الباحث بلقاسم مليكش لـ «الشعب ويكاند»:

لهذا السبـــب لا يحظى عندنا أحد بلقب «فيــلسوف»

حوار: فاطمة الوحش

 الفلسفة العيادية هي بطريقة ما وضع فلسفة تاريخ

في هذا الحوار، نحاول الاقتراب من أفكار أحد الباحثين الجزائريين المجتهدين من خلال مجال بحثه الخاص والمتخصص الدقيق، غير المعروف لدى العامة والجديد لدى الخاصة، وهو مجال بحث هام جدا يجب التنبيه إليه ويستحق التنويه به، مجال «الفلسفة الطبية».
بلقاسم مليكش من مواليد سنة 1979، من قرية تقربوست بالبويرة، متخصص في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة برسالة دكتوراه حول الفلسفة الطبية بين النظري والعملي (جورج كانجيلام انموذجا) وذلك بالمدرسة العليا للاساتذة ببوزريعة، يشتغل ايضا على الفلسفة الأمازيغية والفلسفة العيادية كمشروعين فلسفيين خاصين، له في ذلك حوارات ومقالات قيمة حول الفلسفة في الجرائد الوطنية والدولية.


- الشعب ويكاند: بداية، كيف نعرّف بك للقارئ؟
الباحث بلقاسم مليكش: أعرف نفسي منذ صغري بأني «مجنون يتحكم في جنونه» (Un fou qui gère sa folie avec sagesse)، أما عن تقديم نفسي فلا استحي عمدا رغبة من تقديم نفسي صريحا، وبهذه المناسبة، كفيلسوف جزائري بالقوة لا بالفعل (على اصطلاح أرسطو: الوجود بالفعل والوجود بالقوة)، وذلك كموقف فلسفي شخصي احراجي وprovocateur ضد عقلية احتقار الذات، ولو خلف حجاب التواضع الغشاش والخادع لدى «المفكرين» (بين مزدوجين) عندنا، أو لنقل لدى المنشغلين بالفلسفة، لكي لا نقول المشتغلين بها، لا لها أو لديها أو فيها. إذا لازلنا نلاحظ أن في الغرب ليس لا بتحقير ولا بتدنيس ان يتم تقديم كل من كتب نصا فلسفيا بأصوله، وحتى كل من حصل على شهادة ليسانس في الفلسفة، يتم تقديمه ببساطة كفيلسوف، أما عندنا لطغيان وهيكلية ثنائية عقلية التقديس أو التدنيس بدون منطقة رمادية (عقلية التطرف لا التوسط)، فلا يحظى أحد بلقب الفيلسوف ويتم التعالي عليه، رغم محايتة وتماهي خطاب المعني شكلا ومضمونا مع متطلبات التفلسف والفلسفة وفق الواقع العملي لا وفق التصور المثالي. وتلك اشكالية فلسفية محورية لنا لأنها تعنينا نحن بالخصوص، ويتم التهرب منها عمدا بدل مجابهتها والتفكير فيها بأنفسنا لأنفسنا كأحد من العوائق الأبستمولوجيا للتفلسف عندنا.
- ما هي اهتماماتك الفلسفية، تخصصك ومشاريعك الفلسفية؟
تتمثل اهتماماتي المحورية في الأبستمولوجيا وتاريخ العلوم، فلسفة الطب وفلسفة جورج كانجيلام، الفلسفة الماركسية والفلسفة الجدلية، وفلسفة ميشال فوكو. وتخصصي الجامعي هو الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة، رغم اني اميل اكثر للأبستمولوجيا وفلسفة العلوم. أما عن مشاريعي الفلسفية فهي الفلسفة الأمازيغية والفلسفة العيادية بالخصوص.
-  ما قولك في موضوع حوارنا؟
وبالطبع، الموضوع هو الفلسفة الطبية، والذي أقول أنه موضوع مستوى الحقيقة فيه عال وصعب جدا لوضعه في مستوى الخطاب البسيط والمنخفض اللازم لحوار صحفي، أي وفق أفق قراءة وامكانات فهم قراء جريدة عامة فيهم المتخصص والمثقف والمهتم، وغير المتخصص وغيرالمهتم. كما أن الحوار في حد ذاته وفي كليته يطرح اشكالية فلسفية من صميم الوضع الحرج للفلسفة في مجتمعاتنا، ألا وهي اشكالية التوفيق بين القيمة الحقيقية للفلسفة وأهميتها ودورها، وبين تبسيطها وتوضيحها لمحاربة من يشوهون سمعتها ويكفرونها ويستحقرونها ويطردونها من مجال التعقل عندنا، دون افقادها قيمتها وتشويهها من خلال ذلك التبسيط المخل بالحياء الفلسفي.
- لماذا اخترت الاشتغال على الفلسفة الطبية؟
اخترت الاشتغال على الفلسفة الطبية لأسباب عديدة من أهمها أولا ان الموضوع جديد في العالم لا فقط عندنا، وهام جدا في الحالة التي وصلنا إليها معرفيا عن الانسان، وظرفيا مع نواتج المعرفة الانسانية ككل. ثانيا لأني أرى أن الطب لأنه أعقد وأشمل، وكفن وعلم في نفس الوقت (نظري وتطبيقي)، هو براديغم (أو برنامج بمفهوم امري لاكاتوس) أفضل للعلوم بدل الرياضيات والفيزياء كنموذجين كلاسيكيين للعلم وموضوعيته، إذ ان الطب كبراديغم للعلوم يشمل أبعادا أخرى في الانسان استبعدتها الموضوعية الميكانيكية والشيئية في المفهوم الكلاسيكي للعلم، ويجعل العلم انسانيا. وثالثا لأن الموضوع هو تقعيد للبحث في الفلسفة العيادية كمشروع شخصي لجعل الفلسفة طبا للعقل وأمراضه ونتائجها السيئة على الوجود الانساني الكلي وخاصة الفردي.
- إذن، ما هي الفلسفة الطبية؟ وما علاقتها مع الفلسفة العيادية؟
الفلسفة الطبية ليست هي البيوايطيقا وليست فلسفة الطب أو الطب الفلسفي. وبالمناسبة يجب التنويه أيضا أن فلسفة الطب ليست ابيستيمولوجيا الطب. فالفلسفة الطبية يمكن أن تشمل فلسفة الطب وابيستيمولوجيا الطب، ولكن تختلف عنهما. ولتحديد الفلسفة الطبية وتعريفها يجب مقاربتها أولا كعبارة بمعناها لغة واصطلاحا، ويجب وضعها في علاقة اشكالية مع الطب الفلسفي كإمكان، ومع فلسفة الطب كحقل معرفي في بدايات تطوره. ولكن يمكن القول كتعريف شخصي أن الفلسفة الطبية هي التطبيب بالفلسفة لنوع خاص من الأمراض الوجودية والأنطولوجية بالتدقيق للمصطلحات والمفاهيم، باختلاف مع أمراض الجسد التي يهتم بها الطب، وامراض النفس التي يهتم بها علم النفس. أمراض من مثل المتعلقة بصوابية التفكير ومناسبيته اللازمة، أي محله اللازم والمناسب زمانا ومكانا وشرطا. وأيضا امراض متعلقة بأزمات الوجود، ومتعلقة بالفهم السقيم والتصورات الخاطئة عن الذات ولها ولخارجها ومحيطها، لها أثار على النفس والجسد وليست نتيجة لهما. أمراض متعلقة بالعقل في أنواع علاقته مع ذاته واشتغاله (علاقات عقلانية أو لا عقلانية، محدودة أو مطلقة العقلانية، عقلانية موافقة أو مكيفة... إلخ)، وفي علاقته الاستعمالية المهيمنة أو التابعة مع العاطفة (القلب) ومع جسده وحساسيته (الحس)، باعتبارهما البعدين الآخرين المحوريين والتكوينيين لإنسانية الانسان، وجزء من تعريف هذا الاخير، إذ ان الانسان ليس فقط كائن عاقل وإنما أيضا كائن عاطفي وحساس. أما عن الفلسفة العيادية فهي تطبيق عيادي للفلسفة الطبية، أو لنقل هي استشارات فلسفية طبية أو تطبيقية في عيادة فلسفية خاصة كمؤسسة أي كمجوعة إجراءات استقرائية وتحليلية. فالفلسفة العيادية هي بطريقة ما، وضع فلسفة تاريخ، ولكن لتاريخ الذات الفردية والمنفردة، أي للتاريخ الذاتي والشخصي للمستشير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024