النقد يُنمّي في الشاعر الكثير من مستويات الكتابة
يتحدث أحمد بوفتحة في هذا الحوار عن مفهومه للشعر وعن الحاجة الإنسانية للكتابة، وعن الجوائز الأدبية التي توّج بها وأهميتها، إضافة إلى المواكبة النقدية للمسار الشعري الجزائري، وعن نظرته إلى عملية الطبع في الجزائر وسلبياتها، وكذا مساره في الدكتوراه والتدريس في الجامعة. أحمد بوفتحة شاعر وباحث في طور الدكتوراه تخصص نقد ودراسات أدبية له ديوان بعنوان: «هكذا تحدثت عيناها» وديوان آخر بعنوان «غربة العائدين من المجاز»، متوّج بجائزة رئيس الدولة للمبدعين الشباب وجوائز عديدة في الجزائر ودول عربية: مصر، تونس، المغرب السعودية، ومتأهل ثلاث مرات إلى مسابقة أمير الشعراء في الإمارات.
- الشعب ويكاند: ما مفهومك للشعر؟
الباحث أحمد بوفتحة: الشعر من الفنون التي لا يمكن القبض على مفهوم واضح لها، إلا ما سبق من تعريفات بسيطة للدارسين القدامى، واجتهادات واسعة للنقاد المحدثين، إنما مفهومي الشخصي يبنى على الرؤيوية المتماهية مع سيرورة تطور هذا الفن وتقاطعه مع تطور الفكر والذوق العام لكل مرحلة إنسانية.
- لم يكتب أحمد بوفتحة في الشعر المعاصر؟
كتابة الشعر مرتبطة ارتباطا وثيقا بأسلوب الحياة والتفكير، والنظر إلى مختلف المواقف، الشعر يعلمنا كيف نقبض على لحظات التفرد والجمال في مختلف الحالات، أن نقدم مقترحات ما لكل قارئ يبحث عن البياض، نكتب لنمسح غبار المادة عن قلب الإنسان المعاصر، ونعيده إلى إنسانيته وعاطفته وجوهره، نكتب لنحافظ على هذا الإرث الذي ظل مواكبا للفرد العربي في مختلف حالاته.
- وما موقفك من الشعر الجديد؟
أنا لا أنظر إلى الشعر من منظور أكاديمي يفصل بين المراحل والتوجهات والأشكال -حتى وإن طغى عليّ ذلك في دراساتي الأكاديمية، إنما الشعر كائن متطور مثل باقي الفنون والآداب، يخضع لتحولات المراحل الإبداعية بطرق سلسة، ويبحث عن البقاء في قائمة اهتمام القارئ العربي، وليس المهم أن يكون الشعر ذا توجه معين إذا كان محافظا على روحه وتفرّده عن باقي النماذج الشعرية العالمية، وأقصد هنا إيقاعه ولغته الانزياحية التي تتميز عن اللغة العادية، وقدرة كاتبه على اختلاق حالات جديدة تبعث القلق الجميل عند القارئ الحقيقي، وتجعله يحلق في جو من اللذة والجمال والتساؤل والارتباك.
- نال أحمد بوفتحة الكثير من الجزائر، ما دور الجوائز في كتابة الشعر؟
الجوائز الجادة التي لها مصداقية تنقل الشاعر إلى مراتب أعلى، وتكون شهادة على نضوج تجربته وتحمله إلى قراء أوسع بعد كل جائزة، إضافة إلى الثقة التي تزيد من دوافع الكتابة، وشعور الشاعر بمسؤولية أكبر تجاه هذا الفن الأدبي، كما لا يمكن أن ننكر الجانب المادي لهذه الجوائز، والتي تكون بمثابة تثمين ملموس لجهد أي كاتب، في ظل انعدام التثمين المؤسساتي للجهود الإبداعية، خاصة الأدبية منها، لأن الشاعر إنسان له احتياجاته الاجتماعية، مثله مثل بقية أفراد المجتمع.
- كيف تقيّم واقع النقد المرافق للشعر الجزائري؟
على المستوى الأكاديمي هناك الآلاف من المقالات، والعشرات من الكتب التي ترافق الشعر الجزائري المعاصر بالقراءة والتحليل والنقد، لكن إشكالية المقروئية هي التي تطفئ هذه النماذج النقدية، فتبقى حبيسة الجامعات والملتقيات الأكاديمية والمجلات، فحتى أغلب الشعراء لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة مقال حول تجربة شاعر آخر، ويكتفون بالكتابة الشعرية فحسب، مع أن القراءة النقدية تنمي في الشاعر الكثير من مستويات الكتابة، وتنبهه إلى العديد من التحولات في الشعرية العربية التي لم يكن مطلعا عليها، وهذه وظيفة النقد المعاصر، لأن الأدب والنقد وجهان لعملة واحدة منذ القديم، والعلاقة بينها علاقة تأثير وتأثر.
- لم يطبع أحمد بوفتحة الكثير من الأعمال. إلى ماذا يرجع ذلك؟
منذ بداياتي الأولى كانت عندي قناعة تجاه عملية الطبع، ما كان ليرضيني أن أدفع مبلغا باهضا لأطبع كتابا، لأن ذلك في متناول كل من يريد أن يطبع، في ظل انتشار دور الطباعة التجارية في الجزائر منذ سنوات، بالتالي انتظرت الطرق التي كانت في مستوى رؤيتي وتطلعاتي للنشر وهي التتويج بالمسابقات التي تضمن طبع الأعمال المتوجة، فكان الديوان الأول (هكذا تحدثت عيناها) متوجا بالجائزة الثانية لمسابقة الكتيب الذهبي للإبداع الأدبي عام 2017م، وتم طباعته من طرف اتحاد الكتاب الجزائريين، والديوان الثاني (غربة العائدين من المجاز) فاز بالمرتبة الأولى لجائزة رئيس الدولة للمبدعين الشباب (علي معاشي)، عام 2019م، وتم طباعته من طرف وزارة الثقافة.
- وما هي رؤيتك لواقع النشر الجزائري؟
النشر إذا لم يكن خاضعا لمختلف الشروط والضوابط سينتج لنا مرحلة أدبية مشوهة، تغطي فيها الأعمال الرديئة على الأعمال الجيدة بين عموم القراء، وذلك ما نعانيه في العقد الأخير، فغياب لجان القراءة لدى مختلف دور النشر، وتهافتها على النشر الربحي سبب مباشر في ذلك، لذلك وجب على الوزارة اتخاذ الإجراءات الجادة للتقليل من العدد الهائل للأعمال الأدبية التي لا ترقى إلى مستوى النشر، ويكفي للقارئ الحقيقي أن يلقي نظرة على المعرض الدولي للكتاب الذي صار موعدا يتسابق الكتاب ودور النشر للوصول إليه كل سنة، ليعرف مستوى الأعمال التي تقدمها أغلب دور النشر في الجزائر، وهذا ما أشرت إليه في ندوة خلال استضافتي ضيفا على معرض الكتاب عام 2019.
- ماذا عن علاقة الدكتوراه بمسارك الشعري؟
يمكن أن أقول أن النجاح في الدكتوراه هو امتداد لنجاح التجربة الشعرية في مرحلة سابقة، لأن النجاحات كانت مواكبة لبعض، وتخصصي في النقد والدراسات الأدبية سهل علي استثمار المكتسبات السابقة، وربط علاقة إفادة بين النقد كممارسة أكاديمية والشعر كممارسة إبداعية، خاصة وأن موضوع أطروحتي متعلق بالشعر العربي قديمه وحديثه.
- بدأت التدريس في الجامعة في سن مبكرة، كيف كانت هذه التجربة؟
بداية التدريس في الجامعة في عمر الخامسة والعشرين تجربة كانت تبعث في نفسي الفخر والخوف في آن واحد، خاصة وأنك تجد طلبة أكبر منك عمرا وحتى معرفة أحيانا، لكن القبول الذي وجدته لدى الطلبة منذ البداية كان محفزا لبذل جهد أكبر لأجل إفادة الطلبة بالقدر الذي أتمكن منه، إضافة إلى الاستفادة من أفكارهم واجتهاداتهم، لأن مجال الأدب والنقد واسع جدا، واكتساب المعارف فيه غالبا ما يتحقق بالأخذ والعطاء.