فاطمة زرهوني، الفنانة التشكيلية المناضلة، المرأة المبدعة التي كسرت الحواجز وغيرت نظرة المجتمع للمرأة الفنانة، اقتحمت عالم الفن التشكيلي في زمن كان فيه حكرا على الرجال، فتقدمت بخطوات ثابتة وصنعت لها اسما وسط الصعوبات والعوائق التي كانت تقف في وجه المرأة آنذاك.
فاطمة زرهوني، تحدت والدها في طفولتها، والذي كان ضد رسوماتها خوفا على دراستها، إلا أنها أبت إلا أن تنمي موهبتها، وتُنبت بداخلها أحلام طفلة كانت ترى في نفسها فنانة تشكيلية لها اسمها وصيتها، ولم يكن لها سبيل وهي في العاشرة من العمر سوى التحايل على صديقاتها اللواتي أعجبن برسوماتها أن تقدم لهن رسما مقابل الحصول على قلم للتلوين، وهو ما جعل ـ حسب ما أكدته فاطمة زرهوني ـ والتي نزلت ضيفا على “الشعب” أول أمس الأحد من أولياء التلاميذ يشتكين ضياع أقلامهن، “وهو ما جعل من مديرة المدرسة تستدعي والدتي، حيث استاءت من تصرفاتي”، مضيفة بأن والدها أصبح يترقبها ليلا، ليكتشفها في يوم من الأيام ترسم وتلون، وهو ما أثار غضبه، قائلا لها: “تسهرين من أجل الرسم وماذا عن دراستك”.
حيلة فاطمة زرهوني في توفير أقلام التلوين، لم يكن لأجل ملأ فراغ أو لمجرد تسطير خربشات، هي الأقلام التي قدمت للجزائر امرأة فنانة ومبدعة، عايشت الواقع بحلوه ومره فصورته لعشاق الفن التشكيلي فأحبوا أعمالها ورسوماتها، حيث لم يذهب تحديها سدى، فوجدت خلال الستينيات من يأخذ بيدها أمثال اسياخم ومالك حداد، وهي اليوم تنتهج مسارهم وتأخذ بيد فناني المستقبل.
تقول فاطمة زرهوني إنها قدمت أول لوحة لها في معرض سنة 1962، بمناسبة الثامن مارس، بحضور الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة، حيث كانت تدرس آنذاك بـ«سوق الجمعة” بالقصبة، وهو ما أهلها لتقدم رسما تصور فيه المرأة الجزائرية وخلفها شمس، وكانت تقصد من خلال هذه اللوحة أن المرأة ليست مستقلة ومازالت سجينة، لكن هناك أمل، مشيرة إلى أن أحمد بن بلة تمكن من تفكيك مغزى الصورة، ولم يستغرب حين تعرف على صاحبة الرسم قائلا: “لا أستغرب ذلك”.
من منبر “الشعب” تسترجع الفنانة التشكيلية فاطمة رحال زرهوني بداياتها، الابتسامة والضحك لم يفارقا محياها وهي تسرد لنا مشوارها في عالم الفن التشكيلي، حيث تستشف منهما امرأة مناضلة لم تدخر جهدا في خدمة فنها ووطنها، فهي الفنانة وأيضا الأستاذة التي امتدت خبرتها في ميدان التعليم لما يقارب 45 سنة، فناضلت لأجل تعليم أبناء وطنها اللغة الأم في زمن الاستعمار الفرنسي، والذي كان يرفض أن يلتحق أطفال الجزائر بمدارسهم، أو التحدث باللغة العربية، فسخرت نفسها لأجل تعليمهم، حيث كانت بداياتها بـ«لعقيبة” سنة 1958، كما درست بسوق الأحد، ثم سوق الجمعة.. وكل ذلك لأجل المحافظة على الهوية الوطنية.
الإرادة والتحدي سبيلها نحو النجاح
زرهوني قالت بأنها تقوم بواجبها كامرأة، وتفضل اليوم العمل إلى جانب الأطفال، والذين يعدون ورقة بيضاء، مشيرة أيضا إلى أنها تناضل لأجل هذا الوطن، وهي المهمة التي حملتها على عاتقها قبل الاستقلال وبعده للحفاظ على الهوية الوطنية، وعلى تراث وثقافة هذه الأمة، فكانت الكتابة والرسم طريقها لتحقيق ذلك.
من جانب آخر أكدت الفنانة التشكيلية أنها واجهتها الكثير من الصعوبات والعوائق خلال مشوارها الفني، لكنها جابهتها بكل إرادة وتحدي، فكانت المرأة التي لا تهاب شيئا، وقول الحقيقة دائما على لسانها، كون الحق حق والباطل باطل.
تحدثت فاطمة رحال زرهوني عن بعض أعمالها، ومنها “وان مان شو” بمتحف الفنون الجميلة في اليوم العالمي للمرأة، والذي كتبت فيه عن مختلف مشاكل المرأة الجزائرية حتى الشخصية منها، والتي ـ تقول ـ استلهمتها من هذا الواقع المعيش، واختارت له عنوان “كوني حذرة”، كما قدمت العديد من الأعمال، مؤكدة أنها لا تستهويها الرسومات المنبثقة من الخيال، بل تفضل دائما أن تصور هذا الواقع، فصورت الاستعمار الفرنسي حتى تتعرف عليه الأجيال القادمة، كما صورت المرأة، وفتحت المجال للأطفال للتعبير عما يختلجهم من خلال استخدام الريشة، فكانت بالنسبة لهم الفنانة والمعلمة التي ساعدتهم على إبراز مواهبهم، واستخدمت أسس المعالجة بفن الرسم، وهو ما تجلى في كتاب صدر لها، تضمن رسومات لأطفال عايشوا زلزال بومرداس 2003، حيث كان متنفسا لهم، وكانت بدورها المعالج النفساني لهؤلاء الأطفال.