أ. د/ شبايكي سعدان (رئيس جمعية الاقتصاديين الجزائريين) لـ «الشعب»:

«الأزمة في عدم القدرة على تعبئة الموارد اللازمة للمشاريع وأتوقع استمـرار الأداء بشكل عادي لمدة عام»

أجرى الحوار: سعيد بن عياد

 

أموال طائلة خارج الدائرة الرسمية بحوالي 45 % من الكتلة النقدية في السوق الموازي
يعتبر الأستاذ الدكتور شبايكي سعدان، رئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين، أن الأزمة الراهنة تتمثل في عدم القدرة على تعبئة الموارد المالية اللازمة لانجاز المشاريع، متوقعا انه يمكن أن يستمر الأداء الاقتصادي  بشكل عادي لمدة عام دون مشكلة، لكن في ظروف المغامرة بكل شيء.  يوضح في هذا الحوار لقراءة تداعيات الصدمة المالية الخارجية أن تدخل بنك الجزائر لفرض اعتماد معدل فائدة كرجعي أمر ضروري، غير أن مفتاح النمو برأيه يكمن في الرهان على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما يدعو في ظل أزمة أسواق المحروقات- رغم انتعاشها قليلا- إلى التركيز على الفلاحة الأقل كلفة استثمارية وذات القدرة التصديرية، مع استمرار مسار بعث الصناعة والدفع بالسياحة الداخلية. وحول ما يعرف بإضراب التجار، يؤكد الخبير أن ذلك كان له خلفية سياسية ترجمت في الحقل الاقتصادي ليدعو إلى تنمية الإعلام الاقتصادي الجزائري من اجل وضع المستهلك على كافة المستويات في بينة من حقيقة المؤشرات. وفيما يلي الحوار كاملا:



»الشعب»: في ظل تداعيات الصدمة المالية الخارجية وضمن أحكام قانون المالية، كيف يمكن للبنوك أن تلعب دورها في تمويل الاستثمار وضمان استقرار العملة؟
الأستاذ شبايكي سعدان: على اعتبار أن أزمة البلد الآن هي أزمة مالية حصرا، أي أن هناك صعوبة تتمثل في عدم القدرة على التوفير الميسر والعادي لما يلزم من الأموال لتنفيذ البرنامج، في الوقت الذي نعلم فيه كذلك أن البلد يملك أموالا موجودة في صندوق ضبط الإيرادات وموجودة في صندوق الاحتياطيات بالعملة الصعبة وبإمكان البلد إذن أن يستمر الأداء الاقتصادي فيه بشكل عادي على الأقل لمدة عام دون مشكلة، لكن في ظروف المغامرة بكل شيء.  من ثمة فإن الحديث عن الأزمة المالية يتمثل في حالة الجزائر الآن في عدم القدرة على تعبئة وإيجاد أموال تمكن من تنفيذ المخططات دون المغامرة بكل الأوراق، في الوقت الذي نعلم:
أنه توجد أموال طائلة خارج الدائرة الرسمية تمثل بحسب التقديرات الأولية في قرابة الـ 45 % من الكتلة النقدية في السوق الموازي ولدى الأسر التي ترفض جملة و تفصيلا التعامل مع المؤسسات المالية الوطنية القائمة بالنظر إلى شبهة الربا!
إن هناك أموالا كذلك لدى البنوك العمومية وهي غير مستثمرة. أمام منطق الخطر الاقتصادي فإن تصرف الحكومة الآن نراه مقبولا جدا في عدم اعتماد المغامرة غير المضمونة ولذلك فإن حل الاعتماد على المؤسسات المالية العمومية في تعبئة الموارد هو الحل الذي يجب أن يعتمد، ومن ثمة فإن البنوك العمومية مدعوة إلى اعتماد المعايير الدولية في التسيير والتحول من بنوك تجميع الأموال،  إلى بنوك استثمار متخصصة قطاعيا كأن تتخصص بنوك في الصناعة و أخرى في الزراعة و أخرى في الخدمات وهكذا.. وبتواضع شديد فإني أرى أنه لابد من الاعتماد على البنوك العمومية في الإستثمار الذي يخلق الثروة ويؤدي بشكل مباشر إلى خلق مناصب شغل وتلبية حاجات البلد والمواطن وبشكل غير مباشر إلى استقرار و لما لا تقوية قيمة العملة.
لقد انزلقت قيمة الدينار الآن إلى مستويات متدنية جدا بسبب ضعف الأداء الاقتصادي عموما والاستنزاف عبر الاستيراد غير الضروري وتهاون بنك الجزائر في ضبط ومراقبة قيمة العملة.
تدخل بنك الجزائر لفرض
معدل فائدة مقبول
تثير نسب الفائدة التي تتعامل بها بعض البنوك خاصة الأجنبية حفيظة السوق وبالذات بالنسبة للمستهلك في وقت يضطر فيه للاقتراض. ويبدو أن بنك الجزائر وجه تنبيها للحد من معدل الفائدة. ما هي قراءتك لمؤشر الخدمة البنكية ؟
@@ من حيث المبدأ يعتبر معدل الفائدة وسيلة لدى البنك للإقراض وتعبئة المدخرات، غير أنه  لابد في حالة مثل اقتصاد الجزائر أن يكون معدل الفائدة متماشيا مع وضع وقوة ونمو الاقتصاد ومراعاة معدل التضخم وإلا سيؤدي معدل الفائدة إلى فقد العائد على الاستثمار وعلى الادخار لكثير من قيمته ويبدأ الأفراد في العزوف عن التعامل مع البنوك والإلتجاء إلى سبل أخرى كالسوق الموازي مثلا.
  في الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، أين سيكون المستهلكون مضطرون للتعامل مع البنوك عموما، فإن تدخل بنك الجزائر(البنك المركزي) في فرض معدل فائدة مقبول على كل البنوك بما فيها الخاصة وفروع البنوك الأجنبية أمر لا غنى عنه، وإلا فإن كل سياسات تعبئة الادخار وربما الاقتراض العام عبر سندات جديدة لن يتحقق.
  نشير في هذا المقام  إلى ضرورة اعتماد مقاربة البراغماتية، أي أينما وجدت مصلحة اقتصادية توفر المال وتحل مشكلات أخرى للبلاد فإن اعتمادها أمر فيه منطق وأقصد هنا الأموال الموجودة لدى الأسر الرافضة  - بسبب قضية الفائدة  - للتعامل مع المؤسسات البنكية والمالية الموجودة الآن ، وهي فئة يتغذى منها السوق الموازي ومن الضروري بالتالي التعامل معها ببراغماتية أي التكفل بها عبر مؤسسات مالية تتعامل وفقا للشريعة الإسلامية، ولكن لابد كذلك من احاطتها بما يلزم من القوانين حتى لا يدخل في البلد في تجربة قد تنحرف عن مبتغاها النبيل.
انجاز نمو يقترب من 3 بالمائة صعب
 يمثل النمو (وبالذات انجاز معدل قريب من 3 بالمائة) التحدي الأول للمنظومة الاقتصادية، هل تتوفر العناصر اللازمة لذلك، وما هي مسؤولية المؤسسة الإنتاجية والمستثمر في تحريك دواليب السوق خاصة من جانب توفير مناصب العمل وإنتاج القيمة المضافة؟.
@@ لا يمكن في ضوء الظروف الحالية تحقيق معدل نمو يقترب من 3 بالمئة لأن البترول يحتل حصة كبيرة في الاقتصاد وهو قطاع راكد الآن، واذا تحرك فإن ذلك سيكون في المدى البعيد ومن جهة أخرى فإن جهاز الإنتاج الجديد الناشئ عبر الشراكات الجديدة و إعادة بعث الصناعة أيضا لا تنظر نتائجه المأمولة إلا في المدى القصير و المتوسط.
اني أرى أن تحريك النمو الاقتصادي نحو الارتفاع يتم عبر المزيد من سياسات فسح المجال أمام إنشاء المؤسسات الصغيرة لأنها هي أساس الاقتصاد وهي القادرة على خلق القيمة المضافة و خلق مناصب الشغل ومن ناحية أخرى الإبقاء كذلك على دور الدولة كمستثمر أول استراتيجي في القطاعات القائدة للاقتصاد.
مواصلة بعث الصناعة
 والتركيز على الفلاحة
قطاعات معينة مطالبة بالنهوض مثل السياحة والصناعة التقليدية والفلاحة التحويلية الصناعية والمناجم... إلخ من النشاطات التي يمكن للجزائر أن تحقق منها ثروة بإشباع السوق والتصدير، كيف يتحقق ذلك، وما هي الإضافة التي يمكن للغرف التجارية والصناعية وغرف المهن أن تقدمها في هذا الظرف؟.
@@من الناحية الاقتصادية وعند استقراء التاريخ نجد أن الدول المقتدرة وصلت إلى ما وصلت إليه عبر البدء بقطاع الزراعة لأنه هو القطاع الذي يحقق الأمن الغذائي و يؤدي إلى خلق فائض للتصدير وهو القطاع الذي يتطور فيحرك الصناعة لإنتاج المعدات والأدوات  ويؤدي الأمر إلى تحريك قطاع المقاولات ثم الخدمات وهكذا دواليك....
 في حالة الجزائر لن نوقف المسيرة لننطلق من جديد بل يجب الاستمرار في نهج بعث الصناعة، ولكن الاهتمام أكثر بقطاع الفلاحة لأن استيراد الغذاء يأخذ الكثير من العائدات المالية علما أن تكلفة الإنتاج في الزراعة قليلة مقارنة مع قطاعات أخرى.
  من ناحية أخرى لابد من المراهنة على السياحة الداخلية أي زرع ثقافة السياحة لدى الأفراد من خلال ترميم مركباتنا وترقية الخدمة فيها حتى تتكرس السياحة في الأذهان لعشرية أو أكثر ثم نفكر بعد ذلك في السياحة الخارجية التي نحن بعيدون عنها بكل المقاييس رغم  المتوفر من المقدرات والشواهد والإرث الثقافي.
معالجة السياسة النقدية
 أصبحت الزيادات في بعض المواد والرسوم تفرض رد الاعتبار للنقود المعدنية الصغيرة (الصرف). هل يعقل أن يترتب عن زيادة دينار في لتر مازوت زيادة وسائل النقل لـ 5 دنانير. ألا يشكل غياب القطع النقدية الصغيرة صورة سلبية لاقتصاد السوق؟.
@@ صحيح إذ أن غياب أكثر من خمس قطع معدنية نقدية من التداول الآن أدى إلى عدة إشكالات حسابية بحيث أصبح المواطن يدفع دائما اكثر مما يطلب منه بسبب غياب هذه القطع، ويعود ذلك إلى تآكل قيمة العملة بحيث أصبح العد فيه يبدأ عمليا من 5 دج فما فوق و لذلك فإن تغيير العملة أمر يطرح نفسه. ما يقال عن العملة الصغيرة فإنه يقال كذاك على الأوراق من فئة 2000 دج التي ليست عملية. إن هذا الوضع يعطي صورة واضحة على قصور متعمد و سوء تسيير مالي و نقدي للبلد.
محاربة الأسواق الفوضوية
وتوسيع الرقابة التجارية
 حاول البعض تحريك التجار لأغراض غير واضحة اقتصاديا، كيف تقرأ التطورات، علما أن السوق تفتقر لأدوات الشفافية مثل الفواتير وإشهار الأسعار عند الشراء والبيع كما هو الحال للعملة الأجنبية؟
@@ ما حدث أخيرا من اضطرابات عبر تحريك التجار هو أمر سياسي يجري في الحقل الاقتصادي على اعتبار أن القوى الخارجية التي تشغل جزائريين بالوكالة لن يهدأ لها بال حتى يسقط هذا البلد و يدخل في فوضى و لكن الحمد لله أن الأمر مر بسلام، و لكن كذلك  لابد من التوقف عنده لاستخلاص الدروس التالية :
ايلاء أهمية للإعلام على كافة المستويات و ضبط و مراقبة مصادر الإيعاز السلبي و فضحها و التعاطي معها بالمثل.
مراقبة السوق عبر تفعيل دور كل أجهزة الرقابة .
محاربة الأسواق الفوضوية التي هي شكل من أشكال السوق الموازي الذي يحرم الدولة من حقوقها و يضر أحيانا بالمواطن.
وضع المعلومة الاقتصادية في متناول المواطن سواء تعلق الأمر بالأسعار التي يجب أن تعلن و هو أمر معمول به حتى في أكبر الإقتصادات أو بمعلومات أخرى. لابد لوسائل الإعلام أن تساعد في نشر الأسعار الاستهلاكية ودراسات الأسواق حتى يكون المواطن على بينة من كل شيء ويصبح يتعامل مع الأشياء على بينة و ليس عن جهل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024