توقف الخبير الدولي في الطاقات المتجددة فوزي شكري، في حوار لـ «الشعب»، عند أهمية دمج الطاقات المتجددة في النشاط الفلاحي وفوائدها في ذلك، مؤكدا أن هذه الطاقات تعد داعما أساسيا للجزائر باعتبارها من الدول المتصدرة لما تتوافر عليه من مصادر متعددة للطاقة البديلة وكافة بلدان العالم في تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة استنفاد الطاقات الأحفورية.
- الشعب: بداية هل يمكن أن تقدم لنا فكرة حول البرنامج الذي أطلقته الجزائر بالتعاون مع البنك الإفريقي للتنمية في إطار سياسة التجديد الفلاحي، خاصة في مجال استعمال الطاقات المتجددة في الوسط الريفي والفلاحي؟
الخبير الدولي في الطاقات المتجددة فوزي شكري: برنامج إنشاء المشاريع الفلاحية الجديدة الذي بدأته السلطات الجزائرية وأطلقته في عام 2011، تم تصميمه وتصوره كمجموعة من العناصر المتكاملة في إطار سياسة التجديد الفلاحي والريفي في مختلف الولايات الجزائرية وذلك بالتعاون مع البنك الإفريقي للتنمية.
للتذكير، فقد أنشئ البنك الإفريقي للتنمية عام 1964 لغرض المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلدان الإفريقية ويضم 80 دولة عضوا، متكونة من 54 بلدا إفريقيا و26 غير إفريقي، وتعتبر الجزائر من بين البلدان المؤسسة لهذه المؤسسة التي يتجاوز رأسمالها حاليا 100 مليار دولار، كما تحوز على 4,2٪ من أسهم البنك وهي المساهم الرابع ضمن الدول الإفريقية وتحتل المرتبة السابعة في التصنيف العام للبلدان الأعضاء.
وإذ تدرك وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري الجزائرية، وجود بعض نقاط الضعف التي لوحظت منذ إطلاق هذا البرنامج، فإنها تعتزم إعادة إنعاشها من خلال استكمال تنظيمها الهيكلي والوظيفي وكذلك من خلال دعم قدرات المستفيدين والفلاحين، وكذلك الجهات الفاعلة المؤسسية المشاركة في تنفيذه، عبر نظام التكوين والمرافقة.
ويهدف الدعم الفني المقدم إلى هذا البرنامج من مؤسسة ألمانية متخصصة في هذا المجال، من خلال مجموعة من الخبراء الدوليين، إلى تفادي نقاط الضعف المذكورة، من خلال القيام بدورات تدريبية لفائدة المزارعين الشبان، المدربين من المعاهد الفلاحية المتخصصة تحت إشراف وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري.
وفي نهاية الدورات التكوينية التي قمت بها في المركز التكنولوجي الفلاحي المتوسطي بولاية سطيف وولاية جلفة خلال سنتي 2017 و2018، أصبح أغلب المشاركين قادرين على استيعاب المفاهيم المتعلقة بالتنمية المستدامة وإدارة الموارد الطبيعية (المتجددة/ غير المتجددة) في مختلف الولايات الجزائرية وذلك عبر تلبية احتياجات الحاضر من دون المساس بمخزون الطاقة، لتمكين الأجيال القادمة من تلبية احتياجاتها، حيث ترتكز التنمية المستدامة على الركيزة الاقتصادية التي يجب أن تكون لها مردودية اقتصادية، الركيزة الاجتماعية التي يجب أن تضمن مستوى معيشة مقبولا للجميع، الركيزة البيئية التي تعتمد على حفظ الموارد الطبيعية والبيئية من أجل الأجيال القادمة، من خلال إيجاد حلول قابلة للاستمرار اقتصاديًا للحد من استهلاك الموارد، وإيقاف التلوث، وحفظ المصادر الطبيعية.
- فيما تتوضح أهمية استغلال الطاقات المتجددة وانعكاس ذلك على التنمية؟
اليوم يجب على كافة بلدان العالم ومنها الجزائر، أن تواجه استنفاد الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز)، الارتفاع الكبير لمستوى الاستهلاك وتضاعف التبادلات الاقتصادية، تطور النمو الديموغرافي الذي يولّد الاحتياجات أكثر فأكثر (الغذاء و...)، وهي وضعية غير مستدامة، لذلك علينا البحث عن بدائل أخرى تكون دائمة وهنا وجدنا الحل في الطاقات المتجددة وهي الطاقة المشتقة من الموارد الطبيعية التي يمكن أن تتجدد بشكل طبيعي أو تتجدد على مدى حياة الإنسان، وبالتالي تشكل مصدرا للطاقة المستدامة ويمكن استخدامها لخلق الثروة ومن الأمثلة على ذلك الشمس، الرياح، الماء والأرض.
بعض الموارد الطبيعية، مثل الرياح والشمس، لن تنفد عند استخدامها لإنتاج الطاقة، كما أن الاعتماد على الطاقة المتجددة لا يسهم فقط في تحقيق التنمية المستديمة، بل يدعم أيضًا جهود تحقيق أمن الطاقة وكذا الجهد الدولي لاحتواء الآثار السلبية لظاهرة تغير المناخ.
وتتوضح أهمية الطاقات المتجددة في مكافحة تغير المناخ وتأثير الاحتباس الحراري في الحد من انبعاث الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض عند سقف مقبول، والذي يجب أن يقترن بخفض الاعتماد على الكربون في إنتاج الطاقة.
وتشكل الطاقة المتجددة، ممثلة في مصادرها الأساسية: الرياح والمياه والطاقة الشمسية، والتي لم تكن موجودة قبل بضع عشرات السنين، ما عدا الطاقة الكهرومائية، الحل الأمثل في خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون ولقد حددت 160 دولة أهدافها فيما يتعلق باستخدام مصادر الطاقة المتجددة ومن ضمنها بلدان المغرب العربي.
تعرف الجزائر بكونها من الدول التي تملك احتياطيا كبيرا من الطاقة النظيفة، فما هي مصادر الطاقات المتجددة التي تتوافر فيها؟
تتمثل الأنواع المختلفة من الطاقات المتجددة في الجزائر في الطاقة الشمسية التي يمكن التقاطها وتحويلها إلى حرارة أو كهرباء. وتحتوى الجزائر على طاقة شمسية هائلة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، بمعدل سنوي ولاية الجزائر (والولايات المجاورة) تنتج 5 كيلوات ساعة/م2/يوميا، ولاية سطيف 5,5 كيلوات ساعة/م2/يوميا، ولاية بشار 6 كيلوات ساعة/م2/يوميا، ولاية أدرار: 7 كيلوات ساعة/م2/يوميا.
على خلاف المدن الأوروبية المتوسطية التي لا تتجاوز الطاقة الشمسية لديهم 3 كيلوات ساعة/م2/يوميا.
أما الطاقة الهوائية، تعتبر الرياح مصدراً من مصادر الطاقة المتجددة التي لا تنضب، ولذلك فقد عمد الإنسان إلى تصنيع أدوات ووسائل للاستفادة من طاقة الرياح وأهمّها تحويل طاقة الرياح إلى طاقة كهربائية، وتعتمد على تحويل الطاقة الحركيّة إلى طاقة كهربائية باستخدام مولّدات ضخمة بزعانف عملاقة.
وتحتوى الجزائر على طاقة هوائية هامة وعلى سبيل الذكر لا الحصر (10م إرتفاع عن سطح الأرض)، ولاية الجزائر (والولايات المجاورة) سرعة الريح حوالي 3 متر/ثانية، ولاية إليزي سرعة الريح حوالي 5 متر/ثانية وولاية أدرار سرعة الريح حوالي 7 متر/ثانية. هذه المعطيات متقاربة مع المدن الأوروبية المتوسطية (سرعة الريح حوالي 7 متر/ثانية في فرنسا).
فيما يتعلق بتوليد الطاقة (غاز الميثان) من النفايات (النباتية والحيوانية) التي تعد مصدرا مهما لتوليد الطاقة، فغاز الميثان هو أحد المكونات الرئيسة للغاز الطبيعي، ويُستخدم لتشغيل المحرّكات والآلات، ويُستخدم أيضاً لأغراض التسخين مثل الطبخ، وله قُدرة عالية على تسخين الجو إذا تمّ تسريبه مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير.
ويتمّ استخراج الميثان من تحلّل المواد العضوية (فواضل الأبقار والدجاج...) ويتم إنتاج غاز الميثان على درجة حرارة ما بين 32-37 مئويّة، في مكان مُخصّص لردم الفضلات تبدأ عملية إنتاج غاز الميثان، يتم استخدام المخلفات النباتية والحيوانية، ويتم ضغطها آلياً بحيث لا يُسمح للأكسجين بالدخول إليها، تقوم البكتيريا الموجودة في هذه المخلفات بزيادة نشاطها بحيث تعمل على تعفُّن هذه المخلفات. يتم تحريك وتقليب المخلفات بواسطة آلات معينة من فترة إلى أخرى. بعد فترة أربعين يوماً يكون غاز الميثان قد تكوّن وتبدأ عمليّة تعبئته في أسطوانات خاصة.
على سبيل المثال، فإن قطيعا من 10 أبقار يمكن أن ينتج حوالي 3000م3 من غاز الميثان ومدجنة تحتوي على 5000 طير يمكن أن تنتج حوالي 25000م3 من غاز الميثان.
هذا بالإضافة إلى الطاقات الأخرى وهي الطاقة المائية والطاقة الجيو-حرارية.
- تكييف النشاط الفلاحي مع الطاقات المتجددة أضحى ضرورة في الوقت الحالي، فما هي فوائد إدماجها في هذا المجال؟
تكمن فوائد استخدام الطاقات المتجددة في الوسط الريفي وفي المناطق الفلاحية في أن الهدف الأساسي منها هو إنشاء مناطق فلاحية لها القدرة على إنتاج الطاقة (حرارة/ كهرباء) باستغلال الطاقات البديلة.
وقد ركزت الدورات التكوينية على تمكين الفلاحين الشباب مع نهاية الدورات التكوينية ومن خلال مشاريعهم الفلاحية وبطرق علمية، من تحديد مصادر الطاقة التي يمكن استغلالها في المزارع (الشمس، الرياح، الفضلات...) والكميات المتوفرة لديهم، تحديد كمية الطاقة (حرارة/كهرباء) التي تستهلكها المزرعة الفلاحية لإنتاج المواد النباتية/ الحيوانية واختيار التجهيزات المناسبة (تحديد عدد اللوحات الفطوفلتيك،...) بهدف خفض تكاليف الإنتاج وزيادة هوامش الربح.