فخـــــــــــــــــــــــــــــــــــورة بــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــأن يكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون أوّل أفلامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن ثــــــــــــــــــــــــــــــــــورة نوفمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبر المباركــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
تُحدّثنا كاتبة السيناريو والمنتجة والمخرجة هاجر سباطة عن أهمية السينما في نشر قضية الثورة الجزائرية، وأهمية تناول الجوانب الإنسانية للثورة الجزائرية في الأفلام الحديثة. وفي حوار مع “الشعب” تطرقت إلى تجربتها في صناعة الفيلم الوثائقي وفيلمها السينمائي الأول “الطيارة الصفراء”، الذي يتناول الجوانب الإنسانية للثورة الجزائرية. بالإضافة إلى بعض قصص عائلية وشخصية ترتبط بتاريخ الاستعمار وتأثيره على العائلات الجزائرية. كذلك بعض النقاط حول التحدّيات التي واجهتها، مثل اختيار المواضيع الصعبة المتعلقة بالمجندين الجزائريين الذين أجبروا على الانضمام لجيش الاستعمار الفرنسي، وشاركت نصائح حول المثابرة والالتزام في المجال السينمائي.
الشعب: ما الدروس التي تعلمتها من بداياتك في الإخراج، وكيف جاءت تجربة “الطيّارة الصفراء؟ ولماذا البداية من فيلم عن الثورة التحريرية؟
هاجر سباطة: بدأت مشواري مع كتابة السيناريو والإخراج للأفلام القصيرة والإعلانات. عملت في العديد من ورشات الكتابة مع المخرج جعفر قاسم، حيث شاركت في أعمال مثل “جمعي فاميلي” و«قهوة ميمون”. وكنت أيضا معه في كتابة السيناريو والحوار لسلسلة “دار لفشوس”.
بالنسبة لي، “الطيّارة الصفراء” هو أوّل فيلم سينمائي لي، وأنا فخورة بأن يكون فيلما ثوريا، وبأن أكون أوّل امرأة جزائرية تعمل على فيلم عن الثورة.
هذا هو الفيلم السينمائي الأوّل لي، بينما أخرجت عدّة أفلام إشهارية وكتبت سيناريوهات وحوارات كثيرة.
إنني أعتز بمشروعي هذا لأنه يجسّد القيم الثورية التي أؤمن بها، ويعكس تجربتي ومعرفتي التي اكتسبتها على مدار السنوات.
- ما الذي ألهمك لتقديم فيلم عن الثورة التحريرية، وما الذي يميّز هذا العمل؟
-- لطالما كانت السينما لبنة ومنبعا لتصدير الثورة الجزائرية إلى المنابر الدولية. فكما نعرف، السينما هي الصورة، والصورة أصدق من ألف كلمة. منذ الثورة التحريرية، كان دور السينما فعّالا في توصيل صوت القضية الجزائرية إلى العالم. فقد لعبت السينما الجزائرية منذ بداياتها دورا مهما في تدويل القضية الجزائرية، وهدفي هو توصيل صوت الثورة من منظور مختلف.
وكانت أوّل وحدة للانتاج السينمائي قد نشأت على يد جمال شندرلي رحمه الله، الذي أسسها في كهف في الجبل، حيث قام بتعليم المجاهدين أساسيات الإنتاج السينمائي والإخراج. بعد ذلك، أنشأت جبهة التحرير الوطني وحدة أخرى، وكان من بين المخرجين فيها الكبير لخضر حمينا، أطال الله عمره. ثم تبنت الحكومة الجزائرية في عام 1960 أوّل مدرسة للإنتاج السينمائي برئاسة “بيار شولي”، والتي عملت على تعزيز صوت الثورة الجزائرية.
من هنا، نرى أن دور السينما كان فعّالا منذ بدايات الثورة وإلى يومنا هذا. كشباب، لدينا رغبة قوّية في اقتحام مجال السينما الثورية وتوصيل صوت الثورة الجزائرية إلى المنابر العالمية. ربما يكمن الفرق في أن الأفلام القديمة كانت تركز على الجوانب الملحمية للثورة وعلى نضال الشعب من أجل السيادة.
وفي فيلم “الطيّارة الصفراء”، ركّزت على الجوانب الإنسانية للشخصيات الثورية، وأثريت القصة بشخصيات خيالية تعكس تضحيات النساء الجزائريات، تكريما لكل امرأة جزائرية ساهمت في النضال.
- ما هي الجوانب الإنسانية التي تبحثين عنها في أعمالك السينمائية؟
-- اليوم، نحن الشباب نحاول أن نتعمق أكثر في حيثيات ثورتنا، ونتناول الجوانب الإنسانية للشخصيات وبطولات أبطالنا. لا نريد أن نرى القادة الثوريين فقط في سياق النضال والجبل والسياسة، بل نرغب في استكشاف ميولهم الفنية والإنسانية أيضا. نريد أن نتعمق في القضايا التي تركتها الثورة وتأثيراتها على حياتنا اليومية.
وعلى الرغم من أننا لم نعش الثورة الجزائرية، فإننا نسعى لفهم كيف أثرت علينا وما هي رؤيتنا للمستقبل. هذا الربط بين ماضينا وحاضرنا هو ما نركز عليه كشباب مهتمين بالسينما الثورية.
فعند الحديث عن فيلم “الطيارة الصفراء”، أوّد أن أشير إلى وجود بعض الطابوهات. في السابق، لم يكن هناك تركيز على قضايا أخرى بخلاف النضال ودور الشعب في إنجاح الثورة. لكننا اليوم نرغب في الغوص في القضايا الشائكة أو المواضيع التي كانت في الظل، لإبرازها وتعريف الناس بحقيقتها، ليس بهدف الانتقاص من ثورتنا، بل لتعريف الناس بها بشكل أفضل.
في “الطيارة الصفراء”، تطرقت إلى المجندين الجزائريين في صفوف جيش الاستعمار الفرنسي، وهو موضوع لم يطرح في فيلم سينمائي من قبل.
- كيف ترين دور الشخصيات التي كانت في صفوف جيش الاستعمار في الثورة الجزائرية؟
-- في الفيلم، تناولت تجارب الأشخاص الذين تجندوا في صفوف جيش الاستعمار الفرنسي ولم يستطع البعض تحدي هذا الواقع، كان التجنيد إجباريا حينذاك، أي في سنوات 1956 الى 1958، حيث كان الكثيرون مرغمين على الانضمام إلى الجيش الفرنسي، وليس حبا في فرنسا، بل بدافع الإكراه. كما نجسد قصة شخص رفض هذا الرضوخ، وكان رده مباشرا، حيث فضل الاستشهاد على أن يكون في صفوف الجيش الفرنسي. لكنني أود أن أشير إلى أن العديد من القادة الذين ساهموا في نجاح الثورة الجزائرية كانوا قد خدموا في صفوف جيش الاستعمار، واستغلوا المهارات والتقنيات التي اكتسبوها لصالح الثورة.
بعد صدور الفيلم، أعرب الكثيرون عن إعجابهم بتناول موضوع مثل هذا. نحن نطرح قضايا تخص قضيتنا الجزائرية دون الإساءة لمبادئ الثورة أو رموزها أو لبلدنا الحبيب. نحن فقط نوضح أن كل من انضم إلى جيش الاستعمار الفرنسي كان مرغما، فمن استطاع الهروب هرب، ومن لم يستطع فهو معذور.
-ما هي الفكرة الرئيسية وراء فيلم “الطيارة الصفراء” وكيف تعكس هذه الفكرة التجربة الجزائرية في الثورة؟
-- الفكرة التي أعتبرها مهمة هي أنني اخترت عنوان “الطيارة الصفراء” ليكون له إسقاطات رمزية تعكس ما عاناه الشعب الجزائري. الطيارة الصفراء تمثل قصة واقعية عاشها الشعب الجزائري، تتعلق بكاتبة الكلمات التي رثت شقيقها الذي استشهد تحت قنابل الطيارة. هناك جدل حول أصل الكلمات، وهي مصنفة في الديوان الوطني لحقوق المؤلف كتراث تاريخي جزائري، ولا نريد أن ننسبها إلى جهة معينة.
خلال العرض الشرفي للفيلم، دعوت الأطراف المعنية، وكانوا معي، واحتفلوا بالفيلم، وأكدت لهم أننا لن نذكر أسماء معينة، بل سنركز على الرمزية. الطيارة الصفراء ترمز إلى الاستعمار الفرنسي، وتجسد المعاناة التي عاشتها كاتبة الأغنية، البطلة في الفيلم، جميلة، فقدت شقيقها بطريقة مشابهة. ومن خلال هذه القصة الخيالية، أحببت تكريم جميع النساء الجزائريات اللواتي فقدن أحبتهن، لذا لم أكن أريد سرد قصة حقيقية في فترة زمنية قصيرة، أربعون دقيقة فقط، لذلك، اخترت أن تكون القصة خيالية، للتعبير عن النضال النسائي.
كما أنني حرصت على إظهار الأغنية العظيمة التي يعرفها الشعب الجزائري، والتي أعاد أداءها العديد من الفنانين في الوطن العربي، وبالتعاون مع ندى الريحان في الغناء وموسيقى الفيلم مع أمين دهان، الفيلم تم تصويره في عدة مواقع مثل الجزائر العاصمة، سيدي فرج، الدواودة، القليعة، وبرج بوعريريج، مما أضفي بعدا جغرافيا وثقافيا على التجربة.
- ما هي أهدافك من عرض فيلم “الطيارة الصفراء”؟
-- الهدف من الفيلم هو تسليط الضوء على حيرة جميلة، الشخصية الرئيسية، التي تجد نفسها في صراع بين خيارين، الثأر لأخيها الذي فقدته في الثورة، والثأر لبلدها الجزائر. وأعتبر أن هذه الحيرة تجسد مشاعر كل امرأة جزائرية خلال تلك الفترة، حيث كانت جميعهن مدعوات للجهاد والمشاركة في النضال.
في النهاية، يظهر اختيار جميلة، وهذا الخيار يعكس قضايا حقيقية وصراعات عانت منها النساء خلال الثورة. رغم أن القصة خيالية، إلا أن العناصر المستخدمة فيها مستمدة من الواقع، مثل جبهة التحرير الوطني التي كانت في ذروة نشاطها خلال الفترة بين 1956 و1957. هذه الفترة كانت محورية في التاريخ الجزائري، حيث بدأت النساء الجزائريات في المشاركة الفعالة في الثورة.
كما أوّد أن أذكر الأحداث المهمة، مثل قنبلة “ميلك بار” التي وضعتها زهرة ظريف، حفظها الله، مما يعكس الزخم الكبير للنضال في ذلك الوقت. أحببت أن أضمّن قصتي ضمن هذا السياق، لأعطي المرأة الجزائرية حقّها في السرد التاريخي، ولأبرز دورها الفعّال في الثورة.
كما أعتقد أيضا، أن أي امرأة جزائرية، لو كانت في موقعي كمخرجة، ستجد نفسها أمام فكرة مماثلة، لأن المرأة الجزائرية تتمتع بروح النضال وحب الوطن. هذه الفكرة تتجلى في داخلي، وأشير إلى تأثري بقصة الطيارة الصفراء، التي تمثل جزءا من تاريخنا الموجع.
أتذكر قصة عمة أمي، التي كانت طفلة صغيرة مع والدتي أثناء هروبهما من قنابل الطيارة الصفراء في أعالي جبال سطيف. بينما كانتا تهربان، سقطت من ظهرها صبية، ورغم قسوة الموقف، لم تستطع العودة لإنقاذها. بعد انتهاء الأحداث، اكتشفت أن الأم توفيت، لكن الصبية التي سقطت من ظهرها، وهي خالتي يمينة، كانت ماتزال على قيد الحياة. كلما تذكرت هذه الحكاية، تبدأ في البكاء، لأنها شهدت وفاة أمها نتيجة لتلك القنبلة.
تربينا على أغنية الطيارة الصفراء، حيث كان والدي دائما متأثرا بها، وجدتي رحمها الله كانت تدندنها بين الحين والآخر. أعتقد أنه لا توجد عائلة جزائرية لا تحتوي على فرد أو اثنين يعرفون هذه الأغنية أو يحفظونها، مثلما كنت أنا.
أرى أننا جميعا شغوفون بخدمة بلادنا، والسينما هي الأصدق في التعبير عن هذا الشغف. أنا شغوفة جدا بالسينما، وأعتبرها أجمل لون أو حرفة يمكن أن يمتهنها الإنسان. أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال هذه الرسالة من خلال الفيلم.
- ما نصيحتك للمخرجين الطموحين في مجال السينما؟
-- نصيحتي هي أن لا شيء مستحيل، وأنه إذا أحب الشخص مهنته وعمل بجد، فسيحقق أهدافه. أقول ذلك من واقع تجربتي، حيث استغرق الأمر 26 عاما من احتراف مختلف مهن السينما، من مساعدة إخراج إلى مديرة إنتاج، إلى مديرة فنية، وكاتبة سيناريو، حتى وصلت إلى الإخراج.
لقد خضت تجربة طويلة في العمل على أفلام ومسلسلات تلفزيونية مع كبار المخرجين، وخاصة جعفر قاسم، حيث عملت معه لمدة 18 عاما. هذه التجربة ساعدتني على اكتساب المهارات اللازمة للإخراج. لأي شخص يتطلع إلى الدخول في هذا المجال، من المهم أن يكون شغوفا وأن يتحدى نفسه، ولكن يجب أن يمتلك أيضا الخبرة اللازمة. اليوم، تتوفر الإمكانيات من كتب ومعلومات على اليوتيوب، مما يسمح لأي شخص بتعلم تقنيات السينما وسرد القصص.
ولا بد أن ندرك أن الكتابة السينمائية تختلف عن الكتابة التلفزيونية. فهي تتطلب استخدام الرموز والتعبيرات السيميولوجية من خلال الصورة والصوت والإضاءة، يجب أن تعرف حركة الكاميرا، ولماذا اخترت هذه الإضاءة، ولماذا اخترت ألوانا معينة .. يجب أن تكون ملما بهذه العناصر حتى تستطيع إنتاج فيلم محترف يوصل الرسالة المطلوبة.