الموهبة تؤسّس لجدلية بناء عبقري فني
الملتقيات تقوم على الشّكل أكثر من الجوهر
الفضاء الأزرق أدّى إلى تراجع الوصاية إلى أضيق الحدود
«أشياء اللّيل» مجموعة قصصية أشارك بها في «سيلا»
المعروف عنه تواضعه الكبير، قلّة شغفه بالشّهرة والأضواء وحبّه للعزلة خصوصيته، يرى أنّ الكتابة أكثر من وسيلة للتعبير، بل «هي بنت الموهبة والقراءة والعزلة». إنّه الكاتب الجزائري ابن مدينة الجسور المعلّقة طارق لحمادي، الذي يضرب موعدا للقراء في الطبعة القادمة من الصالون الدولي للكتاب بمؤلف الجديد مجموعة قصصية «أشياء الليل». التفاصيل في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب».
❊ الشعب: لو طلبت منك أن تعرّف طارق لحمادي لقرّائنا ماذا تقول؟
❊❊ طارق لحمادي: أصعب ما يواجه الكائن هو هذا السؤال الذي لا ينتهي إلى تعريف، أنا المتحوّل العصبي المشوّش بالموت، أنا الباحث عن لمسة جمال في روح الحقيقة، أصبت بمرض الحياة في التاسع والعشرين أكتوبر 1969 بقسنطينة ومن يومها وأنا أعاني، أتداوى مرة بالنسيان ومرات أخرى بمحاولة الكتابة.
❊ كيف كانت البداية مع الكتابة؟ وأين وصل المبدع اليوم؟
❊❊ ككل بداية غارقة في غياهب الماضي، لا أملك من مفاتيح الذاكرة ما يعين على فهم الجذور، كل الذي كان مجرّد رغبة عطشى في الاستماع إلى الحكايات والأحاجي والقراءة، ثم محاولة التقليد بعد كل هذه العقود ما زلت كما أنا، السّؤال العالق في لسان الدهشة لا يملك من الأجوبة غير أمل الحفر الكتابي، ربما على هذا قال شاعر ألمانيا كلمته الشهيرة «الفنّ طويل والحياة قصيرة»، الحياة قصة قصيرة لا نملك معها غير كتابتها بدمنا..يا إلهي لا حبر غير الدم..ثم، أين وصلت؟ الحقّ أنّي لا أعرف كيف أقيّم تجربتي، ما أقوم به مجرّد أسئلة مشتعلة بالدهشة أمام هامة الوجود..هل يجيب الكون عن أسئلتنا؟ لا أظن ذلك وإلاّ ما كان استمرار وتدفّق الكتابة، أين وصلت؟ أنا لم أبدأ بعد، رغم محاولاتي العاثرة.
❊ من أين تستوحي مواضيع كتاباتك وهل للواقع والأحداث ومتغيّراتها أثر وانعكاسات؟
❊❊ من الطبيعي أن يقتنص الكاتب مادة كتابته ممّا يحيطه، الواقع هو خامة الطين التي ينحت منها الفنّان أعماله عملية الالتقاط، وزاوية الرؤية النفسية، وكسوة عظم الفكرة بلحم اللغة، وطرائق تخريجها وتقدميها للقارئ هي المهمة التي يمارسها وعي الكاتب.
الكتابة الواعية ذات الجمالية العالية هي الكتابة التي لا تسقط في فخ المحاكاة الكاملة وإلاّ أصبح الفن نسخة مقزّزة عن الواقع، هناك منطقة معزولة لا أعرف كيف أقبض عليها باللغة، تلك المنطقة هي مساحة الموهبة والوعي التي تؤسس لجدلية بناء عبقري فنّي بين الحياة كطين وبين الأثر الفنّي كحالة مُنْتَجَةٍ عن ذلك الطين.
❊ ماذا عن مشاركتك في الملتقيات والمسابقات الأدبية؟ وهل ما ينظّم منها في الجزائر يوفي المبدع حقه ويخدم الإبداع؟
❊❊ طبيعتي تميل إلى العزلة، أؤمن أنّ الكتابة بنت الموهبة والقراءة والعزلة، الملتقيات الأدبية تقوم على الشكل أكثر من قيامها على الجوهر، ما الذي ننتظره من هذه الملتقيات غير التعارف والأنس واللقاءات، نجيب محفوظ كان يدير أكبر المنتديات الأدبية في تاريخ عصرنا الحديث في ركن مقهى (الفيشاوي وريش)، خيرة العقول المصرية كانت تجتمع بين يديه، دكاترة وأساتذة وكتّاب وشعراء ومخرجين وطلبة، خليط كبير من المريدين لم يكن الأمر ليكلفهم الشكل والبهرجة التي تلجأ إليها عادة المؤسسات الثقافية الرسمية، ومنه فالعبرة ليست بشكل الملتقى ولكنها بقيمته وبالنيّة التي يقوم عليها، رغم كل هذا فأنا لا أملك الحق كي أسفّه رغبة من يميل إلى فكرة هذه اللقاءات إن كان يتوخّى منها ضرورة الاحتكاك والتواصل مع التجارب الكتابية والإبداعية الأخرى، أما عن المسابقات، فأنا لا أميل إلى هذا الفعل، ووجهة نظري أنّ الأديب الذي يتمتع بقدر من حسّ النضج والوعي الجمالي يربأ بنفسه عن تحويل عصارة فكره وروحه إلى داحس أو الغبراء، ويحقّر موهبته ونفسه ويستصغرهما..ربما يبدو الأمر محفزا في البدايات للشباب باعتبار كون هذه الفئة تضع أول خطاها على درجة سلم الكتابة، لكن أن يحدث الأمر مع الكبار، وأن يقبل الكبير هذا على نفسه فأمر يدعو إلى السخف فعلا..مهزلة شاعر الجزائر تمثل أمامي وأنا أتحدّث في هذا الباب.
❊ ماذا عن إصداراتك وما هو جديدك؟
❊❊ قدّمت كتاب «سارق الفرح» مع دار نشر جزائرية، كما قدّمت قصتي «طائر بلا روح» و»الأجنحة والكشف» مع دور نشر لبنانية، وأصدرت هذه السنة مجموعة «حديقة الله» عن مركز سلطان بن زايد أبوظبي الإمارات، وسوف يكون حضوري بإذن الله تعالى في معرض الكتاب لهذا العام بمجموعة قصصية «أشياء الليل» عن دار المثقّف الجزائرية.
❊ ماذا يقدّم الفضاء الأزرق اليوم للمبدع ؟
❊❊ لحسن الحظ، انتهى ذلك الزمن الذي انبرى فيه الصحفي إلى تشكيل طبقة الكتّاب والشعراء التي أرادها هو، الطبقة التي تتماشى وميوله الإيديولوجي وذوقه المحدود وثقافته المقولبة، طبقة هوى معيّن لا تزيد عليها ولا تنقص عنها.
بظهور وسائط التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفضاء الأزرق تراجعت الوصاية إلى أضيق الحدود، وظهر جيل جديد يحمل على عاتقه مهمة التجريب وعفوية المغامرة وضرورة المحاولة. صار بإمكان الأجيال اليوم على اختلاف مشاربها أن تتواجد على نفس الموقع وفي عين الوقت بالنصّ الفيصل، النصّ الذي يحسم بقيمته الفنيّة الإبداعية فوضى ومغالطات كثيرة أصابت الوسط الأدبي، علينا أن نقرّ بحقيقة مهمة وهي أنّ مسألة الأسماء المكرّسة والأبوية الأدبية التي يرفعها البعض كتكريس للقديم رغم وهنه ضد كل جديد رغم تفرّده لم تعد تؤتي أكلها، علينا أن نصدع لمنطق الحياة والحق من أنّ الاسم الكبير لا يصنعه غير نص كبير، ومن ادّعى الكبر طالبناه بحنّاء يده، أي بنصّه.
❊ كيف هو تواصلك مع المبدعين الجزائريّين والعرب؟
❊❊ علاقاتي مع المبدعين العرب تميل إلى الدفء والمحبة والتواصل، باعتبار أنّ أغلب أعمالي صادرة في الخارج، قدّمت قصصي في أكثر من حلقة أدبية للقراءة والتحليل والمناقشة في النوادي الأدبية بين لبنان ومصر والأردن، أما على المستوى المحلي فعلاقاتي تكاد تكون محدودة ومعارفي جد قليلة ولكنها علاقات في مستوى النبل والمحبة والعمق.
❊ هل تكتفي بكتابة القصة أم تميل لأجناس أدبية أخرى؟
❊❊ أنا أكثر التصاقا بالقصّة القصيرة، ولكن هذا لا يمنع من تجريب جنس كتابة أخرى إن كان المزاج النفسي يسمح بذلك، كتبت للمسرح أيضا أكثر من عمل، وقدّمتني أكثر من فرقة في الجزائر، وحصل واحد من أعمالي «الليلة الأخيرة «على الجائزة الذهبية في مهرجان المسرح التجريبي طبعة 2010.
❊ هل من كلمة أخيرة؟
❊❊ شكرا لكم سيدتي الكريمة على هذه النافذة المشرعة على القارئ، وتقديري لجهودكم النّبيلة التي تخدم الوعي والأدب.