الشاعر أمجد مكاوي لــ”الــشعب”:

الأزمة في الـشعـراء.. ليسـت فـي الـشعـــر

حاوره: موسى دباب

ممـتن لجائـزة “علي معـاشي” التي منحتني الثقة في الـنفس

يستعرض أمجد مكاوي في لقاء خاص مع “الشعب”، رحلته في عالم الشعر، بداية من تأثره بالشعر الكلاسيكي والتقليدي، إلى انتقاله إلى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. كما يناقش تأثير البيئة الأدبية في الجلفة ودورها في صقل موهبته، بالإضافة إلى أهمية الجوائز في تعزيز الثقة وتحفيز الإبداع. ويسلط الضوء على رؤيته الشعرية، وتجربته في إدارة المبادرات الثقافية، والتطورات الحديثة في الساحة الشعرية، موضحا دور الأجيال الجديدة في التجريب وابتكار أشكال شعرية جديدة.

- الشعب: كيف كانت بدايتك الشعرية وما الدور الذي لعبته السنوات الأولى في شعرك؟
 أمجد مكاوي: الحديث عن بداياتي الشعرية أو بداية تشكل الموهبة يعود إلى سنوات الطفولة.. بدأت القصة بحبي للشعر، الذي كان مادة أدبية وإبداعية جذبتني منذ صغري. لكن البداية الفعلية لكتاباتي بدأت في نهاية مرحلة الثانوية، حيث بدأت أبحث عن الشكل الذي أريد أن أكتبه. فكانت مع القصيدة الكلاسيكية التي قرأناها في المناهج الدراسية والتي كانت متوفرة بكثرة في المكتبات خلال سنوات 1999 و2000.
كان هناك وفرة في الكتب الشعرية خاصة الكلاسيكية. مع مرور الوقت، بدأت أجد نفسي في الشكل الفني لكتابة القصيدة، حيث تدربت على كتابة القصائد الكلاسيكية قبل أن أتجه إلى قراءات الشعر الحديث وكتابة قصيدة التفعيلة، التي اندمجت بها مثل باقي الشعراء في الجزائر والعالم العربي.

- ما هي نقطة التحوّل في مسيرتك الشعرية؟
 بالنسبة لنقطة التحوّل في الكتابة، أعتقد أنها كانت في عام 2009 أو 2010 عندما التقيت بأحد الشعراء الجزائريين البارزين، وهو الشاعر أحمد عبد الكريم من مدينة الهامل. كان لي معه لقاء، حيث قرأ بعض النصوص التي كنت أنشرها حينها بين الحين والآخر في بعض الجرائد الوطنية.
في تلك الفترة، كان لدي تخوف وقلق من النشر والدخول إلى عالم الكتابة الأدبية بشكل محترف، حيث كان ينقصني الثقة بالنفس. ولكن بعد لقائي بالشاعر أحمد عبد الكريم، الذي شجعني ونوّه بإمكانياتي وأكد لي أن لدي موهبة تمكنني من نشر مجموعة شعرية والمشاركة في المسابقات، شاركت في مسابقة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب بأول مجموعة شعرية لي بعنوان “يكفي القليل من الصمت”، حيث حصلت على المرتبة الثانية، وكان ذلك في عام 2013. هذا النجاح كان بفضل إصرار الشاعر أحمد عبد الكريم على مشاركتي في المسابقة. في نفس العام، نشرت أول مجموعة شعرية لي بعنوان “يكفي القليل من الصمت”، وبدأت رحلتي في تطوير أدواتي وتجارب الكتابة، من مرحلة الهواية إلى الاحتراف إذا صح التعبير.
 
- هل أثرّ تطور قراءتك وتأثرك بالشعر الكلاسيكي والحديث على تطور كتابتك الشعرية؟
 طبعا، كأي شاعر، لابد أن أكون قد تأثرت بمدارس وشعراء مختلفين. البداية كانت بالتأثر بشعراء القصيدة الكلاسيكية، بشعراء العصر الأموي والعباسي، بالإضافة إلى شعراء مثل أبي الطيب المتنبي، وأبو نواس، وأبو فراس الحمداني، وغيرهم من شعراء الكلاسيكية وفحول الشعر العربي.
ومع مرور الوقت، بدأت تتطور قراءاتي، وانتقلت إلى الأدب الحديث والشعر الحديث، حتى وصلت إلى مجددي الشعر العربي مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب. إلى غاية اكتشاف شعراء الحداثة الذين عاصرناهم، مثل مظفر النواس وأمل دنقل، وغيرهم من الأسماء الكثيرة. وبدأ يتشكل النص الحديث لدي، حيث تبلورت الرؤية الحديثة للشعر في كتاباتي، إلى غاية قراءة شعراء جزائريين، على غرار “عثمان لوصيف” و«عبد القادر رابحي” وغيرهما.

- ما دور الجائزة في منحك الثقة وتحفيزك لمواصلة الابداع؟
 الجائزة، بلا شك، لها فضل معنوي كبير في مسيرتي. هناك من يرى أن بعض الجوائز قد تكون قاتلة، فيما يعتبرها آخرون محفزا معنويا وماديا، خصوصا في الكتابة الشعرية. الشعراء دائما يبحثون عن الجدوى من خلال كتاباتهم، ولذلك أنا ممتن لجائزة “علي معاشي”، التي منحتني الثقة في النفس، وخاصة أنها جائزة محترمة للغاية، وقد قدمت العديد من الأسماء المبدعة التي أصبحت الآن ذات حضور عربي كبير. على سبيل المثال، الروائي والشاعر “إسماعيل يبرير” الذي فاز بهذه الجائزة، وأصبح لديه اسم بارز في الوطن العربي يحصد أكبر الجوائز.. كذلك الروائي عبد الوهاب عيساوي، الذي حصل على جائزة “كتارا” وكان قد بدأ بجائزة “علي معاشي”، التي كانت أولى تتويجاته. إلى جانب العديد من المبدعين في ولاية الجلفة حصدوا هذه الجائزة، وكان لها دور كبير في أن أكتسب ثقتي بنفسي وأن أستمر في مسيرتي كدعم معنوي كبير، مما شجعني لدخول عالم الكتابة على الأقل في ذلك العمر من باب أوسع وسط الكتاب الشباب.

 - كيف أثر تنوّع أسلوبك في كتابة الشعر، من قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، على تجربتك الإبداعية وإصداراتك؟
 كما ذكرت سابقا، كان أول إصدار لي بعنوان: “يكفي القليل من الصمت”، وهي أوّل مجموعة شعرية قمت بنشرها في سنة 2013، وهي من قصيدة التفعيلة. تعدّ هذه المجموعة باكورة أعمالي وقد حصلت على الجائزة الثانية في مسابقة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب “علي معاشي”. اليوم، أرى هذه التجربة من منظور إيجابي، باعتبارها بداية مشواري الشعري. ربما لم تكن مجموعة استثنائية أو قدمت إضافة كبيرة، لكنها على الأقل كانت تستحق أن تنشر.
بعد هذه التجربة، أصدرت مجموعة شعرية ثانية بعنوان “كأول الخريف” سنة 2016، عن “دار ميم” للنشر والتوزيع. كانت هذه التجربة أيضا في إطار قصيدة التفعيلة، لكنني أشعر أنني لم أتقدم كثيرا فيها، إذ لم أجد النص الذي يعبر عني أو يحقق ما كنت أطمح إليه في تلك المرحلة.
أما التجربة الثالثة، فجاءت مختلفة تماما، وكانت بعنوان: “ستة عشر شتاء في شمس فبراير”، نشرت في سنة 2022 أو 2023. هذه المجموعة تنتمي إلى قصيدة النثر، حيث غيرت تماما من نمط الكتابة الذي كنت أعتمده سابقا. جاءت التجربة في شكل نص مطول مفتوح، وحرصت فيها على أن أكون أقرب إلى التجربة الحياتية اليومية، سواء من خلال الأحداث التي أعيشها شخصيا أو تلك التي ألاحظها في محيطي كالمقهى، الشارع، العمل، وحتى في المحيط الأسري.
«ستة عشر شتاء” كانت محاولة لكتابة سيرة ذاتية شعرية تلخص تجربتي على مدار 16 عاما، ولذلك جاء عنوانها معبرا عن هذه المرحلة. الشق الثاني من العنوان يحمل جانبا شخصيا وعاطفيا، حيث سعيت إلى المزج بين تجربتي العاطفية وتجربتي الشعرية.
وفي هذه التجربة وجدت نفسي أتحول نحو الأسئلة الوجودية من خلال طرحها بشكل بسيط. المعاناة اليومية، والأسئلة العميقة التي يطرحها الإنسان على نفسه حول مراحل الحياة من الشباب إلى الكهولة ثم الشيخوخة، هي ما أركز عليه في أعمالي. هذه الأسئلة تشمل فلسفة الموت، والمعاني التي تعلو فوق البيولوجيا مثل الجدوى من الحياة، السعادة، الحزن، الوحدة، الألفة، والتناقضات التي يعيشها الإنسان بشكل يومي، كلها مواضيع أتناولها في مجموعة “ستة عشر شتاء في شمس فبراير”.
لذلك أرى أن هذه المجموعة تستحق التقدير والنشر، فقد كانت تجربة محترمة في مسيرتي، رغم ترددي في نشرها في البداية. إلا أن دعم الأصدقاء المبدعين الذين قرؤوها في صورتها المخطوطة، مثل الشاعر الكبير “عبد القادر رابحي” والروائي “عبد القادر برغوث”، وغيرهم من الأصدقاء الذين كانوا يقرأون لي بشكل خاص.

-  كيف ترى العلاقة بين الشعر والجمهور اليوم؟
 هناك من يرى أن الشعر فقد بريقه ونجوميته، فبعد أن كانت الأمسيات الشعرية تحظى بجماهير غفيرة وأجواء حماسية من الإصغاء والتصفيق، قل هذا الحماس لعدة أسباب وعوامل. البعض يعتقد أن الشعر في أزمة، لكنني لا أتفق مع هذا الرأي، بل أرى أن الأزمة في الشعراء أنفسهم، وليس في الشعر.
 فالشعر كفن أدبي كان وما زال يخضع للتطور وفقا للمرحلة الزمنية والمحيط الثقافي. منذ نشأته، تطور الشعر من بيتين أو ثلاثة عند العرب البائدة إلى القصيدة ثم إلى المعلقات، ومع كل جيل كان هناك تجديد وتطوير للأدوات والأساليب الشعرية.
أحد أبرز المجددين كان أبو نواس، الذي انتقد تقليد الاستهلال بالوقوف على الأطلال، قائلا “دع عنك دارسا وما درس، ما ضر لو كان جلس”، داعيا بذلك إلى تجاوز الأساليب التقليدية والتجديد في الشعر.
اليوم، تواجه الساحة الشعرية إشكاليات عديدة، منها سياسة النشر التي باتت تفضل الرواية على الشعر لأسباب تجارية. فدور النشر ترى أن الرواية تحقق أرباحا أكبر، رغم أنني أعتقد أن هذه المقروئية، سواء للشعر أو الرواية، ليست بالمستوى الذي يزعمونه.
وحتى على الصعيد العالمي، هناك توجه متزايد نحو السرد والرواية، حيث تحظى بدعم كبير عبر جوائز عديدة وعالية القيمة، وأصبحت الرواية تدخل ضمن السياسات الثقافية لبعض الدول التي تستخدم هذه الجوائز لتمرير رسائلها السياسية والثقافية.
هذا التوجه أدى إلى تهميش الشعر من هذه الرعاية، ما أدى إلى نوع من الفتور في تواجده بالمحافل الأدبية، على الرغم من المحاولات المتزايدة، لكنها تظل غير كافية. خاصة من دول المشرق العربي التي تميل بشكل أكبر إلى الرواية على حساب الشعر، وتسعى لتحقيق تواجد عالمي عبر هذه الجوائز التي تقدم بمبالغ مالية ضخمة. مع ذلك، يجب أن تكون أي جائزة، مهما كان حجمها، خاضعة لمعايير واضحة تتوافق مع جودة النصوص.
ورغم أن بعض الجوائز الأدبية تخضع لتوجهات سياسية وثقافية معينة، فإن جودة النص تبقى العامل الحاسم. لذلك، على الشعراء العمل على تطوير أنفسهم ونصوصهم للعودة بالشعر إلى مكانته المستحقة في الساحة الأدبية.
ومع كل هذا، لا يمكن إنكار أن جودة النصوص هي التي تفرض نفسها في نهاية المطاف على الجوائز العالمية والوطنية، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى. فعلى سبيل المثال، في الجزائر، لدينا أسماء أدبية بارزة تمكنت من حصد جوائز مرموقة بفضل قوة نصوصها.
 من بين هذه الأسماء “إسماعيل يبرير”، الذي فازت روايته “وصية المعتوه” بجائزة الطيب صالح العالمية للرواية، وهي جائزة ذات مكانة كبيرة تحمل اسم روائي عالمي مرموق.
كذلك، عبد الوهاب عيساوي يعد مثالا آخر للأدباء الذين حازوا جوائز دولية ووطنية متعددة، بما يعكس روعة نصوصهم الأدبية وتميزها. وحتى على المستوى المحلي، برزت أسماء كبيرة من ولاية الجلفة، مثل الفائزين بجائزة آسيا جبار، ومحمد ديب، وهي إحدى أرفع الجوائز الأدبية في الجزائر، مما يدل على أن الجودة الأدبية قادرة دائما على كسب الاعتراف وتجاوز الحدود.

- كيف ترى دور الكاتب والمبدع في المساهمة في بناء وطنه؟
 على المبدع أن يحمل في داخله مشروعا وطنيا يعبر عن انتمائه الحقيقي لأرضه وهويته الثقافية، لكن للأسف، لاحظنا مؤخرا أن بعض الكتاب قد انحرفوا نحو المصلحة الشخصية، وفضلوها على حساب الوطن والقيم الوطنية.. هذه التصرفات ليست فقط سقطات في ميدان الإبداع، بل تتعارض مع الأسس الوطنية، فإذا كان الإبداع يطالب بالحرية، لكن الحرية لا يمكن أن تتناقض مع قيمك الوطنية والإنسانية. الإبداع ليس حقا في الإساءة أو التجريح، ولا أن تقول أي شيء تحت ذريعة “حرية الإبداع”. هناك أشخاص وقعوا في سقطات تصنف ضمن خيانة الوطن وخيانة القيم.
الكاتب المبدع، بغض النظر عن مجاله، لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الواقع المعيشي اليومي الذي يحيط به. هو جزء من بيئته بكل تفاصيلها، بما فيها من إيجابيات وسلبيات. لذلك، عليه أن يبقى قريبا من محيطه، متفاعلا مع يومياته، ومدركا للمشاكل الاجتماعية التي تواجه الناس. دوره كمثقف يفرض عليه تقديم النقد البناء الذي يطرح أفكارا جديدة ويسعى إلى تصحيح الأخطاء ومعالجة الأوضاع. نحن اليوم في مرحلة تتطلب تكاثف جميع الجهود من أجل بناء الجزائر الجديدة، وهذه المرحلة تحتاج إلى عقول مبدعة تقدم أفكارا بناءة تسهم في تحقيق هذا الهدف.
في السياق ذاته، هناك توجهات سياسية جديدة ظهرت في الآونة الأخيرة. على سبيل المثال، شاهدنا رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون يشرف على افتتاح الجلسات الوطنية للسينما، مشجعا القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال باعتباره وسيلة مهمة تساهم في بناء الجزائر الجديدة.
كما أن الحديث بدأ يتجه نحو أهمية “الأمن الثقافي”، وهو مفهوم يحمل أبعادا كبيرة، حيث يعد أحد الركائز الأساسية في مواجهة محاولات بعض الدول استغلال الجانب الثقافي لتمرير أيديولوجياتها في الأقاليم الدولية.. بناء منظومة أمن ثقافي قوّية يعني بناء مجتمع متماسك ينسجم مع الخطابات السياسية الوطنية ويسهم في الحفاظ على الأمن العام الوطني.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025
العدد 19703

العدد 19703

الثلاثاء 18 فيفري 2025