عز الدين معزة أستاذ بجامعة جيجل مهتم بتاريخ الجزائر. شارك في ملتقى حول الثورة الجزائرية بمداخلة حول هجمات 20 أوت 55، والمناطق التي عرفت هذه الانتفاضة على غرار مدينة سكيكدة وقالمة وقسنطينة وجيجل. على هامش الملتقى أجرت «الشعب» هذا الحوار مع الأستاذ معزة.
- الشعب/ في ذكرى هجومات 20 أوت 1955 هل الحدث وجد العناية المستحقة والأمانة حفظت؟ على أي جهة تقع المسؤولية؟
- الاستاد عزالدين معزة: في البداية، أرى أنه من واجب المجاهدين الشرفاء الذين ما زالوا على قيد الحياة ونسأل الله لهم طول العمر والعافية، والمؤرخين والكتاب من أدباء وشعراء وفنانين، ورجال الإعلام، أن يحملوا أمانة تقديم الحقيقة التاريخية لجيل الاستقلال، الذي يتشوق كثيرا لمعرفتها دون تزييف أو تحريف أو تشويه وليكن في علم الجميع بأن تاريخنا لا أحد يستطيع أن يكتبه مثل الجزائريين خاصة أولئك الذين عاشوا مرحلة الثورة ولا ننتظر من أجنبي مهما كانت جديته وعلميته أن يكتب بصدق على الثورة الجزائرية كما عاشها الجزائريون لكن للأسف، لحد الآن لم نستطع كمؤرخين أن نكون في مستوى التضحيات التي قدمها شهداؤنا الأبرار والمجاهدون وكل الشعب الجزائري من أجل استعادة استقلاله وحريته.
- لكن هناك مساهمات وكتابات عن الثورة التحريرية وأفلام تمت؟
كل كتاباتنا حول الثورة هي مثل القزم أمام جبل لم نستطع أن ننقل ونكتب تاريخنا للآخر بالشكل المطلوب والمستحق. ما كتب ما هو في نظري إلا مونولوغ نخاطب أنفسنا، فالآخر وخاصة منهم الأكاديميون يريدون أن يقرأوا تاريخنا من أفواهنا وأقلامنا، ولكننا للأسف لم نستطع حمل أمانة الشهداء للآخر، وليس هذا فقط حتى جيل الاستقلال لم يعد يثق فيما نكتب وبالتالي راح يبحث عن تاريخنا فيما يكتبه الآخرون عنا، وبالأخص من الكتاب الفرنسيين الذين كانوا حاقدين على ثورتنا وشعبنا ووطننا، وكم من شاب وجدته يستشهد بما كتبه أعداؤنا الفرنسيون عن ثورتنا هذا شيء مؤلم حقا، وأرى اللوم يقع على الذين لهم القدرة على كتابة تاريخ الثورة بشكل منهجي وأكاديمي، وكم من جرائم ضد الإنسانية ارتكبها الاستعمار الفرنسي وجيشه في الجزائر قبل ثورتنا وخلالها هي في نظري جرائم الدولة الفرنسية، والتي لا تزول بالتقادم حسب القانون الدولي الذي صادقت عليه فرنسا.
- الكثير من ضباط فرنسا في شهاداتهم ومذكراتهم يقولون إن الجرائم التي ارتكبوها جاءت بأوامر ولخدمة النظام الذي يمثلونه وهي ليست شخصية؟
صحيح هم يقولون هذا.ضباط فرنسا كانوا يرون ويقرون بذلك أن كل ما فعلوه في الجزائر كان بأمر من السلطات السياسية الفرنسية وعلى علم منها، ويرون أن الجرائم التي ارتكبوها في الجزائر كانت من أجل مصلحة الدولة الفرنسية، فمن أجل دولة كل شيء يهون بما فيه القانون الدولي وحقوق الانسان، وأن القانون الذي يحترمه ضباط فرنسا وجنودهم هو في تعاملهم مع بعظهم وداخل فرنسا فقط .أما نحن فإنهم تعاملوا معنا خارج كل القوانين والأعراف والأخلاق والقيم الإنسانية .
- نعود إلى هجومات الشمال القسنطيني كيف بدأت والظروف التي عجلت بها؟
أشير باختصار إلى الأوضاع العامة التي كانت سائدة في الجزائر قبيل صائفة 1955 كانت بداية سنة 1955مرحلة مخاض صعبة على الجزائر وثورتها لم تكن الأحزاب « حزب فرحات عباس ، الحزب الشيوعي ، وجمعية العلماء ، قد أعلنت انضمامها للثورة ، وكانت مواقفها متذبذبة من الثورة، وربما كان هناك بعض من مناضليها من يتمنى أن تفشل الثورة، وأخطر هذه الحركات هي الحركة الوطنية الجزائرية « MNA « التي تأسست في فرنسا بدعم من المصاليين فقد سببت مشاكل عويصة لثورتنا من خلال الدعاية المغرضة بل واستعمال حتى السلاح ضد المجاهدين وحركتهم.
وللأسف هذه الحركة وجدت مؤيدين من بعض أبناء الشعب الجزائري داخل الوطن وسببوا متاعب كثيرة للمجاهدين هذا إلى جانب رد العدو القاسي الهمجي بكل وسائله العسكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية لاحتواء الوضع وإخماد الثورة وإعلانه حالة الطوارئ في الجزائر في مطلع 1955 واعتقال آلاف الجزائريين وسجنهم دون محاكمة وفرض العقوبات الفردية والجماعية على الشعب الجزائري مع تطبيق حكم الإعدام بشكل واسع وتدعيم الجيش الفرنسي بقوات إضافية ضخمة فقد كان عدد قواته في صيف 1954 يقدر بـ 54 ألف عسكري لتصل في مطلع 1955 إلى 80 ألف عسكري مدعم بفيلق من المظليين أحسن جنود الاستعمار تدريبا وتسليحا وفعالية كل هذه الوسائل فشلت في إخماد ثورتنا فقامت فرنسا بعزل الحاكم العام الفرنسي في الجزائر، روجيه ليونار ، وعينت مكانه، جاك سوستال، ودعمته بالبوارج البحرية، وأعداد كبيرة من العساكر ليصل عددها في صائفة 1955 إلى 114000 جندي ولم يكن مجاهدو جبهة التحرير الوطني تنقصهم الصعوبات مثل صعوبات التموين والتمويل والتسلبح ولكن هذه الصعوبات لم تكن مفاجئة لهم فقد توقعوها منذ بداية اندلاع الثورة وأعدوا لها العدة والاحتياطات اللازمة في هذه المرحلة التي نتحدث عنها كانت استراتيجية جبهة التحرير الوطني تتمثل في الحصول على الأسلحة ودفع الشعب الجزائري لاحتواء الثورة واحتضانها وتنبينها عن إيمان وقناعة أن الثورة ثورته وانتصارها انتصاره وهذه الاستراتيجية تتطلب تخطيطا محكما لا مجال للتهاون أو الخطأ فيه، ليس من السهل تحدي استراتيجية العدو الذي استعمل كل وسائله لإخماد الثورة متجاوزا كل القوانين الدولية وحقوق الانسان فجاءت هجومات 20 أوت 1955 لتنسف كل مخططات العدو، ولتؤكد للعالم كله أن ما يجري في الجزائر هي ثورة شعبية حقيقية هدفها شرعي وشريف وقانوني وهو استعادة السيادة الوطنية وإقامة الدولة الجزائرية حسب ما نص عليه بيان أول نوفمبر 1954.
- ماهي الأهداف التي كان يسعى لها منفذو الهجومات؟
الأهداف التي كان يسعى إليها مهندس هجومات 20 أوت 1955 الشهيد البطل زيغود يوسف هي:
أولا: وهي النقطة الأساسية والمهمة، جعل الشعب الجزائري يحتوي الثورة ويحتضنها بكل قناعة وإيمان وبلا تردد أو خوف ..وهنا أستطيع أن أقول أن الثورة الوحيدة في تاريخنا المعاصر التي على طاقتها الذاتية هي الثورة الجزائرية ولم تستطع أية جهة في العالم أن تتدخل في شؤونها الداخلية أو توجيه مسارها.
ثانيا: تشتيت قوات العدو وبث الرعب في جنوده مع العلم أن معظم قواته كانت متمركزة في منطقة الأوراس.
ثالثا: التضامن مع أشقائنا المغاربة في الذكرى الثانية لنفي ملكهم محمد الخامس وهذا يؤكد على أن ثورتنا ثورة إنسانية تقف مع كل أحرار العالم وخاصة مع إخواننا المغاربة والعرب ...ثورة حملت همّ الانسان المظلوم والمستعمر أينما كان.
رابعا: تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه أهم أهداف هجومات الشمال القسنطيني يوم 20 أوت 1955.
أما الانطلاقة فهي معروفة حيث انطلقت من مدينة سكيكدة يوم السبت 20 أوت 1955، ونطرح سؤالا ...لماذا انطلقت من مدينة سكيكدة بالضبط ولماذا اختاروا يوم السبت على الساعة 12 ظهرا؟
هذا اليوم أي يوم السبت يصادف السوق الأسبوعي لمدينة سكيكدة ويتوافد على المدينة عشرات الآلاف من سكان الأرياف والقرى للتسوق مما يسهل على المجاهدين الدخول إلى وسط المدينة بين المتسوقين، أما تحديد الساعة 12 ظهرا من يوم السبت، فإن الضباط والجنود يكونون في هذه الساعة على طاولة الغذاء، وبعد ذلك يأخذون عطلة نهاية الأسبوع ولم يكن أحد منهم ينتظر عملا آخر في نهاية الأسبوع، خاصة أن الأوضاع كانت هادئة جدا في مدينة سكيكدة، بل وأن بعض الضباط كانوا في البحر لأن ذلك اليوم كانت درجة الجرارة مرتفعة في سكيكدة حسب ما أشارت صحافة العدو.
- كيف وصلت هجومات 20 أوت إلى جيجل؟
سأنقل لكم شهادة أحد المجاهدين من ولاية جيجل حول تلك الهجومات بولعيد معزوزي المدعو «الديمقراطي» الذي أوضح في شهادة له « أنه وبعد انضمامه لصفوف الثورة شهر أفريل 1955 شارك مع مجموعة تضم 35 متطوعا في التصدي للهجمة على مدينة الميلية وذلك من خلال سد الطريق الرابط بين منطقتي سطارة وبودوخة حيث تم اعتراض سبيل سيارة للبريد ليتم حجز البريد والقضاء على السائق. وطوال يوم 20 أوت 1955 لم يتم عبور أي تعزيزات عبر هذا الطريق ما سمح للمجاهدين بمهاجمة أهداف ومصالح الاستعمار بمدينة الميلية التي اتسع بها نطاق الهجوم على غرار سكيكدة وعين عبيد والخروب التي شهدت قمعا شرسا سلط ضد الجزائريين.
- كيف كان أثر هذه الهجمات ورد فعل المستعمر عليها؟
كان رد فعل الاستعمار وحشيا وقاسيا ولا إنسانيا فقد قام العدو بانتقام وحشي ضد كل سكان تلك المناطق التي امتدت اليها هجومات الشمال القسنطيني حيث استعمل قواته الجوية والبحرية وفرق المظليين وأمرهم بتنفيذ أعمال انتقامية ضد السكان المدنيين العزل فدمروا القرى وأزالوها من سكانها عن طريق الإبادة الجماعية رافعين شعار الموت للعرب الذي رفعه من قبل الجنرال بيجو في حربه مع الأمير عبد القادر أو بما يسمى سياسة الأرض المحروقة أي قتل وحرق وتدمير كل ماله علاقة بالجزائريين فقد ذبحوا بخناجرهم ورصاصهم وطائراهم كل الأطفال والنساء والشيوخ الذين صادفهم في طريقهم ومنازلهم وهذه المذبحة نفذت يوم الثلاثاء 23 أوت 1955 وبلغ عدد الشهداء 12 ألف شهيد 98 بالمئة منهم مدنيون وقد وصف مراسل جريدة «لومند» الفرنسية تلك المذبحة بقوله» إنني أكتب ما شاهدته يوم 23 أوت 1955 لقد شاهدت بين الضحايا أطفالا ونساء وكهولا وشيوخا من بين آلاف الضحايا الذين قتلهم الجيش الفرنسي.
لم تضعف هذه المجزة الوحشية عزيمة المجاهدين والشعب الجزائري بل العكس من ذلك بل زادتهم إيمانا بثورتهم وحقدهم على الاستعمار وباختصار أستطيع أن أقول إن هجومات 20 أوت نقلت الثورة إلى أوساط الفلاحين والعمال مما جعلها شعبية حقيقية ومن المستحيل القضاء عليها وعلى الشعب الجزائري الذي عرف أن الاستعمار لا يعرف الرحمة ولا يحترم أي قانون