- الجزائـر تفضّل الهدوء والواقعية بين باماكو و«إيكواس»
- تضارب المصالـح حوّل الساحـل إلى بـؤرة توتّـر مزمنـة
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بسكرة، فؤاد جدو، أن التوتر بين دولة مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «ايكواس» جاء في سياق الاتفاقيات التي تربط هذا التكتل في حال وقوع مخالفات لبنود الشراكة بينهما ومن بينها الانقلابات العسكرية التي تدعو إلى تجميد عضوية أي دولة.
ويؤمن جدو وهو يستعرض لـ»الشعب ويكاند» الوضع في مالي، أن مسألة تأجيل الانتخابات التي أثارت موجة رفض دولية كبيرة، يمكن حلّها من خلال الحوار لا العقوبات، بحيث يتم الاتفاق على جدول زمني معقول يراعي التحدّيات الأمنية والسياسية التي تواجهها دولة مالي، ويختصر المرحلة الانتقالية، لأن إطالتها يدخل البلاد في متاهات لا نهاية لها.
كما توقّف الأستاذ جدو عند العديد من القضايا، كالدور الذي تقوم به الجزائر لمساعدة مالي على استعادة أمنها واستقرارها، وتطبيق اتفاق السلم والمصالحة، وأيضا التوتر الذي تشهده العلاقات المالية ـ الفرنسية، إضافة إلى صراع النفوذ الذي يضع منطقة غرب إفريقيا أمام تحديات صعبة.
«الشعب ويكاند»: بلغ التوتر بين دولة مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «ايكواس» درجة القطيعة التي أعلنتها هذه المجموعة ردا على قرار المجلس العسكري الحاكم في باماكو تأجيل الانتخابات التي كانت مقرّرة شهر فيفري المقبل بسبب غياب الظروف المناسبة لتنظيم اقتراع آمن ونزيه، ما هي قراءتك لهذه المستجدات؟
الأستاذ فؤاد جدو: القرار الذي اتخذته مجموعة «ايكواس» تجاه مالي جاء في سياق الاتفاقيات التي تربط هذا التكتل في حال وقوع مخالفات لبنود الشراكة بين أعضائه ومن بينها الانقلابات العسكرية التي تدعو إلى تجميد عضوية أي دولة إذا ما حدث فيها انقلاب عسكري، وهذا ما وقع في ماي من العام الماضي مع غلق الحدود، لكن ما لاحظناه هو أن العقوبات التي فرضت من طرف «ايكواس» على مالي تصب في الشق الاقتصادي والدبلوماسي وعدم الاكتفاء بتجميد العضوية، حيث جمدت وعلقت تجارة السلع والتبادلات التجارية بالإضافة إلى تجميد الأصول البنكية لمالي في هذه الدول، وهذا يؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية الصعبة في البلاد، ما يضاعف من معاناة الشعب المالي أكثر مما عليه الآن خاصة السلع والمبادلات التجارية بالإضافة إلى استدعاء سفراء دول المجموعة من مالي وهذا الضغط على المجلس العسكري في مالي لاتخاذ قرارات أسرع في مجال تنظيم الانتخابات في اقرب وقت، خاصة بعد إعلان تأجيلها بعدما كان مزمعا تنظيمها في فيفري المقبل،
وهذه العقوبات أيدتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
- هل فعلا لا تسمح الظروف بإجراء الاستحقاقات؟
-- بالنسبة لمسألة تنظيم الانتخابات بعد 5 سنوات ومطالبة المجلس العسكري بفترة انتقالية أخرى بعدما كان مقرّرا تنظيمها في فيفري، هناك معطيات واقعية وأخرى غير مبررة، فإذا أتينا إلى المدة التي طالب بها المجلس العسكري وهي 5 سنوات، اعتقد أنها طويلة نوعا ما وكان من الممكن تمديد المرحلة إلى سنة أو سنتين على أقصى تقدير لأن الأوضاع في إفريقيا عموما، خاصة ما تعلّق بالتحول الديمقراطي والتغير السياسي كلما طالت الفترة الانتقالية كلما تعقدت الأمور أكثر مع زيادة في هشاشة الأوضاع
والانفلات الأمني وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على غرار السودان، وبالتالي يفضل مع الدول الإفريقية ان تكون العملية مضبوطة زمنيا لحسم الأمور السياسية ومسائل التغير السياسي والديمقراطي ومن جهة أخرى الأوضاع في مالي خاصة الشمال والرغبة في وضع أسس لدستور توافقي يعيش أطول وقت ويراعي الوضع المالي، يفتح الباب للتريث من وجهة نظر المجلس العسكري لكن حسب رأبي تمديد المدة إلى خمس سنوات أمر غير غير عملي.
- لكن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول على الأنظمة تتضرّر منها الشعوب، خاصة في حالة مالي، حيث يعاني الماليون وضعا أمنيا وصحيا ومعيشيا في غاية الصعوبة ولا يحتملون عقوبات إضافية؟
-- بالنسبة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على مالي أكيد أن المتضرّر الأول منها سيكون الشعب المالي نفسه، ولهذا تسعى هذه الدول إلى فرض هذه العقوبات لتعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر وهذا ما يدفع بالشارع في مالي إلى الاحتجاج والتظاهر وليس الهدف من العقوبات الحكومة أو من هم في السلطة بل التضييق على المواطن المالي وأعتقد أن مجموعة «ايكواس» لن تستطيع فرض عقوبات أكثر مما فرضته عليها من قبل والآن، خاصة أنها مسّت كل القطاعات.
- برأيك ما هي العراقيل التي حالت دون إجراء الانتخابات في موعدها؟
-- مسألة عدم إجراء الانتخابات في وقتها في مالي تعود في رأيي إلى عدة أسباب يمكن تلخيصها في الشق الأمني بالدرجة الأولى، فحسب تصريحات المسؤولين في مالي، فأن الوضع الأمني خاصة في شمال مالي لا يسمح بإقامة الانتخابات كما هو مسطر لها، بالإضافة إلى الشق التنظيمي من حيث ضمان الحملة الانتخابية وسلامة المترشحين
والناخبين على حدّ سواء، خاصة أن البلاد عرفت العديد من الهجمات العسكرية، وبالتالي هذا الأمر قد يعيق العملية الانتخابية وفي رأيي، هناك أيضا مسألة توافق النخب السياسية والتوجه نحو عدم الانخراط مع غياب الشروط
والضمانات اللازمة لإجراء الانتخابات بشكل يضمن تحقيق التجربة الديمقراطية الحقيقية وهذا أمام تحدى أساسي وهو ضمان استمرار اتفاق السلم الذي ابرم في الجزائر للحفاظ على الأمن والسلم في شمال مالي مما يدفع بالفاعلين في مالي إلى تحقيق توافق داخلي ومن جانب آخر، وممكن هناك تصور لأطراف خارجية تضغط على مالي نحو اتجاه سياسي معين وهذا ما تريد باماكو تجنبه في الوقت الراهن.
- لا شكّ أن الوضع في مالي صعب بسبب الأزمة التي تعيشها منذ عشر سنوات، وكثيرون وعلى رأسهم الجزائر يؤمنون بأن الحوار هو الخيار الأفضل بين «إيكواس»
و»باماكو» لإيجاد تسويه تتوج بتنظيم الانتخابات؟
-- بطبيعة الحال الجزائر تؤمن دائما بضرورة الحوار في الحالة المالية لأن لغة السلاح والعنف لن تقدم أي شيء بل تزيد من تأزم الوضع وأيضا ضرورة إيجاد آليات تواصل ما بين مجموعة «ايكواس» ومالي لتحقيق الأمن في المنطقة بعيدا عن التحالفات الدولية والمصالح الضيقة التي قد تضرّ بمصالح الشعوب وتهدّد الاستقرار وبالتالي لا مفر من الحوار وبناء نقاط توافق بين جميع الأطراف.
- كيف تقرأ الموقف الجزائري من الأزمة، خاصة وهي تقود الوساطة الدولية وترأس مجلس متابعة اتفاق السلم والمصالحة في مالي، وأي دور ستقوم به الجزائر لإعادة المياه إلى مجاريها بين «إيكواس» وباماكو؟
-- أعتقد أن الجزائر يهمها الوضع السياسي والأمني في دول الجوار عموما ومالي خاصة لأهميتها الإستراتيجية وبالتالي تسعى الجزائر دائما إلى دعم كل جهود السلم والأمن في المنطقة ومالي وفي هذا الملف تؤكد الجزائر على ضرورة تحكيم لغة السلم والعقل بين الأطراف في مالي واحترام اتفاق السلم والأمن المبرم في الجزائر بين الأطراف المالية، وهذا ما تعمل عليه الجزائر من خلال ضمانات تعتمد من طرف المجلس العسكري والأطراف الموقعة على هذا الاتفاق لأنه في حال انهياره سيعيد الوضع إلى حالة الصفر مع انتشار التنظيمات الإرهابية والقاعدة والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وهذا ما لا تريده الجزائر كما تدرك الجزائر جيدا بأن هناك أطراف خارجية تسعى إلى تعقيد الوضع في المنطقة، ما يدفع إلى التدخل الأجنبي وهنا تدعو الجزائر إلى تعزيز الحوار بين «ايكواس» ومالي وتحكيم العقل والرجوع إلى الشرعية الشعبية.
- بعد 7 سنوات على توقيعه، إلى أين توصّل تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي؟
-- أعتقد أن الاستقرار في شمال مالي يعتبر نجاحا لاتفاق السلم والأمن الموقع بالجزائر لأن المطلع على الواقع السياسي والأمني والاجتماعي في مالي يدرك مدى صعوبة الوضع في هذا البلد إلى جانب انتشار السلاح في المنطقة
والجماعات الإرهابية أيضا، وبالتالي التزام الأطراف الموقعة على اتفاق السلم يعد من بين العوامل التي تعزز نجاح هذا الاتفاق وهذا ما تعمل عليه الجزائر من خلال دعم التوافق الداخلي وتقريب وجهات النظر وتعزيز العمل الإقليمي خاصة على مستوى مجلس الأمن والسلم الإفريقي وكل هذه الآليات توظفها الجزائر لدعم الأمن والسلم في مالي.
- وماذا عن الدور الفرنسي وهو غير بعيد عما يجري في مالي، خاصة مع تنامي العداء للمستعمر القديم، ما قولك؟
-- الحديث عن إفريقيا معناه الحديث عن فرنسا، ولفرنسا قوات عسكرية في دول الساحل الإفريقي ومن بينها مالي ومع الانقلاب العسكري الذي وقع العام الماضي دعت فرنسا إلى سحب جزء من قواتها من مالي وكانت من الدول الداعمة لقرار مجموعة «ايكواس» وحزمة العقوبات التي فرضتها على مالي، والكثير يؤكد على أن فرنسا ليست راضية على توجهات أعضاء المجلس العسكري في مالي الذي يريد احداث قطيعة مع فرنسا، وبالتالي الدور الفرنسي في المنطقة قائم على مصلحتها وعمقها الحيوي في إفريقيا وجنوب الصحراء والساحل.
- كثيرون يجزمون بأن منطقة الساحل أصبحت نقطه استقطاب للوجود الأجنبي والصراع على النفوذ، ما موقع أزمة مالي من هذا الصراع؟
-- منطقة الساحل الإفريقي منذ 11 سبتمبر 2001 إلى يومنا، عرفت اهتماما واستقطابا دوليا من طرف قوى كبرى خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب أين كانت تعمل على إنشاء قاعدة «افريكوم» والتي لم تنجح في هذا المسعى، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد إلى بناء قواعد عسكرية فرنسية في المنطقة وإجراء تدريبات وتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي، وبالتالي كل القوى الكبرى تعمل على دعم مصالحها وحمايتها، ومؤخرا أبرمت مالي اتفاقا مع مجموعة «فاغنر» الخاصة لتدريب الجيش المالي وضمان الأمن للمسؤولين في مالي، وهذا الأمر أزعج العديد من الدول خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من أن هذه المجموعة تتواجد في جمهورية إفريقيا الوسطى، إلا أن الوضع في مالي يعرف خصوصية خاصة بالنسبة لفرنسا، وبالتالي تقاطع المصالح الغربية في المنطقة يعتبر عاملا مهما لأن الأمر يتعلق بممر مهم في التجارة غير الشرعية كالمخدرات والسلاح والاتجار بالبشر.
- بالنظر إلى كل هذا إلى أين يمضي الوضع في مالي؟
-- المشهد في مالي، اعتقد أنه أمام سيناريوهين اثنين وهما، الأول وهو الاتجاه الذي تسعى إليه دول «ايكواس» وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وهو تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في اقرب وقت واستجابة مالي لهذا المطلب من خلال تراجع المجلس العسكري عن قرار تمديد الفترة الانتقالية لأسباب تتعلق أساسا بالوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة للعقوبات المفروضة.
والسيناريو الثاني هو استمرار الوضع على ما هو عليه من خلال التمسّك بمطلب الفترة الانتقالية المتمثلة في 5 سنوات والتي تحمل في طياتها الكثير من التهديدات والتقلبات الاقتصادية والأمنية، خاصة مع تدخل الأطراف الخارجية.