نجـــــــاح مهمّـــــــة “دي ميستـــــــورا” مرهـــــــون بدعـــــــم مجلس الأمـــــــن
رهـــــــان خاســـــــر للمخـــــــزن علـــــــى التّطبيـــــــع لترسيـــــــخ احتلالـــــــه
يستعد المبعوث الشّخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، “ستافان دي ميستورا “ لإجراء أول جولة في المنطقة من أجل الدفع بوتيرة جهود التسوية، وبعث مسار المفاوضات بين طرفي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو.
زيارة المبعوث الأممي، تأتي في ظرف غير مسبوق، بحيث يعتبر أول مبعوث أممي يزور المنطقة في حالة حرب مفتوحة بين طرفي النزاع.
«الشعب ويكاند” تطرّقت مع الدكتور زاوي رابح إلى أبرز التّحديات التي تواجه مهمّة دي ميستورا في إقناع طرفي النزاع بالعودة إلى طاولة المفاوضات من خلال تسهيل خطّة سلام قوية ومحددة زمنيا بدعم مجلس الأمن الدولي، تفضي إلى تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه الشرعي في تقرير المصير بكل حرية وديمقراطية.
الشعب ويكاند: يستعد المبعوث الشّخصي للأمين العام للأمم المتحدة “ستافان دي ميستورا” للقيام بجولة إلى المنطقة في إطار مباشرة جهوده لدفع مسار التسوية السلمية للنزاع الصحراوي المغربي، ما تعليكم؟ وما توقّعاتكم؟
الدكتور زاوي رابح: زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة “دي ميستورا” إلى المنطقة تصبّ في اتجاه واحد، وهو إعادة بعث المسار من جديد بعد حالة الركود التي أصابت كنتيجة لتعنت الطرف المغربي، وممارساته الاستعمارية منذ القدم، وخاصة في الفترة الأخيرة التي عرفت تجاوزات خطيرة جدا سواء من ناحية الاعتداءات المتكررة على المواطنين الصحراويين، أو في استمرار استنزاف خيرات الجمهورية العربية الصحراوية. وبالتالي هذه الزيارة تأتي كذلك في ظرف غير مسبوق، بحيث يعتبر أول مبعوث أممي يزور المنطقة في حالة حرب مفتوحة بين طرفي النزاع، وبالتالي نجاح مهمته مرهون بمدى قدرته على الضغط على الطرف المغربي لوقف عدوانه، وهي خطوة هامة جدا من أجل دفع مسار التسوية السلمية من جديد وفق معطيات جديدة، ولكن بناء على ما تحقق لغاية اليوم من انتصارات دبلوماسية للشعب الصحراوي (اعترافات الدول بالجمهورية العربية الصحراوية، مكانتها داخل الإتحاد الإفريقي…)، وكنتيجة منطقية لكفاح هذا الشعب.
* تداول على ملف قضية الصحراء الغربية منذ 1991 الكثير من المبعوثين الأمميين، آخرهم الألماني هوريست كوهلر، بتصوّركم لماذا أخفق كلّ هذا الحشد من المبعوثين في تحريك المياه الجامدة بالصحراء الغربية؟ وهل سيتمكّن دي ميستورا من تحقيق ما عجز عن تحقيقه أسلافه؟
** تعاقب على ملف الصحراء الغربية منذ 1991 مجموعة من المبعوثين الأمميّين، كان لكل منهم طريقته الخاصة في العمل، وكذلك في رؤية كل منهم لطبيعة الملف وكيفية حله، دون أن ننسى كذلك حالة الاستقطاب الشديدة التي مارستها الدول الكبرى في صورة الولايات المتحدة واسبانيا وكذلك ألمانيا وفرنسا، حيث بالنسبة للمبعوث الأسبق الألماني هوريست كوهلر، الذي نال استحسان الطرف المغربي بشكل كبير جدا لأن وجهة نظره تقاطعت بشكل كبير جدا مع الرؤية المغربية التي مازالت تصر على إدخال الجزائر كطرف في الملف، والواقع شيء آخر تماما.
من جهة أخرى، لا ننسى حجم المناورات المغربية الممارسة منذ أمد طويل، ومحاولات التعطيل المتكررة لأي تقدّم يمكن أن تحرزه القضية الصحراوية، لهذا نعتقد أنه بإمكان دي ميستورا تحقيق تقدم في حالة ما توفرت له الضّمانات الكافية لجمع أطراف القضية إلى جانب توفر دعم جاد وانخراط مسؤول لمجلس الأمن الدولي لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير المصير، حيث سيبدأ المبعوث الشخصي زيارته واتصالاته مع طرفي النزاع المغرب وجبهة البوليساريو قبل أن ينتقل إلى الجزائر وموريتانيا بصفتهما بلدين ملاحظين. من جهة أخرى هناك بعض المؤشرات الإيجابية لعل أهمها موقف وزير خارجية اسبانيا حينما عبّر عن سعادته لتعيين دي ميستورا، وأن بلاده التي لديها مسؤولية تاريخية حول نزاع الصحراء الغربية، ملتزمة بمساعدة المبعوث الجديد على إطلاق حوار بشان القضية، كما عبّرت كذلك ليندا توماس الممثلة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة عن ثقة الولايات المتحدة الكاملة في قيادة دي ميستورا لاستئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة لدفع حل دائم وعادل الملف.
* نتذكّر جيّدا كيف أنّ المغرب رفض تعيين دي ميستورا وتماطل في الموافقة على تسميته مبعوثا أمميا إلاّ تحت الضغط الأمريكي، في حين رحّب الصحراويّون بتعيينه ووعدوا بالتعاون معه، بماذا تفسّرون موقف المغرب، وهل تتوقعون بأن هذا الأخير سيتعاون مع دي ميستورا ولن يعرقل مهمّته؟
** للأسف الطرف المغربي ما زال يحاول بيع الأوهام للشعب المغربي وللمجتمع الدولي، والدليل أنه يحاول البناء على تغريدة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، وكيف أن القضية محسومة لصالحه، في حين أن الواقع مختلف تماما، لأنّنا نتحدث عن كفاح شعب يمتلك أرضا وله الحق في تقرير مصيره في ظل السياسة الاستعمارية المغربية اتجاهه، كما سبق وأن تلقّى نفس الطرف المغربي ضربة موجعة عند نشر تغريدة على الصفحة الرسمية للسفارة الأمريكية في المغرب، والتي هي في حقيقة الأمر ترجمة لتغريدة نشرها وزير الخارجية أنطوني بلينكن مفادها ترحيب الولايات المتحدة بإعلان تعيين المبعوث الشخصي الجديد للأمم المتحدة في الصحراء الغربية، ستافان دي ميستورا، وأنّ الولايات المتحدة تؤيّد تماما العملية السياسية في الصحراء الغربية التي تقودها الأمم المتحدة لتعزيز مستقبل سلمي ومزدهر لشعوب المنطقة. لهذا أعتقد أنّ المغرب وفي ضوء المعطيات الجديدة مجبر على التعامل مع دي ميستورا، وفق قواعد جديدة لعل أهمها التركيز على طرفي القضية دون لف أو دوران، وكذا تسهيل مهمة المينورسو من أجل إتمام أعمالها في جو حسن.
* ما هي أبرز الأساليب التي يستعملها المغرب لعرقلة الجهود الأممية في الصّحراء الغربية؟ وبماذا تفسّرون مرور ثلاثة عقود على وقف إطلاق النار ومباشرة العملية السلمية دون أن نرى لها وجودا أو نتائج على الأرض؟
** أساليب الطرف المغربي معروفة للعام والخاص والمجتمع الدولي يعلمها بشكل أفضل، بدءاً من تعطيل مهمة المينورسو، مرورا بمحاولاته المتكررة تغيير الخريطة الديمغرافية على أرض الواقع، وصولا إلى حملة الانتهاكات الكبيرة المتواصلة في حق الشعب الصحراوي منذ فترة طويلة، دون أن ننسى المحاولات المتكررة للتدخل في كيفية تسيير الملف من طرف المبعوثين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة، ومؤخرا محاولة الاستنجاد بالقوى الخارجية على غرار الكيان الصهيوني من أجل دعم موقفه. لهذا نتعقد أن كل ما يقوم به المغرب هو محاولة للقفز على الحلول الأممية الواضحة التي تكفل للشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره وفق قواعد القانون الدولي ولا شيء غير ذلك.
*مهمّة المبعوث الأممي الجديد تأتي هذه المرة في ظل مستجدّات كثيرة وخطيرة، أهمها استئناف الحرب والاعتراف الترامبي الذي يزعم بمغربية الصحراء الغربية المحتلة، ما قراءتكم لهذا الوضع؟ وهل يؤثّر على مهمة دي ميستورا؟
** أعتقد أنّ كل ما ذكرته يمكن أن يشكل عامل ضغط على الطرف المغربي لأنّه يدرك جيدا بأنّ كل هذه المناورات هي بدون فائدة، والدليل هو تعيين مبعوث أممي جديد سيكون المغرب مجبرا على الجلوس حول طاولة الحوار، ولن تنفعه في هذا لا اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب ولا غيره. ولا يمكن أن يؤثّر على مهمة دي ميستورا بالنظر على الترحاب الذي حظي به من طرف الصحراويين وجبهة البوليساريو، وكذلك من طرف القوى الكبرى على غرار اسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
* يصرّ الاحتلال المغربي على الانحراف بحل النزاع الصحراوي إلى خيار “الحكم الذاتي”، الذي فصّله على مقاسه، في حين يصرّ الصحراويّون على استفتاء حرّ ونزيه يضمن كل الخيارات وأوّلها الاستقلال، ما تعليقكم؟
** الأمور مفصول فيها، والحل واضح ولا يقبل النقاش ولا التنازل لأنّ الأمر يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو مطلب الشعب الصحراوي، والأكثر من هذا نحن نتحدث عن دولة معترف بها، وتحظى بحضور في المحافل الدولية على غرار الإتحاد الإفريقي، ولها علاقات مع دول العالم. لهذا أعتقد أنّ مسألة إصرار الشعب الصحراوي على الاستفتاء لتقرير مصيره مسألة مفروغ منها وجب دعمها والإيمان بها لغاية تحقيقها.
* هل لعملية التّطبيع والتقارب المغربي – الإسرائيلي تأثير على جهود التّسوية الأممية لقضية الصّحراء الغربية؟
** هذا ما يحاول الطرف المغربي المراهنة عليه، وهو الاستفادة قدر الإمكان من تطبيعه مع الكيان الصهيوني، ومحاولة ممارسة التأثير على القضية وطريقة تسييرها، وفي جميع الأحوال يبدو رهانا خاسرا لعدة اعتبارات، لعل أهمها هو أن الملف مصنف على مستوى الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار، وثانيا الوضع الداخلي في المغرب والمتأزم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأخيرا الكيان الصّهيوني ليس له ذلك الثقل الكبير في القضية الصحراوية مثل الدور الإسباني أو الأمريكي، لهذا جاءت محاولة المغرب إدخال الكيان الصهيوني كعضو مراقب في الإتحاد الإفريقي لأنّها تدرك أهمية هذه المنظمة.
* استعادت القضية الصّحراوية زخمها، وحقّقت انتصارات كبيرة خاصة ما تعلّق بحكم محكمة العدل الأوروبية، فكيف تقيّمون حصيلة النّضال الصّحراوي، العسكري والدبلوماسي؟
** الانتصارات المحققة على الصعيد الدبلوماسي خاصة مع ما حصل بالنسبة لمحكمة العدل الدولية، وهو انتصار مهم جدا، لأن الأمر يتعلق باستنزاف خيرات وموارد الشعب الصحراوي، وإضافة إلى هذه الانتصارات نجد حملة الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية، دون إن نغفل تواجدها في هيئة الإتحاد الإفريقي وحتى مع عودة المغرب لهذه الهيئة بقيت الجمهورية الصحراوية محافظة على مكانتها وهو انتصار مهم جدا. أما بالنسبة للقتال والجاهزية فتبقى جبهة البوليساريو الممثل الوحيد للشّعب الصّحراوي، وتقوم بعمل كبير في الدفاع عن حرمة الأراضي الصحراوية.
* رغم مساعي المغرب، تحظى القضية الصحراوية بتأييد متنامي في القارة الإفريقية، ما قولكم؟
** أكيد أنّ الإتحاد الإفريقي والحاضنة الإفريقية ذات أهمية كبيرة لأنّها داعمة لقضايا التحرر، وتظل الجمهورية الصحراوية دول إفريقية قبل أي شيء آخر، لهذا فإن دعم هذه القضية مطلب أساسي لدول القارة الإفريقية وفق مبادئ ثابتة على رأسها حق الشّعوب في تقرير مصيرها، وكذا تصفية آخر مستعمرة في القارة.
* في كلمة أخيرة، ما توقّعاتكم حول مستقبل القضية الصّحراوية التي تنشد الحل العادل منذ 1975؟
** مؤمن كل الإيمان بأنّ مصير هذه القضية هو تحقيق استقلال الجمهورية العربية الصحراوية، فما ضاع حق وراءه طالب، ولأنّ الأمر يتعلق بالأرض فالأكيد أنّ مصير أي قضية عادلة هو النّجاح.