سفير دولـة فلسطـين فايز أبو عيطـة لـ«الشعب”:

الثـورة الجزائريـة كانت وما زالت للفلسطينيين رمزًا للصمود والمقاومة

حوار: علي مجالدي

الجزائر تبقى دائمًا السنـد الأوفى والأقـوى للقضيـة الفلسطينيــة

عندما اندلعت ثورة نوفمبر عادت الروح إلى نفـوس الفلسطينيــين

 الرئيس تبون يتابع شخصياً مشروع الاعتراف بعضوية فلسطين الأممية

يتحدث سعادة سفير فلسطين بالجزائر فايز أبوعيطة، عن الروابط التاريخية بين نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ونضال الشعب الفلسطيني المستمر ضد الاحتلال الصهيوني، في ظل ما يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة من إبادة جماعية.وفي حوار خص به “الشعب”، يشيد سعادة السفير بالدور التاريخي للجزائر في دعم القضية الفلسطينية، والدروس التي يمكن للفلسطينيين استخلاصها من تجربة ثورة نوفمبر المجيدة. كما أوضح سعادة السفير عمق الروابط التي تجمع بين الشعبين، والدور المحوري الذي قامت به الجزائر في مراحل مختلفة من النضال الفلسطيني


-”الشعب”: سعادة السفير، في الذكرى السبعين لثورة نوفمبر المجيدة، ما مدى تشابه نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي بالأمس ونضال الشعب الفلسطيني المستمر ضد الاحتلال الصهيوني، لاسيما فيما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جرائم ضد الإنسانية، على غرار الإبادة الجماعية التي لم تتوقف منذ أكتوبر 2023؟
السفير فايز أبوعيطة: أود أن أبدأ أولاً بتهنئة فخامة الرئيس عبد المجيد تبون، والحكومة الجزائرية، والشعب الجزائري العظيم، بمناسبة الذكرى السبعين لثورة نوفمبر المجيدة؛ هذه الثورة التي حققت واحدًا من أعظم الانتصارات في التاريخ الحديث، وكانت ولا تزال نموذجًا ملهمًا لكل شعوب العالم الساعية للتحرر والحرية. كذلك، لا يمكننا الحديث عن الثورة الجزائرية دون الإشارة إلى ما قدمته من تضحيات جسيمة على طريق الاستقلال والكرامة.
أما بخصوص غزة، فأود توضيح أمرٍ بالغ الأهمية، ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة منذ أكتوبر 2023 ليس حربًا بالمعنى التقليدي، لأن الحرب عادة تتطلب وجود طرفين متكافئين، ولكن ما نعيشه هو إبادة جماعية، نحن شعب أعزل يواجه احتلالًا يملك أحدث أدوات القتل والتدمير، وأرجو أن يكون هذا واضحًا، فهناك من يحاول أن يصور ما يحدث على أنه معارك وحروب، ولكن في الحقيقة نحن نتعرض لعدوان ممنهج يهدف إلى إبادتنا. في نفس السياق، لا يمكننا أن ننسى أن الثورة الجزائرية كانت بمثابة شعلة أمل للفلسطينيين، خاصة بعد النكبة عام 1948، حيث أعادت الأمل في نفوسنا وأعطتنا الدافع لمواصلة نضالنا من أجل الحرية.
- ما الذي يمكن أن يستلهمه الشعب الفلسطيني من تجربة ثورة نوفمبر الجزائرية في سعيه نحو التحرر والاستقلال؟
إن الثورة الجزائرية كانت ومازالت تمثل لنا كفلسطينيين رمزًا للصمود والمقاومة. لقد جاءت هذه الثورة بعد سنوات من نكبتنا في عام 1948، في وقت كانت فيه الشعوب العربية تعيش حالة من التيه والانكسار. علاوة على ذلك، عندما اندلعت ثورة نوفمبر، عادت الروح إلى نفوسنا كفلسطينيين، حيث وجدنا في النضال الجزائري مصدرًا لإلهامنا في كفاحنا المستمر ضد الاحتلال الصهيوني.
كما أن الجزائر بعد استقلالها قدمت للفلسطينيين دعما سياسيا كبيرا، حيث فتحت أبوابها لاستقبال القيادة الفلسطينية، وكانت أول دولة عربية تستضيف ثلة من القادة الفلسطينيين، من بينهم الشهيد ياسر عرفات، والشهيد خليل الوزير، وصلاح خلف وغيرهم.
كذلك، يجب أن نذكر أن أول مكتب للثورة الفلسطينية وحركة فتح افتُتح في الجزائر عام 1963، بعد عام واحد من استقلال الجزائر. هذا المكتب كان نقطة الانطلاق الأولى لثورتنا الفلسطينية، ومن خلاله تم التحضير للكفاح المسلح الذي أُعلن عنه رسميًا في عام 1965، بالتالي، فإن ما يمكن أن نستخلصه من تجربة ثورة نوفمبر هو أن التضحيات الكبيرة لا تذهب سدى، وأن النضال المستمر سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الاستقلال، تمامًا كما فعل الجزائريون في كفاحهم ضد الاستعمار الفرنسي.
- لطالما كانت الجزائر سعادة السفير داعماً أساسياً للقضية الفلسطينية. كيف ترون تأثير الدعم الجزائري للشعب الفلسطيني على مدار العقود الماضية، وما هي أبرز المحطات التي تبرز هذا الدعم؟
 الجزائر كانت دائمًا السند الأوفى والأقوى للقضية الفلسطينية، وقدمت دعمًا لا مثيل له على مدار العقود ومنذ استقلالها في عام 1962، كانت الجزائر في طليعة الدول التي رفعت لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية، بالإضافة إلى الدعم السياسي الذي لا ينقطع، قدمت الجزائر الدعم المادي والعسكري في مراحل مختلفة من تاريخ الثورة الفلسطينية.
أبرز المحطات التي تعكس هذا الدعم تشمل افتتاح أول مكتب لحركة فتح في الجزائر، والذي كان بمثابة قاعدة انطلاق للثورة الفلسطينية، كما لا يمكن أن ننسى الدور الدبلوماسي الكبير الذي تقوم به الجزائر في الأمم المتحدة، خاصة في مجلس الأمن، حيث كانت الجزائر من أبرز المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومع بداية العهدة الجزائرية في مجلس الأمن، قدمت الجزائر العديد من مشاريع القرارات الهادفة إلى وقف العدوان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وكشف جرائم الاحتلال.
علاوة على ذلك، أوضحت الجزائر أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية، وأنها لن تتراجع عن دعمها، حتى في ظل محاولات بعض القوى الكبرى عرقلة مشاريع القرارات الداعمة لفلسطين. الجزائر رفضت التطبيع مع العدو الصهيوني بكل أشكاله، واستمرت في تقديم الدعم السياسي والمادي. على سبيل المثال، خلال العدوان الأخير على غزة، أشرفت الجزائر على فتح جسر جوي للمساعدات الإنسانية إلى فلسطين، كما قدمت العلاج للجرحى الفلسطينيين في مستشفياتها. هذا الدعم الجزائري غير محدود ولا يتوقف عند حدود معينة.
كذلك، الجزائر لعبت دوراً كبيراً جداً وبالأخص على المستوى السياسي في أروقة الأمم المتحدة. الجزائر، التي تتبوأ اليوم موقع المجموعة العربية في مجلس الأمن، وقدمت العديد من مشاريع القرارات التي تهدف إلى وقف الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وكشف وفضح جرائم الاحتلال الصهيوني. من بين هذه المشاريع، قدمت الجزائر مشروع قرار للاعتراف الكامل بدولة فلسطين من قبل مجلس الأمن، وحقق هذا المشروع انتصاراً دبلوماسياً كبيراً، حيث حصل على أربعة عشر صوتاً، من بينهم إثنا عشر صوتاً مؤيداً، بالإضافة إلى صوتين بالامتناع وصوت واحد معارض. نحن نعتبر الأصوات الممتنعة بمثابة فشل في المعارضة، إذ كان هناك صوت معارض واحد فقط وهو الولايات المتحدة الأمريكية، التي استخدمت حق النقض (الفيتو) لعرقلة هذا القرار.
على الرغم من هذه العرقلة، فإن الجزائر لم تتراجع عن مساعيها. تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي تابع شخصياً كافة تفاصيل مشروع القرار المتعلق بالاعتراف الكامل بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، وعقدت الجزائر اجتماعاً حضره كبار المسؤولين الفلسطينيين، بمن فيهم رياض منصور ممثل فلسطين في الأمم المتحدة ومحمد بن جامع ممثل الجزائر، وذلك قبل تقديم مشروع القرار. وعندما حاولت الولايات المتحدة ثني الجزائر عن تقديم هذا المشروع لمجلس الأمن، رفضت الجزائر ذلك وتمسكت بموقفها الراسخ. وبناءً على توجيهات السيد الرئيس عبد المجيد تبون، تم اتخاذ قرار بنقل المعركة الدبلوماسية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل، تقدمت فلسطين بمشروع قرار أمام الجمعية العامة، وحصل على موافقة 149 دولة للاعتراف بدولة فلسطين، وهو إنجاز دبلوماسي كبير يعكس حجم الدعم الذي تتمتع به فلسطين على الساحة الدولية بفضل الجهود الجزائرية.
والحديث يطول عن الدعم السياسي الذي قدمته وتقدمه الجزائر، والدور العظيم الذي تقوم به في تعزيز مكانة فلسطين دولياً، ولكن لابد من الإشادة بالمواقف المبدئية للدبلوماسية الجزائرية التي نقلت القضية الفلسطينية نقلة نوعية في الأمم المتحدة وعلى مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، قامت الجزائر منذ بداية العدوان وجرائم الإبادة الجماعية، بعقد ندوة قانونية في الجزائر أشرفت عليها نقابة المحامين ونقابة القضاء، ودعت فيها جميع دول العالم والحقوقيين لتقديم شكوى قانونية ضد الاحتلال والتحضير لإعداد ملف لمحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لمحاسبة العدو على جرائمه.
علاوة على ذلك، الدعم الجزائري لم يقتصر على الجوانب السياسية والقانونية فقط، بل قدمت دعماً مادياً كبيراً للشعب الفلسطيني. وبتوجيهات سامية من السيد الرئيس عبد المجيد تبون، تم تقديم المنح السنوية التي تقدمها الجزائر لدولة فلسطين، وتم تسريع مواعيد هذه المنح لمواجهة الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني. كما أشرفت الجزائر على فتح جسر جوي للمساعدات الإنسانية، الذي ينقل المواد الضرورية والمساعدات من الجزائر إلى مطار العريش في جمهورية مصر العربية، لتوزيعها على الشعب الفلسطيني بالتعاون مع الهلال الأحمر الجزائري.
- أخيراً، ماذا يعني لكم ياً، باعتباركم سفيرا لدولة فلسطين في الجزائر، الاحتفال بذكرى ثورة نوفمبر في ظل استمرار النضال الفلسطيني، وكيف ترون دور الجزائر في المرحلة المقبلة؟
الاحتفال بذكرى ثورة نوفمبر يمثل بالنسبة لي، شخصيًا، كسفير لدولة فلسطين في الجزائر، مناسبة عظيمة. هذه الذكرى ليست فقط للشعب الجزائري، بل هي ذكرى يحتفل بها الشعب الفلسطيني أيضًا. كل عام، تقام احتفالات رسمية وشعبية في غزة ورام الله وفي مدن فلسطينية أخرى، تعبيرًا عن تقديرنا العميق لهذا الحدث التاريخي الذي ألهم أمتنا العربية والإسلامية.
ثورة نوفمبر كانت انتصارًا لكل الشعوب المضطهدة، وخاصة للشعب الفلسطيني، كذلك، كانت هذه الثورة تجسيدًا للقيم الإنسانية الكبرى مثل الحق والحرية والعدالة، والشعب الفلسطيني يرى في الجزائر نموذجًا يُحتذى به في الكفاح من أجل التحرر، والجزائر ستظل دائمًا المنارة التي تستضيء بها حركات التحرر في العالم.
في المرحلة المقبلة، أرى أن دور الجزائر سيظل محوريا في دعم القضية الفلسطينية، سواء في الأمم المتحدة أو في كافة المحافل الدولية من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. كذلك، نحن نثق تمامًا أن الجزائر، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، ستظل تقدم دعمها الكامل والمستمر حتى نيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
في الختام، أود أن أقدم تهانيَّ الحارة للشعب الجزائري في الذكرى السبعين لثورة نوفمبر المجيدة. هذه الذكرى تمثل لنا جميعًا لحظة فخر واعتزاز بتاريخ مشترك من النضال من أجل الحرية، ونعبر عن امتناننا العميق للدعم الجزائري المتواصل لقضيتنا العادلة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024