الدكتور لونيس بن علي لـ «الشعب ويكاند»:

لم نؤسس بعـــــــــــد إلى وعـــــــــــي نقـــــــــــدي

حوار: فاطمة الوحش

 

ليس بعيدا عن جاك دريدا حين قال حلمت بالكتابة وكان هناك نماذج تبني الحلم بالفعل، ولغة معينة تحكمه، فبين الحلم واللغة تبرز موهبة الكاتب والناقد لونيس بن علي، فهو يمارس النقد بمعيار الأكاديمي الفاحص لمشكلات الثقافة وقضايا الفن، ويكتب الرواية بأسلوب الكاشف عن اسئلة الفكر والمجتمع والانسان لتصبح ممارسة النقد والكتابة عنده ليس من أجل فهم الذات فقط، بل من أجل فهم الآخر أيضا.


للإشارة، الدكتور لونيس بن علي كاتب وناقد وباحث أكاديمي، وأستاذ جامعي، متخصص في النقد المعاصر والأدب المقارن. لديه مجموعة من الإصدارات، من بينها: «البربري - قراءات في الراهن الفكري والنقدي والأدبي» منشورات فيسيرا، الجزائر 2013. «مقامات التروبادور» عن منشورات الهدى 2013 الجزائر. «الفضاء السردي في رواية (الأميرة الموريسكية لمحمّد ديب)»، منشورات الاختلاف، الجزائر 2015. «إدوارد سعيد، من نقد خطاب الاستشراق إلى نقد الرواية الكولونيالية»، منشورات دار ميم، الجزائر 2017. «نشيد بروكوست» والّذي ضم مجموعة من المقالات والمقاربات والقراءات الفكرية والنقدية. إضافة إلى إصداره السردي الأوّل، رواية «عزلة الأشياء الضائعة، القصة المريبة لمصرع موراكامي»، الصادرة عن دار الجزائر تقرأ 2018. كما له اسهامات نقدية وفكرية عديدة في مجلات وصحف جزائرية وعربية.
اقتربت منه «الشعب ويكاند» ليكون لنا معه الحوار التالي:
«الشعب ويكاند»: لونيس الناقد ولونيس القارئ ولونيس الكاتب هل تتشكّل شخصيتك من هذه الثلاثية؟
لونيس بن علي: هذه الأبعاد في الأخير تشكّل هويتي، وأجد أنّ كل بعد هو امتداد للبعد الآخر ومكمّل له. هناك هوية جامعة هي هوية القارئ، لأنّي أتصوّر أنّ القراءةَ هي التي تساهم في بناء ذات الكاتب وذات القارئ على حد سواء. ثمّ أنّ القراءة هي الحجر الأساس في تكويني الثقافي والفكري والنقدي والأدبي، لهذا فإذا كنتُ ناقدا أو كاتبا فهذا لأني بالدرجة الأولى قارئ.
ما زلتُ إلى اليومِ أعتبرُ نفسي قارئاً بالدرجة الأولى، هذا امتيازٌ لا مثيلَ له، لأنّ القراءة تمنحني الحرية أكثر مما تمنحه لي الكتابة. ثم ستأتي الكتابة كتتويج لسيرة هذا القارئ الذي سيكتشف أنّ له هوية أخرى هي هوية الكاتب. كانت البداية في شكل أحلام صغيرة بدأت على نحو ملتبس، كنتُ ميالا إلى العزلة وذواقاً لكل ما هو جميل على الرغم من يفاعة سنّي. أتذكّر أوّل كتاب قرأته، لكني لا أتذكّر أول نص كتبته، وهذا له دلالاته أيضا.
@ ذيلت كتابك نقد خطاب الاستشراق بسؤال مهم وهو كيف نؤسس للوعي النقدي؟
@@ كثيرا ما نقصي مصطلح «الوعي النقدي» في نقاشاتنا؛ نشتكي من غياب النقد ومن غياب النقاد، في حين أنّ المشكلة لا تُطرح هنا. عندنا نقاد وهناك نقد على الأقل في شكل ما يُنشر اليوم من رسائل ومذكرات ومقالات، لكننا لم نؤسس بعد إلى وعي نقدي الذي هو بمثابة تربية الذات على امتلاك الحس النقدي، والقدرة على رؤية العالم على نحو مختلف، من خلال خلق مسافة عن السائد والرائج. وفي مستوى آخر، يطرح هذا المفهوم موقف الذات من السلطة والذي يتأسس على الجرأة وعلى الشجاعة في قول الحقيقة في وجهها.
فالنقد ليس تعليقا على خطابات أو تقييما لها، فهذا أحد تمظهراته فقط، في حين هو رؤية وموقف ووجهة نظر، وهو أيضا تربية على قيم الحوار والانصات للآخر والمختلف واليوم مع سيادة وسائط التواصل الاجتماعي، اكتشفنا مدى نفورنا للنقد، ومدى عدائيتنا للرأي المختلف، حتى أننا نشعر بأنّ الجميع على حق، وأنّ الجميع ليسوا على حق في الوقت نفسه. نقاشاتنا تحوّلت إلى حروب لفظية تستعمل فيها كل البذاءات الممكنة، وكل الأحكام القاسية التي تصل إلى التهديد والتخوين. فلماذا كل هذا؟ لأنّ الوعي النقدي هو بالدرجة الأولى مجموعة من القيم التي يٌفترض أن يتربى عليها الأفراد، بل أني لا أتصوّر المواطنة منقوصة من هذا الوعي.
@ في نشيد بروكوست قدمت قراءة للثقافة والفن هل تمثل هذه التجربة النقدية تجاوزا أم تماهيا مع النقد في الجزائر؟
@@ ليس هذا ولا ذاك. أنا طرحتُ أسئلة ذاتية، وحاولت الإجابة عنها متكئا على مراكمات قرائية وعلى تأملات هي نتيجة لأعوام من القراءة والتأمل في مسائل ثقافية وفكرية وأدبية؛ الكتاب يضم عددا من المقالات التي كتبتها على فترات متباعدة نوعا ما، لكنها تتحرك وفق الرؤية نفسها.
أنا أحب كثيرا شكل المقال، إذ أجده أكثر أهمية من كتابة دراسة من 300 صفحة، فالمقال يمنحني القدرة على تكثيف الأفكار، وطرح القضايا دون تمييعها. ثم أن المقال هو نوع من اختبار الأفكار، فكل مقال أكتبه هو تصحيح لمسار مقال آخر.
التنوع الذي في الكتاب يعكس روح التوجه الثقافي اليوم في النقد، وهو توجه منفتح على مجالات مختلفة: ثقافة، فلسفة، سياسة، علم الاجتماع، أدب، نقد أدبي.
@ نعود إلى الرواية في عزلة الأشياء الضائعة تبرز الكتابة كطريقة لمواجهة الحياة، فهل تمثل الكتابة بالنسبة للونيس كشكل من اشكال المقاومة؟
@@ أتفق معك تماماً. لقد كتبتُ الرواية لأني كنتُ أبحث عن سلام داخلي بعد تجربة وفاة الوالد؛ لا أدري إن كانت هذه التجربة هي التي أخرجت الرواية إلى النور بعد سنوات من المحاولة في كتابة الروايات.
أحيانا ما نحتاج إليه هو جرعة زائدة من الألم لكتابة عمل أدبي. ما كتبته، كان في البداية لأجلي أنا فقط، إذ لم أفكر في القراء على الإطلاق، لأني كنتُ أقاوم حزنا باغتني. وإلى اليوم لم أقدر على الخوض في تجربة روائية جديدة. أقول دائماً أنّ السبب هو أنّي لستُ روائيا. لقد جرّبتُ الروايةَ لأنّي وجدتها الشكل التعبيري الأنسب لاستيعاب تجربة وجودية قاسية عشتها. كان يمكن أن أكتب مثلا مقالا طويلا عن الموت، أو شهادة حية عن هذه التجربة، لكن يمنحنا الخيال دائماً ممكنات مغايرة للرؤية إلى الأشياء.
@ حسب ادوارد سعيد، فإن الاستشراق بنية أكاذيب وتلفيقات لا يمكن أن تتلاشى عندما تتجلى الحقيقة هل يمكن قياس هذه الفكرة على بعض الأبنية الفكرية والخطابية المعاصرة؟
@@ مقاربة إدوارد سعيد هي أعمق من ذلك، هو بالمناسبة لم يكتب عن الاستشراق، بل كتب عن خطاب الاستشراق، وهنا مكمن الاختلاف. لقد اعتبر الاستشراق خطابا جّد متناسق وجدّ منظم كانت له سلطة تمثيل الآخر، فالشرق كان موجوداً لأن المستشرقين كتبوا عنه. كان الشرق هو اختراع استشراقي. صعب أن نتحدث عن الحقيقة عندما نفكّر في الاستشراق، فهذا الأخير هو نظام تمثيلي ومعرفي كشف إلى أي مدى يمكن للمعرفة أن تتحول إلى قوة. وهذا ما حد فعلا، عندما اعتمدت الحركات الاستعمارية على المعرفة بالشعوب المستعمرة لأجل السيطرة عليها، وليس هذا فحسب، فقد ساهمت هذه المعارف في إعادة كتابة تواريخ هذه الشعوب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024