الرســــــــم التجريــــــــــدي شامــــــــــل لكــــــــــل الفنــــــــون
في حوارها مع «الشعب ويكاند»، تتحدث سهام شريط عن تجربتها مع الكتابة والرسم والعراقيل التي واجهتها خلال مسيرتها الإبداعية. سهام شريط كاتبة وفنانة تشكيلية، تكتب لوحات فنية تجريدية بطابع فلسفي صوفي تعبر عن الحزن والفرح، عن الوجع والحلم، وترسم بالألوان نداءات لكل روح تتألم ولكل روح تتأمل، هي من مواليد 1967 بعين امليلة. رغم تعليمها العلمي المفرنس، إلا أنها تعلمت اللغة العربية على أصولها، من والدتها منذ صغر سنّها، وكانت تكتب الخواطر وقصائد الشعر في جرائد النصر والمساء والأضواء خلال سنوات الثمانينيات، 1984... كما درست بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بقسنطينة سنة 1987 / 1988.
* الشعب ويكاند: تقول سهام شريط: «في وقت مضى ليس ببعيد، كنت معتكفة في مكان مغلق أكتب وأكتب، أخفي ما أكتب عن الأعين والأسماع، لم تدم العزلة أبد الدهر»، فبعدما أطفأت مبدعتنا شمعة الخمسين خريفا، قررت التمرد وكسر أغلال الصمت ثم الانطلاق صوب العالم الرحب الفسيح. ترى ما سر هذا القرار الجريء، الذي أسفر عن إصدارات متتابعة مست مختلف الأجناس الأدبية؟
** سهام شريط: لم أتوقف يوما عن الإبداع لكنها فضلت أن تخفي كل ذلك عن الأنظار والأسماع إلى حين التفرغ من المسؤوليات والالتزامات مع العمل الوظيفي وتربيه أطفالها. هي أنثى أفنت عمرها في خدمة الغير في خدمة أبنائها وأفراد عائلتها ومحيط عملها، كموظفة بقطاع التربية والتعليم، نسيت نفسها أو تناستها وظلت أحاسيسها مركونة على كفوف الزمن في انتظار فيضان حمم بركان الملكة التي تسكن روحها.
* كيف ساعدت أدوات الفنان التشكيلي سهام شريط على ولوج عالم الكتابة الأدبية التي يرن صداها في القلوب الكواتم؟
لي تجارب عديده في مجالات الإبداع مثل الرسم والكتابة والمسرح والموسيقى والخياطة والتطريز والسمع البصري والسينما، مثل كتابة السيناريو والعمل في فيلم وثائقي كمساعدة مخرج ومعلقة فيه، لا أختار ما تكتب او ترسم مما تبدع فالإبداع وقت الإلهام هو من يختارها ويختار حضورها. إذا كتبت ترافقني روح الفنانة، وإذا رسمت ترافقني روح الشاعرة، فالكل مكمل ببعضه.
* هل يمتلك الفن التجريدي خصوصيات تميزه عن باقي الفنون؟
الفنان يبدأ من السهل إلى الصعب، بداية المدارس الواقعية سواء كان عصاميا أو متمدرسا بمعاهد الفنون وتبقى مدرسة الفن التجريدي في الأخير، كذلك لأن الرسم التجريدي شامل لكن الفنون، يسمح للفنان ان يعبر عن نفسه وعن غيره بكل الطرق وكل الأشكال والألوان. تعبر اللوحة التجريدية عن افكار واحاسيس صاحبها وكذلك عن كل متفرج فيها وقارئ لها وبذلك تكون لها كل قراءة روح جديدة وحياة جديدة ومختلفة وهذا يعطي نفسا جديدا وإحساسا بطاقة إيجابية كبيرة لصاحبها. وهذا يجعل الفن التجريدي مختلفا تماما عن غيره في العمل والتأثير في صاحبه وفي الآخر.
* توجهت مؤخرا إلى كتابة الرواية، فهل هذا يعني أن سهام شريط ستتخلى عن الكتابة الشعرية؟ وهل وجدت في الرواية متسعا أكبر للتعبير من الشعر؟
اقتحمت عالم الرواية لما فيه من نسج خيالي بين مقاطع حقيقية معيشة، لكن هذا لن يطمس روح الشاعرة فيها، لازالت تكتب شعرا وقصصا باللغة العربية والفرنسية ولازال في جعبتها الكثير من المفاجآت.
*هل تتماثل طقوس الكتابة مع طقوس الفن والتشكيل أم أن لكل فن ميزته؟
تختلف طقوس الكتابة والرسم من مرحلة ألى مرحلة في حياتي ومن وضع إلى وضع معنوي ونفسي. بما أنني أحب كل أنواع الإبداع فأنا أهيّئ المجال والجو لاستقبال الإلهام والملكة لإخراج ما بداخلي، تارة أكتب أو أرسم في غرفة تضيئها شموع أو مصباح خافت، وتارة اكتب او ارسم في مكان عام صاخب الأجواء، وأحيانا اخرى استمع الى الموسيقى الكلاسيكية او الأغاني والطرب مثل: أم كلثوم وصباح فخري وفيروز...
أنا لا أتحكم في هذه الطقوس بل هي التي تفرض نفسها كما يفرض الرسم والكتابة كل منهما نفسه ويحدد من يسبق بطرح افكاري واحاسيسي ويخرجها الى ارض الواقع من خلال الكلمات والالوان.
* شهد عام 2021 صدور كتابك الموسوم بـ: «جزء من التاريخ» وهو سيرة ذاتية تروي قصة زوجين همّشهما التاريخ، هل لك أن تكشفي لنا جزءا من تاريخهما القابع في الذاكرة المنسية؟
** كتاب جزء من التاريخ -قصه زوجين- هو سرد بأسلوبي الخاص بقصه رويت عن لسان صاحبها البطلين المجاهدين المكافحين طوال حياتهما:
الحاج علي شريط وزوجته زعراء عثماني منذ الولادة، كلاهما تحدى كل الذهنيات غير اللائقة بالإنسان من الجهل والانحطاط والعبودية والاستعمار وخاصة الأمية، حيث هاجر علي شريط وهو شاب في مغامرة صعبة وخطيرة الى تونس ثم الى البقاع المقدسة للتعلم ومحاربه الأمية في أوائل الخمسينيات، ثم التحق بصفوف جيش التحرير الوطني يدافع عن وطنه وأرض أجداده أين تسكن روحه.
تحدت زعراء وهي طفله المجتمع التبسي الذي لا يقبل خروج المرأة لأي سبب كان من منزلها، لكن هي درَست ودرّست بمدرسة التهذيب وجاهدت بالقلم ثم بالسلاح ضد الجهل والاستعمار والاضطهاد الى آخر يوم في عمرها، هي قصه تحدّ ووعي وكفاح لم تأخذ حقها في الذكر بين طيات التاريخ وفي سجلات المؤرخين والباحثين الأكاديميين.
* «تراتيل»، «ترانيم»، «من وحي الروح»، «شدو الأعماق» وغيرها من مؤلفاتك ذات النزعة الصوفية والفلسفية العميقة التي لاقت اهتماما كبيرا خارج الوطن أكثر مما لاقته وسط الساحة الثقافية الجزائرية. أين يكمن الخلل في رأيك؟
** أتأسف أن أذكر هذا. لكن في بلادي الغالية العزيزة على قلبي ترسخ في الأذهان التجهيل في كل المجالات وأصبح المبدع ينتظر ان يعرف به أو يقدمه أحد الأثرياء يسمع صوته أو يقرأ حرفه. أنا لا أبحث عن الشهرة، لكني أكتب بإحساس الفنان التي تؤثر في روحه وفي الأرواح الجميلة من حوله.
* ما هي أبرز العراقيل التي واجهْتِها خلال مسيرتك الإبداعية؟
** بالنسبة للفن التشكيلي نجد صعوبة في اقتناء الأدوات الخاصة بالرسم. في السنوات الماضية كانت شبه منعدمة، أحاول اقتناءها من خارج الوطن كأننا نتاجر في السوق السوداء، وخلال السنوات الأخيرة حيث ازدهر الاستيراد والتصدير، أصبحت الادوات متوفرة لكن بأسعار باهظة، حيث لا يستطيع الرسام اقتناء كل ما يحتاج إليه ليكون في عمله تنويع وجودة، القماش الذي نستعمله واللوحات والألوان بمختلف انواعها واشكالها، الاقلام وانواع الفرشاة والادوات الحديدية والبلاستيكية، الادوات كثيرة النوعية ومختلفة الاستعمالات.
أما بالنسبة للمجتمع، فالفنان يعتبر مخبولا يهدر وقته وماله، خاصة في المجتمع الشرقي من البلاد، حتى الفنانون لا يتذوقون أعمال بعضهم من قلة الحديث عن الفن وقلة المعارض والاهتمام بالرسامين من قبل الجهات المسؤولة.
ويبقى الفن التشكيلي موهبة ربانية تسمح للفنان بأن يخرج ما بداخله ليضعه على الورق أو القماش بغرض التعبير عن نفسه لا للتجارة. وكذلك الكتابة رغم ان الطباعة صعبة وتزداد صعوبة وغلاء من يوم الى آخر، خاصة بعد الأزمات التي تسببت فيها جائحة كورونا، ورغم اشتعال الأسعار لدى دور النشر، الا ان الكتابة تبقى متنفس الادباء الذين يحتاجون دائما الى الدعم المادي والمعنوي، خاصة من طرف الإعلام والصحافة، فنحن نكتب ليصل صوت الإحساس الى المتلقي والقارئ عبر أثير الاذاعات والقنوات وعبر صفحات الجرائد.
* هل لديك إصدارات أخرى قيد النشر؟ وما هي تطلعاتك المستقبلية؟
** لا يزال في جعبتي الكثير من الكتابات والرسومات التي لم تخرج الى المتلقي بسبب غلاء الطباعة وقلة المحسوبية والوسطاء.
* لكل كاتب أنامل تسعى وقلم يشقى، ولكل قارئ تذوقه الخاص. كلمة أخيرة لهذا القارئ...
** كل ما أطلبه من القراء والأدباء والفنانين الجزائريين، أن نستعيد مكانة الكتاب والقراءة في مجتمعنا لنتغلب على الجهل الذي راح ضحيته أجيال من شبابنا وهذا دورنا نحن بالاتحاد مع قطاع الثقافة والفنون من الوزارة إلى المديريات ودور الثقافة في كافة الولايات، لأنها أساس الوعي والنهوض بالبلاد في ظل الجزائر الجديدة.