المحلـل مصــطـفى بـورزامــة لـ "الشـعـــب":

الإطار القانوني الضابط للإعلام لابد أن يكون استشرافيا

حوار: فايزة بلعريبي

يعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، مصطفى بورزامة، المعلومة «السلاح الأكثر فتكا» الذي أفرزه التطور التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم. وأمام التهديدات التي تعيشها بلادنا من الداخل والخارج أصبح من الضروري، إعادة النظر في المعايير الواجب توفرها في ممارسي مهنة الصحفي والمناخ القانوني الذي يزاول فيه نشاطه. كما أكد ضرورة تفعيل الدبلوماسية الإعلامية كنوع من أسلحة الدفاع عن المواقف والقضايا التي تتبناها الجزائر.

- «الشعب ويكاند»: ما هو واقع حرية التعبير في الجزائر وهل عززتها الإجراءات الأخيرة التي تضمنها دستور 1 نوفمبر 2020؟
 مصطفى بورزامة: تضمن دستور 1 نوفمبر 2022 في باب الحريات وحقوق الإنسان، 44 مادة تناولت حرية التعبير، بينما تناولت 6 مواد فقط الحديث عن واجبات الصحفي أو من يستعمل حرية التعبير، وهذا دلالة على تكريس هذه الأخيرة في دستور 2020 والحيز الذي منحه لها. ما يسمح للإعلامي بالمساهمة في عملية التنمية والدفاع عن مؤسسات الدولة وكيفية نقل المعلومة إلى المواطن.
نقطة أخرى، تؤكد الأهمية المخصصة لحرية التعبير، تمثلت في تأجيل الموافقة على القانون العضوي للإعلام لثلاث مرات متتالية من أجل تحيينه وإثرائه و دراسته عدة مرات قبل المصادقة، لتكون بذلك حرية التعبير شعار المرحلة الجديدة، وليتمكن الصحفي من خلال ما يتمتع به من حق في حرية التعبير، أن يساهم كسلطة رابعة، إلى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، في الدفاع عن مؤسسات الدولة والرد على الحملات المسعورة التي تتعرض لها الجزائر من طرف بعض المواقع الالكترونية وبعض القنوات التي تتربص بأمن الجزائر.
لذلك فؤن حرية التعبير، بالرغم من حضورها الدائم ضمن الدساتير السابقة، إلا أن الجديد منها أعطاها حيزا أوسع، ووضح كيفية ممارستها بدون المساس بمؤسسات الدولة، والحياة الخاصة للأفراد، أو التطرق لبعض المواضيع التي تندرج ضمن الأمن القومي، حيث لا يخفى أنه لكل بلد، سقف معين من حرية التعبير، وسقف حرية التعبير بالجزائر بدأ يتصاعد، لنصل إلى حرية تعبير حقيقية، يستطيع من خلالها الصحفي من الإعلام العمومي أو الخاص ممارسة مهنته بحرية، مع تأكيد ضرورة التزام هذا الأخير بأخلاقيات المهنة والمسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتقه.

- تعدّت حرية التعبير عند البعض إلى التطاول على الغير والسب والشتم وهناك من يراها حق في اختراق خصوصيات الغير، هل يحتاج الأمر إلى إعادة ضبط المفهوم وتدريسه أم إلى فرض عقوبات؟
 عندما نتكلم عن حرية التعبير، نتكلم عن حق الصحفي في أن يكون له مجال، ليعبر عن أفكاره وينقل المعلومة إلى المتلقي. أظن أن حرية التعبير قد تطرق إليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو ترك المجال للصحفي، لنقل الأخبار بكل مصداقية وجدية.
الدساتير الجزائرية، منذ 1963 إلى يومنا هذا، في بابها المخصص للحريات وحقوق الإنسان،  تطرقت دوما إلى حرية التعبير الإطار القانوني الذي لابد أن يكون استشرافيا نظرا للتطور السريع، إلا أنه في بعض الأحيان ينظر إلى حرية التعبير على أنها حرية مطلقة، وهذا ما يجب ضبطه وتوضيحه سواء للصحفي أو المواطن العادي عامة، وهي أن حرية التعبير تكمن في نقل الأخبار الموثوقة، كما تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخر.
حيث لاحظنا في العديد من الأحيان أن المعلومات المتداولة تحمل مساسا بالحريات الشخصية، وبل تتعداها إلى الشتم والقذف، وهو أمر ترفضه أخلاقيات المهنة ويعاقب عليه القانون، لذا يتعين على الصحفي وحتى على المواطن أن يتحلى بالمسؤولية الاجتماعية ويدرك أن حرية التعبير ليست مطلقة، إنما يجب استعمالها في الوصول إلى الحقيقة من خلال التأكد من مصادر الخبر و تنوير الرأي العام وتحقيق الوعي الاجتماعي الذي سيؤدي حتما إلى بناء الوطن.
- التنافس في حصد الاعجابات وأعداد المشاهدة في الفضاء الرقمي، بات يؤثر على المعلومة ومصداقيتها، كيف يجب التعامل مع هذا الوافد الجديد، خاصة وأن من يقف وراء نشر المعلومات المغلوطة ليسوا صحفيين في الغالب، بل أحيانا أطراف دون سن الرشد بدون مستوى تعليمي؟.
 حقيقة أخذ الفضاء الالكتروني واجهة كبيرة جدا في حياة الأفراد، ليصبح لغة جديدة للاتصال، فعلى سبيل المثال سجل الفايسبوك، سنة 2015، حوالي 5 ملايين مشترك في الجزائر، ليتجاوز عددهم اليوم 27 مليون مشترك.
الخطر يكمن في كون أغلب هذه المواقع تنشر أخبارا مغلوطة وزائفة، مع غياب قانون يحكم و يضبط نشاطها وهذا ما تطرق له اجتماع مجلس الوزراء الأخير، المنعقد في 24 أفريل 2022، حيث تم التأكيد على الإسراع في إنشاء القانون العضوي المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية من أجل كبح الفوضى العارمة التي يعرفها الفضاء الالكتروني. وما زاد الطين بلة اعتماد بعض وسائل الإعلام على هذه الأخبار، التي تقف وراءها أطراف معينة، إلى جانب الحملات الإعلامية الشرسة التي تشنها بعض الدول، التي أنشأت مخابر للفضاء الالكتروني، لزرع الفتنة وتحقيق نواياهم المعادية للجزائر.
اليوم، أصبح من الضروري، ضبط الإطار القانوني من طرف المختصين والإعلاميين، من ذوي الخبرة الطويلة في هذا المجال، الذي ينتج يوميا عددا هائلا من الأخبار الكاذبة، بل تمادى الخطر إلى أبعد من ذلك حيث، أن بعض الصفحات تحمل عبارة «مدعمة» أو «برعاية» و هذا ما يغلّط المواطن ويجعله يتبعها. إلا أننا كإعلاميين ومختصين في هذا المجال، نرى أنه يجب إقامة الحاجز الذي تتم من خلاله عملية تصفية المعلومات وتفنيد الأخبار الكاذبة والمتمثل في منصب القائم بالاتصال.
وبالتالي حان الوقت لكي تنظم هذه المواقع الالكترونية وهذه الصفحات عن طريق، وزارة الاتصال، سلطة الضبط السمعي البصري و سلطة ضبط الصحافة الالكترونية. مع وضع الإطار القانوني الذي لابد أن يكون استشرافيا نظرا للتطور التكنولوجي السريع ومواكبا للقوانين التنظيمية التي تحكم مهنة الصحفي، عن طريق المزاوجة بين الجانب التقني والجانب المهني للصحافة الالكترونية.

- ترتقب قوانين جديدة منظمة لقطاع الإعلام، ما هي الآليات الضرورية، لتنظيمه وضبط المشهد الإعلامي، خاصة ما يعرف بالإعلام الجديد؟.
 عند الحديث عن الجانب القانوني لتنظيم الصحافة المكتوبة والالكترونية فإننا نتحدث عن ضوابط ممارسة هذه المهنة، بالرغم من تسجيل تراجع كبير للصحافة المكتوبة بدخول الصحافة الالكترونية معترك السباق، ما يتطلب بذل جهود أكثر، من أجل تطويرها، وفق قوانين وضوابط يحددها القانون. فالاثنان نوعان صحفيان يختلف أحدهما عن الآخر ولكل منهما خصوصياته الفنية، ولا يجوز أن يتطور نوع إعلامي على حساب الآخر.
ومن أجل تنظيم وإحصاء ومراقبة المواقع الإخبارية الناشطة بالجزائر، لابد أن يتم تسجيل هذه الأخيرة على مستوى وزارة الاتصال، مع إضافة عبارة « dz» في آخر التسمية التي تحملها.
كما يمكن الاستعانة بالتجارب التي تبنتها دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ودول شرق آسيا بكونها السباقة إلى اعتماد الصحافة الالكترونية، والاستناد إلى قوانينها مع تكييفها مع الخلفية الاجتماعية للدولة الجزائرية التي تتمتع بخصوصياتها. فالقوانين التي تحكم الصحافة الجزائرية لابد أن تكون مستقاة من وحي الدستور، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية. ولأجل ذلك لابد أن تحشد جهود الخبراء والمختصين والقانونيين والمهنيين من ذوي الخبرة الطويلة في الميدان إلى جانب إشراك أصحاب المواقع الالكترونية في عملية سن القوانين من أجل الاستفادة من تجربتهم في مجال الإعلام الالكتروني.
كذلك يجب توعية وتحسيس الشباب الذي لا يدرك خطورة رسائل الكراهية والفتنة التي تحملها بعض المواقع المغرضة وترويجها للأخبار الكاذبة ذات الأبعاد العنصرية والجهوية.
وبالنسبة لمجال السمعي البصري بقنواته الثقيلة وكذا القنوات التي تنشأ على اليوتيوب وصفحات الفايسبوك، غير واضحة الإطار القانوني، وهي في حقيقة الأمر مكاتب لقنوات تبث من الخارج، كدبي، قبرص وتركيا وانجلترا لابد من استرجاع هذه القنوات وتبنيها كاستراتيجية تخدم المصلحة العليا من خلال المجلس الأعلى للإعلام الذي سيتضمن سلطة تنظيم الصحافة المكتوبة وسلطة تنظيم السمعي البصري، الذي سيخضعها لاحترام دفتر شروط، لتصبح قنوات خاصة جزائرية تخضع للقانون الجزائري ويشترط بثها من المؤسسة الجزائرية للبث الإذاعي والتلفزي. ولابد كذلك من تحيين القوانين، بطريقة استشرافية تواكب التطور السريع للتكنولوجيا والعمل على التطبيق الصارم لهذه القوانين.

-  بقيت هوية الصحفي محل جدل، منذ عهد التعددية الإعلامية، فمن هو المحترف، وما هي المعايير الواجب توفرها فيه؟
 البطاقة المهنية للصحفي المحترف، تضمنتها كل القوانين العضوية للإعلام السابقة، سواء قانون 1982 أو قانون الإعلام 1990 بعد التعددية الحزبية، وكذا قانون 2012.
حان الوقت اليوم لتحديد الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يمتهن الإعلام، هناك شقين، الأول يتعلق بالمهنيين، الذين زاولوا دراسات عليا في علوم الإعلام والاتصال، ويشتغلون في المؤسسات الإعلامية بشتى أنواعها، المكتوبة، السمعية البصرية أو الالكترونية، وفي القطاعين العمومي والخاص.
الشق الثاني يتعلق بالمهنيين الذين لم يتمكنوا من مزاولة دراسات عليا في الإعلام، لكن يملكون مواهب إعلامية تم توظيفهم على أساسها خاصة وأن الإعلام يعتبر ملتقى كل العلوم، وهنا يختلف تحديد الشروط الخاصة بحيازة البطاقة المهنية للصحفي بين الحالتين.
الأكيد أن تحديد هوية الصحفي لابد أن تخضع لشروط ومعايير دقيقة، يحددها خبراء ومختصون يتمتعون بدراية واسعة عن خصوصية هذه المهنة، نظرا لحساسية المنصب الذي يشغله، فالإعلام يعتبر السلطة الرابعة بينما يعتبر، السلطة الأولى في بريطانيا، هنا نرى أن رقي ووعي الدول مقترن بمدى احترامها واهتمامها لقطاع الإعلام وشروط ممارسة مهنة الصحفي.

- تتعرض الجزائر لهجمات إعلامية مسعورة من الخارج، كيف يتعين التصدي لها، والتعامل مع المعلومات المغلوطة التي تنشرها عبر الفضاء الرقمي، حتى لا يصبح بوقا لنشر الفتنة واستهداف استقرار الوطن؟.
 الهجمات الالكترونية التي تعرضت لها الجزائر مؤخرا، تزامنت وفضيحة «بيكاستوس»، من طرف الكيان الصهيوني الذي يعمل دوما ويهدف إلى تحطيم الدولة الوطنية في إفريقيا والشرق الأوسط. هذه الدولة الوطنية التي ترافع من أجل تحرير الشعوب والدفاع عن القضايا العادلة في العالم، القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية، وبعض الشعوب المظلومة بأمريكا الجنوبية وشرق أسيا.
عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية، يجب أن نتكلم عن الدبلوماسية الإعلامية، التي يتعين على الدولة إن تضع لها استراتيجية ورؤية جديدة من خلال تطوير المؤسسات الإعلامية الموجودة في الساحة الإعلامية، حيث حان الوقت  ليأخذ الإعلام العمومي منحى آخر، يتمثل في المنحى التكنولوجي من أجل مجابهة الحملات المسعورة التي تشنها القنوات الأجنبية مؤخرا، خاصة بعد استعادة الجزائر لموقعها الاستراتيجي، الريادي في المحافل الدولية، كالاتحاد الإفريقي وتبني رؤية في المحور: الجزائر، نيجيريا، السنغال، مصر وجنوب إفريقيا، من أجل مواجهة الامتداد الصهيوني في إفريقيا الذي لجأ إلى الجارة الغربية بعدما لم يجد حاضنة في غرب إفريقيا.
الهجمات الالكترونية على الجزائر، هي حملة ممنهجة من صنع مخابر وكيانات وقنوات فضائية لم تهضم ولم تتقبل عودة الجزائر إلى المحافل الدولية ومشاركتها في حل الأزمات الدولية كأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا ولعب دور الوساطة في بعض الأزمات الخليجية كأزمة قطر والإمارات والسعودية وتدخل الجزائر في الأزمة الروسية- الأوكرانية عندما ترأس وزير الخارجية الجزائري لوفد مهم جدا للوقوف على الحلول الواجب اللجوء إليها من أجل مسعى حل هذه الأزمة.
هنا يجب على الإعلام الجزائري أن يأخذ، بعدا محليا ووطنيا ودوليا من خلال التكوين المستمر للصحفيين من القطاعين العمومي والخاص. فالصحفي لا بد أن يكون له رأي في القضايا الوطنية والدولية، يعبر عنه بكل مسؤولية. لذا لابد من توطيد ركائز الدبلوماسية الإعلامية على مستوى السفارات وفتح مصادر المعلومة أمام الصحفيين لتمكينهم من الدفاع عن بلدهم.
وأشير الى إثارة النعرات من خلال نشر الأخبار المغلوطة، المساس بالوحدة الوطنية، العنصرية والجهوية، خطر لابد من التصدي له من خلال تشديد العقوبات على كل من يتجرأ على مثل هذه الممارسات، وهذا ما يتعين توثيقه صراحة في القانون العضوي للإعلام، وقانون الصحافة المكتوبة والالكترونية والسمعي البصري.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024