاربة جديدة تعطي لدبلوماسيتنا ديناميكية واستباقية، بعيدا عن الأهداف والمهام الكلاسيكية. هي دبلوماسية تحفّز على تسوية النزاعات في دول الجوار بالطرق السلمية ولا تفتح المجال لأية مغامرة خارجية تضرب على وتر التدخل العسكري وإشعال فتيل الحرب بالجهة الغربية العربية وتكرار ما عرفته وتعرفه المنطقة الشرقية، من تعقيدات وجروح لم تندمل، تحت تسميات مخادعة «كالربيع» الذي تحول الى شتاء عاصف.
تجنبا لهذا الدمار، تحركت الدبلوماسية الجزائرية بسرعة محسّسة، عبر العلاقات الثنائية والمتعددة، الدول بوجوب دعم الحل السياسي في ليبيا، خاصة في هذا الظرف الاستثنائي، عشية قمة برلين الدولية، التي يراهن عليها، غدا الأحد، في تعزيز وقف إطلاق النار الممهد لأرضية توافقية للسلام، تماما مثلما جرى في مالي وفي دول إفريقية أخرى.
أسمعت الجزائر صوتها عاليا لقادة الدول ورؤساء الحكومات الذين زاروها لهذا الغرض، مردّدة على مسامعهم، موقفها المبدئي والثابت في التمسك بخيار الحل السياسي للأزمة الليبية، مجدّدة الحرص على وجوب تجنّد الأطراف المعنية في البلد الجار، لرفض أي تدخل عسكري خارجي والجلوس معا إلى طاولة الحوار والتباحث بجدّية ومسؤولية لتجسيد سلام، يؤمّن البلاد والمنطقة كلها من اضطرابات هي في غنى عنها.