الخبـير الدولي في الطّاقة..بغداد منـدوش لـ“الشعـب”:

من الطّاقات الأحفورية إلى المتجدّدة.. الجزائـر مُـورّد موثـوق

حوار: فايزة بلعريبي

إنتاج 15 ألف ميغاواط من الكهرباء تشغلها الطّاقة الشّمسية في آفاق 2035

ما بين 2000 و3900 ساعة/سنويا، معدّل الإشعاع الشّمسي السّنوي بالجزائر…النسبة الأعلى عالميا

140 عرض لمناقصة أكبر مشروع للطاقة الشمسية بالجزائر، وقبول 77 منها موزعة بين 18 شركة جزائرية و50 أجنبية و18 مختلطة.

 إنشاء 15 محطة طاقوية تشتغل بالألواح الشّمسية عبر 12 ولاية، لإنتاج 2000 ميغاواط، آفاق 2035.

مليون طن من الهيدروجين ستنتجها الجزائر ما بين 2030 و2040، ومداخيل تصل إلى 10 مليار دولار.

 تسعى الجزائر إلى التفكير جديا في تنويع وتقليل الاعتماد على الغاز، عبر التوسع في إنشاء مشاريع للطاقة المتجددة، ولها في ذلك كل المقدرات الطبيعية من مساحات شاسعة لإنشاء محطات إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة إشعاع شمسي سنوي هي الأعلى عالميا. مقدرات ضخمة تؤهّلها للنجاح في هذا التوجه الجديد للتغيير من نمطها الإنتاجي للطاقة والتموقع في سوق الطاقة الشمسية. كما تتضمّن السياسة الطاقوية للبلاد في آفاق 2035، تسجيل معدلات عالية في إنتاج وتصدير الكهرباء والهيدروجين الأخضر انطلاقا من الطاقة الشمسية. منهج طاقوي جديد وشراكات واسعة باشرت بها الجزائر، التي يصر رئيسها عبد المجيد تبون أن يجعل منها رقما عالميا يحسب له في الأسواق الطاقوية العالمية، حدّثنا عنها في حوار مستفيض، الخبير الدولي في الشأن الطاقوي بغداد مندوش.

 الشعب: عرف تاريخ الطاقة في العالم عدة محطات، منذ اكتشافها أول مرة، فمن استعمال الزيوت للإنارة إلى الفحم وبعدها اكتشاف النفط وآخرها الطاقات المتجددة أو النظيفة. برأيكم أين هي الجزائر من هذه المتغيرات العالمية، خاصة ما تعلق بما يسمى “بالتحول الطاقوي”؟
 الخبير الدولي بغداد مندوش: فعلا محطات عديدة عرفها تاريخ الطاقة، كانت جميعها لصالح الإنسانية - في حال الاستعمال الصحيح لها ولأغراض سلمية طبعا - فبفعل التطور العلمي والتكنولوجي تمكّن الإنسان من اكتشاف مصادر جديدة للطاقة، إلا أنه بمرور الوقت ومع الآثار الجانبية للطاقة الأحفورية، خاصة تلك المنجرة عن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أصبح التفكير في طاقات تنتج انطلاقا من مصادر نظيفة حتمية - تمّ توثيقها بمخرجات مؤتمرات عالمية - ولأن الجزائر جزء من المعمورة، تدرك تماما ضرورة مسايرة السياق العالمي المتعلق بالتحول الطاقوي، حيث باشرت في هذا المسعى منذ سنوات طويلة من خلال إطلاقها لعدة مشاريع استثمارية في الطاقات المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية، تندرج ضمن السياسة الطاقوية المستمدة من إرادة سياسية حقيقية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي حرص خلال عهدته الأولى على تحقيق الأمن الطاقوي للبلاد، ومواصلة تحقيق إنجازات طاقوية ريادية قاريا وعالميا خلال العهدة الثانية، من خلال الاستغلال الأمثل لطاقاتها الاحفورية التي تتربع الجزائر على أولى مراتبها العالمية سواء من خلال الاحتياطي الخام الذي تمتلكها، ومن خلال طاقة الإنتاج وقيمة الصادرات نحو الشريك الأوربي خاصة، التي تضاعفت بمقتضى تغيرات جيو-استراتيجية، أحدثت تعديلات إستراتيجية كبرى على مستوى خارطة السوق الطاقوية العالمية، سواء ما تعلق بالعلاقة بين دول العالم من موردين ومستوردين أو ما تعلق بالأسعار، إضافة إلى المتغيرات التكنولوجية التي كان لها دور في استغلال نوع آخر من الطاقات كالطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح لإنتاج الكهرباء، في ظل انتقادات الهيئات والمنظمات الدولية الناشطة في مجال البيئة والمناخ، التي طالبت في عدة اجتماعات لها، آخرها قمتي المناخ المنعقدتين بشرم الشيخ بمصر سنة 2022 والدوحة سنة 2023، أين تم الإجماع على تقليص استعمال الطاقات الأحفورية التي باتت تشكّل خطرا كبيرا على البيئة، وبالتالي بات التوجه إلى استعمال الطاقات النظيفة خيارا مستقبليا تفرضه التغيرات البيئية ويدعمه التطور التكنولوجي.
أشرتم إلى مشاريع لإنتاج الطّاقة انطلاقا من الطّاقات النّظيفة، هل يمكن التفصيل في ذلك؟
 أكيد، الجزائر وعلى غرار باقي دول العالم، اجتهدت من أجل أفضل استغلال لمؤهلاتها الجغرافية من مساحات كبرى مشمسة على مدار السنة -تقريبا - يتراوح متوسط إشعاعها الشمسي السنوي ما بين 2000 و3900 ساعة/سنويا، وشريط ساحلي يقدر بـ 1600 كلم لاستغلال طاقة المياه، إضافة إلى طاقة الرياح. وتستهدف الجزائر تنويع مزيج الطاقة لديها وتقليل الاعتماد على الغاز، حيث تتجه نحو تغيير تدريجي لنمطها الإنتاجي للطاقة التي كانت تنتج انطلاقا من الغاز، من خلال التوسع في إنشاء مشروعات للطاقة المتجددة، ومن المتوقع أن تستحوذ الطاقة الشمسية على نسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40 % من إنتاج الكهرباء في الجزائر، بحلول عام 2030، حسب التقارير الرسمية في هذا المجال.
بالرجوع إلى سؤالك حول المشاريع التي تحصيها الجزائر في مجال الطاقات المتجددة، أذكر أوّل محطة للطاقات المتجددة والنظيفة، تعمل من خلال الطاقة الشمسية وهي محطة “إبريد” بحاسي رمل، بطاقة إنتاجية تقدر بـ 150 ميغاواط، عن طريق شراكة بين شركة فرعية لسوناطراك وشركة اسبانية، بالنظر إلى الخبرة الطويلة التي تمتلكها اسبانيا في مجال غنتاج الطاقة الشمسية. ومشروع “سولار 1000 ميغاواط”، يشمل 5 محطات، بطاقة إنتاجية تتراوح بين 50 إلى 300 ميغاواط/المحطة، موزعة على 5 ولايات: الأغواط، ورقلة، تقرت، الوادي، بشار، الذي كان محور اتفاقيات شراكة بين شركة سونلغاز وشركات أجنبية في جويلية 2023.
ومشروع “2000 ميغاواط”، أسند إنجازه إلى الشركة الوطنية سونلغاز، التي أبرمت اتفاقيات شراكة مع شركاء أجانب مع بداية الثلاثي الأول لسنة 2024، ومن المنتظر أن يدخل الإنتاج خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، ويشمل المشروع - الذي تقدم إلى المناقصة المتعلقة به 140 عرض، تمّ قبول 77 منها موزعين ما بين 18 شركة جزائرية، 50 شركة أجنبية و18 شركة مختلطة - 15 محطة طاقوية تشتغل بواسطة الطاقة الشمسية التي تنتجها الألواح الشمسية، بقدرات تتراوح بين 80 و220 ميغاواط/المحطة، موزّعة عبر 12 ولاية وهي بشار، المسيلة، برج بوعريريج، باتنة، الاغواط، غرداية، تيارت، الوادي، توقرت، بسكرة، أولاد جلال والمغير، حيث تعتبر هذه الأخيرة أكبر المحطات، تبلغ طاقتها الإنتاجية 200 ميغاواط، تمّ وضع حجر الأساس بها في مارس 2024، على مساحة تقدر بـ 400 هكتار وتضم 346 ألف لوح للطاقة الشمسية والهياكل الداعمة لها.
لتلخيص ما سبق ذكره، أقول إنّه من خلال الاتفاقيات وعقود الشراكة المبرمة مع الشركاء الأمريكيين والإيطاليين والصينيين كذلك، يمكن الجزم أن الجزائر قد انخرطت فعليا ضمن إستراتيجية طاقوية جديدة، وجسّدت توجهها المتعلق بالانتقال الطاقوي من الطاقات الاحفورية إلى الطاقات المتجددة، خاصة تلك المنتجة من الطاقة الشمسية عن طريق الألواح الشمسية، من خلال برمجتها إنتاج ما قيمته 15 ألف ميغاواط آفاق 2035.
- شهدنا مؤخّرا حركية كبيرة ومشاريع اتفاقيات حول توجّه جدي للجزائر في مجال إنتاج الهيدروجين وتصديره، ممكن إعطاءنا تفاصيل أكثر عن ذلك؟
 تعمل الجزائر حاليا على أضخم مشروع من نوعه، يتعلق بمشروع إنتاج ونقل الهيدروجين انطلاقا من المحروقات وكذلك من الطاقة المائية، مع الشريك الإيطالي “إيني”، وهنا أريد أن أقدّم توضيحا مهما حول أنواع الهيدروجين، حيث يتعلق الأمر بالهيدروجين الأزرق في حال إنتاجه انطلاقا من المحرقات تحديدا من الغاز، والهيدروجين الأخضر في حال إنتاجه انطلاقا من الطاقة النظيفة خاصة الشمسية. وهنا أفتح قوسا لأشير أنّ الجزائر تهدف إلى إنتاج 2 مليون طن من الهيدروجين بين 2030 و2040، ما يمثل 10 % من الطلب الأوربي المتوقع خلال العشرية المقبلة، بحثا منها عن مصادر طاقة نظيفة وصديقة للبيئة والوصول إلى الحياد الكربوني. بهذا الخصوص أرى أن الجزائر بإمكانها أن تصبح قطبا مهما في مجال صناعة وتصدير الهيدروجين الأخضر، يمكن أن تصل مداخيله إلى 10 ملايير دولار آفاق 2040، ونظرا لأهمية هذا المجال فقد رصدت سوناطراك ما قيمته 30 مليار دولار لتطوير إمكانيات إنتاج الهيدروجين كطاقة بديلة.
وبالعودة إلى عقد الشراكة بين سوناطراك ومركب “إيني” الإيطالي، فقد تم إبرامه سنة 2022، يهدف إلى إنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية بكل قواعد الحياة والمحطات التابعة لسوناطراك والشركات الأجنبية التي تنشط بالجنوب الجزائري، بهدف تجسيد التوجه إلى تعميم استعمال الطاقات المتجددة، بناء على مخرجات قمة المناخ المنعقدة بشرم الشيخ سنة 2022 وقمة الدوحة سنة 2023، كما سبق وأن ذكرت. وبمقتضى عقد الشراكة المبرم مع الشريك الإيطالي لاستغلال الغاز المستعمل سابقا لإنتاج الكهرباء وتوجيهه إلى التصدير، وتحقيق مداخيل إضافية من العملة الصعبة الى الخزينة العمومية، فإنّه سيتم إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي سينقل عبر الأنابيب إلى إيطاليا، ومن خلالها إلى البلدان الاوروبية منها ألمانيا والنمسا والمجر، وقد انطلقت الدراسات الخاصة بالمشروع بداية الثلاثي الأول لسنة 2024. كما أبدى كل من الشريك الأمريكي من خلال شركته الكبرى “إكسون موبيل” والشريك الصيني من خلال شركتيه، “سينوبام” و«سي أن بي سي” اهتمامهما بالاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين.
- نفس الهدف بالنسبة للكهرباء، حيث تعتزم الجزائر تصدير الكهرباء قريبا إلى دول مجاورة وكذا إلى أوروبا، أي مستقبل وأي إمكانيات تمتلكها الجزائر لتجسيد هذا المشروع في رأيكم؟
 أرى أنّه توجّه صائب وطموح مشروع، خاصة وأن قدرات الإنتاج الوطنية من الكهرباء، تقارب 26 ألف ميغاواط، فرغم أن الغاز الطبيعي يعتبر مصدرا رئيسيا لإنتاج الكهرباء، حيث تبلغ احتياطيات الجزائر المؤكدة من الغاز الطبيعي نحو 4.5 تريليون متر مكعب، إلا أنها تسعى لتنويع مصادر الطاقة في مزيج الكهرباء، وزيادة إدماج مصادر الطاقة المتجددة في توليدها ولا سيما الطاقة الشمسية، التي تملك البلاد إمكانات كبيرة فيها، حيث بلغت نسبة استعمال الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء في الجزائر نحو 1.05 %، بينما لم تتجاوز نسبة طاقة الرياح 0.01 %، في حين تمثّل الطاقة المائية 0.12 % من مزيج إنتاج الكهرباء في الجزائر، الذي بلغ إجمالي إنتاجه نحو 77.53 تيراواط/ساعة. ما يؤهلها لتصدير الكهرباء، بعد تغطية الاستهلاك الداخلي البالغ 17 ألف ميغاواط. وبالنسبة لتمكن الجزائر من تغطية احتياجاتها المحلية من الكهرباء وتصدير الفائض، فإن ذلك قد تحقق بفضل أكبر 5 محطات لتوليد الكهرباء، تعمل بنظام الدورة المركبة، التي تتضمن توربينات غازية وأخرى بخارية، أكبرها محطة توليد الكهرباء في المنطقة الصناعية “بلارة” بولاية جيجل، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1600 ميغاواط. أما المحطة الثانية فهي محطة كهرباء حجرة النوس بولاية تيبازة، بقدرة إنتاجية تبلغ 1227 ميغاواط، تمكن من توفير نحو 10 % من إجمالي إنتاج الكهرباء في الجزائر. وثالث المحطات هي محطة رأس جنات بولاية بومرداس، بقدرة إنتاجية تصل إلى 1200 ميغاواط، التي أنشأتها شركة “دايو” للهندسة والإنشاءات الكورية الجنوبية، بتكلفة تصل إلى 755 مليون دولار. أما المحطة الرابعة، فهي محطة “تارقة” في ولاية عين تيموشنت، بقدرة إنتاجية 1200 ميغاواط، بتكلفة 1.9 مليار دولار أمريكي. والخامسة هي محطة “كدية الدراوش” بولاية الطارف، التي أنشئت عام 2012، بسعة تصل إلى 1200 ميغاواط.
- بالنسبة للتّكلفة، مقارنة بين توليد الكهرباء من الطّاقة المتجدّدة وتوليدها من الغاز، أيّهما أقل تكلفة؟
 الاستثمار الأمثل لإمكانيات الطاقة المتجدّدة في الجزائر، سيمكّن البلاد من تحقيق استراتيجيتها المتعلقة بالتحول الطاقوي، وتجسيد برنامجها الوطني في هذا التوجه بأقل تكلفة، خاصة وأنّ توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة يقل بنحو 6 مرات عن تكلفة إنتاجه من الغاز.
كما أنّ التحكم في التكنولوجيا الحديثة من شأنه تقليص حجم النفقات وتكلفة المشاريع. هنا أشير إلى أنّ إشكالية الاستثمار في هذا المجال كان يصطدم في وقت سابق مع التكلفة العالية في مرحلة الإنجاز، إلا أن اعتماد التقنيات التكنولوجية جعل توليد الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية أقل تكلفة بـ 6 مرات مقارنة بتلك المولّدة باستعمال توربينات الغاز.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19682

العدد 19682

السبت 25 جانفي 2025
العدد 19681

العدد 19681

الخميس 23 جانفي 2025
العدد 19680

العدد 19680

الأربعاء 22 جانفي 2025
العدد 19679

العدد 19679

الثلاثاء 21 جانفي 2025