الجزائــر حقّقت تقدّما ملحوظا في مجـال حقوق الطّفولة والأسرة
اختارت النّاشطة الجمعوية في مجال حقوق الطفل، حميدة خيرات، العمل التطوعي الإنساني وسيلة لتحقيق الذات، لأنّها تراه واجبا إنسانيا لبناء الفرد والمجتمع من خلال تقديم المساعدة، ومد يد العون، والعمل على خدمة المجتمع وتنميته، في حوار جمعها مع “الشعب” تحدّثت عن مسيرة تمتد الى ثلاثة عقود من العطاء والبذل الإنساني، حميدة نموذج حي عن حرائر الجزائر.
الشعب: من هي حميدة خيرات؟ وكيف بدأت مسيرتها في العمل التطوعي؟
النّاشطة الجمعوية في مجال حقوق الطّفل حميدة خيرات: حميدة خيرات ناشطة جمعوية في مجال حقوق الانسان خاصة حقوق الطفل (32 سنة في الحياة الجمعوية)، متحصّلة على شهادة في الدراسات العليا علوم سياسية وعلاقات دولية.
بدأت مسيرتي في المجال التطوعي الإنساني منذ 1993 بعد التحاقي بالكشافة الإسلامية الجزائرية، بفضل زميلي في الجامعة الذي كان عضوا بها، لاحظ نشاطي خاصة في اللقاءات والندوات والملتقيات التي كانت تنظمها المنظمة الطلابية بالجامعة، فطلب مني الالتحاق بالكشافة، وبدون تفكير التحقت بها وأنا في العشرين من عمري.
تلقّيت التكوين والتدريب من طرف قادتها، ما سمح بصقل مهاراتي وتقويض قدراتي الى جانب مشاركتي في عدة دورات تكوينية كشفية بالخارج كإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، تدرّجت في المراتب حتى مُنحت لي الشارة الخشبية كقائدة في الكشافة الإسلامية، ليتم ترشيحي بعد ذلك لأصبح عضوا قياديا بالقيادة العامة.
استمرّ نشاطي معهم منذ 1993، كعضو ناشط وقيادي بالقيادة العامة، واستمر الأمر إلى غاية 2004، السنة التي تمّ فيها تأسيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل أو ما يعرف اختصارا بشبكة “ندى”، وكنت مع بعض الزملاء النواة الأولى لتأسيسها.
فبعد زلزال بومرداس، فكّرنا في تأسيس شبكة للدفاع عن حقوق الطفل، خاصة وأن الولاية في تلك الفترة، وبسبب الدمار الهائل الذي حلّ بها بعد زلزال 21 ماي 2003، تسبّب في فقدان الكثير من الأطفال لآبائهم وعوائلهم، لذلك فكّرنا في تأسيس هذه الشبكة التي يعد العمل الإنساني التطوعي جوهر نشاطها.
ومنذ 2004 قسّمت وقتي بين الكشافة الإسلامية وشبكة “ندى”، لكنني قدّمت استقالتي من الكشافة الإسلامية في 2014 للتفرغ لعملي بالشبكة، فقد سيطرت عليّ فطرة الأمومة، وشعرت بميل كبير للنضال في مجال حقوق الطفل...قناعتي التامة بهذه المهمة النبيلة جعلني أسخّر كل وقتي لحقوق الطفل، وقد وضعت كل مؤهّلاتي ومكتسباتي في التكوين والتدريب في خدمة هذا الهدف النبيل.
كما أنّ عملي الدؤوب في الشبكة منذ 2004 وعلى مدار مسيرة تجاوزت العقدين من الزمن بالشبكة، مكنني من الحصول على شهادات دولية في مجال حقوق الطفل، منها شهادة دولية من مركز حقوق الانسان بجنيف بسويسرا، وشهادة دولية من المركز الدولي الكندي للتربية وتنمية حقوق الانسان.
انطلاق العمل مع الشبكة بدأ بكل صرامة وجد ما ممكننا من فرض أنفسنا في الميدان، وقد سمح لنا تقديم توصيات ومقترحات من اجل تعزيز حقوق الطفل في اللقاءات والجلسات والملتقيات التي تنظمها مختلف الهيئات الرسمية، ومن بين هذه المقترحات نجد أهمها في مجال تشريع القوانين المتعلقة بحماية الطفل خاصة بعد مشاركتنا في عرض التقرير البديل حول وضعية حقوق الطفل بعد الدعوة التي تلقيناها كشبكة من طرف اللجنة الدولية لحقوق الطفل بجنيف عرضناه في 2012، والحمد لله تضمّنت توصيات اللّجنة مقترحات الشبكة.
بعد عودتنا دعتنا وزارة العدل للمشاركة في سن القوانين، ولما يقارب الخمس سنوات ونحن نعمل معهم لوضع قانون حماية الطفولة ليليها استحداث الهيئة الوطنية لحماية الطفولة التي تشرف عليها السيدة شرفي منذ 2015، وتعتبر هذه المكتسبات كبيرة ومهمة بالنسبة لنا، خاصة مع وجود إرادة سياسية حقيقية للدولة الجزائرية في هذا المجال، سمحت بتحقيق مكتسبات حقيقية على أرض الواقع من خلال التشريعات والقوانين التي تمّ سنّها، بالإضافة الى التوقيع على اتفاقيات دولية ذات صلة بحقوق الانسان وحقوق الطفل والمرأة، إلى وضع الآليات للحماية القضائية والاجتماعية لهذه الفئة من المجتمع.
وكانت آخر مشاركتنا الدولية في اللقاء الدولي للخطوط المساندة لحماية الطفولة في الأردن سنة 2023 وفي الإمارات سنة 2024، استطعنا خلالها عرض تجربة الجزائر في حماية حقوق الطفل.
من خلال مسيرة عمرها سنوات طويلة، كيف تقيّمين المكاسب التّشريعية المحقّقة لصالح الطّفل والأسرة عموما؟
المكتسبات لم تأت من العدم، وبصفتي ناشطة في مجال حقوق الطفل لأكثر من عقدين من الزمن، أستطيع القول أنّ الجزائر حقّقت تقدّما ملحوظا في هذا المجال، طبعا مع وجود بعض النقائص التي تعمل الهيئات الرسمية بالشراكة مع المجتمع المدني على سد هذه الثغرات، خاصة مع وجود إرادة سياسية قويّة تسخّر كل الوسائل لتحقيق ذلك، مع العلم أنّ المقترحات والتوصيات التي قدمناها سابقا أخذتها الوصاية بعين الاعتبار، فقد شاركنا في النقاشات حول الحضانة، النفقة، وقانون حماية الطفل بصفة عامة، لأنّ الدولة تعتبر المجتمع المدني شريكا فعّالا في هذا المجال.
ومن خلال مسيرة في الحياة الجمعوية عمرها 32 سنة، أستطيع التأكيد على أن الجزائر حقّقت مكاسب كبيرة، وتقدّما مهما في مجال حماية حقوق الطفل وحقوق المرأة، من خلال سن قوانين ووضع آليات الحماية الاجتماعية والقضائية إلى التوقيع على الاتفاقيات الدولية، إلا أنّنا لابد من تعزيز هذه المنظومة وتقييمها واقعيا بالعمل على متابعة البرامج والسياسات الموضوعة.
هل استطاعت التّشريعات الجديدة تحقيق المصلحة الفضلى للطّفل؟
واقع الطّفل في المجتمع وبالرغم من ترسانة القوانين الموجودة والآليات المستحدثة لحماية الطفل، لم تستطع تحقيق المصلحة الفضلى والرفاه بنسبة مائة بالمئة، لسنا بعيدين عن تحقيقيها لكن نعمل كدولة وكمجتمع مدني على تحقيقها، فالتشريعات والقوانين التي سنّتها الدولة في السنوات الأخيرة حقّقت نسبة من المصلحة الفضلى للطفل، لكن يجب العمل على تعزيز هذه المنظومة القانونية والاجتماعية والاقتصادية لبلوغ الأهداف المرجوّة.
كيف تقيّمين واقع المرأة في المجتمع من خلال الدور المنوط بها في بناء مجتمع سوي؟
أستطيع القول إنّ المرأة الجزائرية مضرب المثل في التزاماتها وبطولاتها، ودفاعها المستميت عن مبادئ وقيم الثورة الجزائرية، فقد كانت وما زالت المرأة عنصرا أساسيا ومحوريا في إحداث التغيير في المجتمع، لأن المرأة الجزائرية ضحّت بالنفس والنفيس لتثبت وجودها في مختلف المجالات، وكان لها وما زال دور فعّال وفاعل في التنمية، وبناء الفرد والمجتمع جنبا الى جنب مع الرجل.
والدليل على ذلك أنها كانت منذ اندلاع الثورة الجزائرية 1954 رمزا للتضحية والبذل، وقد سجّلت قوائم الشهيدات والمجاهدات والمسبلات والمناضلات أسماؤهن بحروف من ذهب، ما يعني أن المرأة الجزائرية لم ترض لنفسها البقاء على الهامش مكتوفة الايدي، بل أخذت بزمام الأمور وفرضت نفسها، واستطاعت أن تكون عنصرا محرّكا للأحداث. وأصبحت إطارا فاعلا في مختلف المجالات الاقتصادية الاجتماعية والتربوية، أعتبره مكسبا مهما للمرأة، فمقارنة بالدولة العربية استطاعت الجزائر أن تكون سبّاقة في تمكين المرأة من حقوقها وتقليدها مناصب عليا في الدولة، رغم ذلك هناك نقائص يجب العمل عليها لتعزيز مكاسب المراة الجزائرية.
كيف توفّق حميدة خيرات بين التزاماتها الأسرية والتزاماتها في العمل التّطوّعي؟
التّوفيق بين التزاماتي الأسرية والتزاماتي التطوعية مرتبط بالتنظيم وعدم الخلط بينهما، لا أنكر أنّني في البداية وجدت صعوبة في ذلك، لكن جلست مع نفسي وسألتها لماذا لا أفرض نظاما لينا للتوفيق بين التزاماتي المختلفة، لكن الأكيد شغفي بما أقوم به في الميدان منحني القدرة والقوة على تجاوز الصعاب، واستطعت إيجاد معادلتي الخاصة للتوازن بينها، السر في قناعاتي أنّ الإخلاص سيمنحك التوفيق من الله تعالى.
صحيح تعبنا وبذلنا جهدا كبيرا للتوفيق بين حميدة الأم والزوجة والناشطة، لكن حبي لأبنائي والأطفال عموما جعلني أكرّس حياتي لهم، فالعمل التطوعي الإنساني بالنسبة لي هو واجب إنساني لبناء الفرد والمجتمع من خلال تقديم المساعدة ومد يد العون لمستحقيها، والعمل على تحقيق الخير في المجتمع، بعبارة أخرى خدمة المجتمع وتنميته.