الموسيقار قويدر بوزيان :

لهذا السبب اُستبــدِل العــودُ بالمنـدول

حوار: فاطمة الوحش

 في هذا الحوار يأخذنا الموسيقار قويدر بوزيان إلى عوالم تتمازج فيها الفنون والآدب مع مختلف العلوم، ونكتشف من خلالها الكثير أسرار الموسيقى الشرقية وتنوعاتها المحلية.  الموسيقار والملحن ابن الباهية وهران قويدر بوزيان، من مواليد 1961، أستاذ بالمعهد الوطني العالي للموسيقى رئيس لجنة الطعون بالديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة، رئيس عدة لجان تحكيم لعدة مهرجانات محلية ووطنية، لحّن مجموعة من الموسيقى التصويرية وجينيريك عدّة مسلسلات تلفزيونية.


-  الشعب ويكاند: هل لكم أن تنوّرونا عن تغيير بعض الآلات الموسيقية من أجل تغيير المقامات وإلغاء ربع المقام، وما تأثير ذلك على الموسيقى الجزائرية في مختلف الطبوع؟
 الموسيقار قويدر بوزيان: نحن نعرف أن تداخل الحضارات أو الثقافات ليس حكرا فقط على شريحة معينة، لكن المشكل يكمن في تسريب معلومات خاطئة، أو جلب معلومات من أجل تحريف معلومات أخرى؛ ونعرف أن الحضارة الإسلامية جاءت بزخم كبير من التراكيب الغنائية مثل الأدوار والموشحات والأزجال و...، بداية من المغرب العربي لأن المحطة الأولى لرجوع إعلام الموسيقى والطرب والفطاحلة كانت هنا في الجزائر اولا. وندرك أن مناطق ضعف أي بنيان هي المفاصل، ومفاصل البنية النغمية واللحنية هي اولا المقام وثانيا الآلة الموسيقية ثم التدوين ثالثا، يمكن أن نحرف في المقام، نغير النسق، في اتجاه المقام، نغير اتجاه الفكرة الام، نغير الالة، وبتغييرنا للفكرة الاولى فهذا يعني أنّنا نغير طبعها ومقامها وتركيبتها اللحنية، ومن الممكن أيضا خلط ترتيب العمل الموسيقي فتصير مفاهيم مبهمة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المقامات التي جاءت كانت عربية قائمة بحد ذاتها بفصائلها ومشتقاتها، وكما نعلم أنّ المقام هو الأساس وفيه مشتقات وفصائل مثل الموسيقى الغربية نجد فيها السلالم المجاورة، فلما يأتي إنسان خبير يغير النغمة الفلانية من المقام الفلاني يعلم بأنّه سيشوهها، حيث تصبح تابعة لحضارة معينة أو تركيبة لحنية لبلد آخر، فهو بذلك يحرفها عن أصالتها وهويتها والدليل على ذلك ما نجد في المقامات الأندلسية؛ المقام الذي نسميه نحن في الجزائر «المقام السروجي»، وعند المشارقة يسمى «البياتي» وهو عربي أصيل نسجت منه الالحان والأدوار والموشحات، إذن طالما هذا الذي يفتح الأبواب ويترك الجيل يتشبّث دائما بأصالته، فهذا الذي سيغير ولما غُير صار يسمى «غريب»، فحين ترى الموسيقى الأندلسية وتسمع «المزموم» أو «السيكا» نسمع مقام غريب، ولما نقول لعازف أعزف مقاما أو أدّي السلم؛ فإنّك تسمع نغمة بياتي لكن التسمية غريب، كأن مجموعة المقامات التي تؤدى في الموسيقى الأندلسية أو الشعبي العاصمي كلها معترف بها ومتبناة إلا هذا يسمى غريب.
والآلات الموسيقية أيضا حدث فيها تحريف وتغيير فمثلا العود استبدل بالمندول، لماذا استبدل بالمندول؟ حتى لا تبقى حرية، ففي الماضي كان هناك البعد وربع البعد أو ما يسمى بربع المقام، لكن في الموسيقى الأندلسية لا يوجد ربع المقام بحكم الآلة الموسيقية التي تحكمت فيه وازاحته من الطريق ليبقى البعد ونصف البعد. إذن فقد صار غزو في المقامات وغزو في الآلات الموسيقية وغزو في التراكيب النغمية، ومن المعروف أن الموسيقى العربية عامة عبارة عن نغمات متقاربة ومتجانسة تنسج منها الحان تعبر عن الهوية وعن الإحساس العربي، وهي تتماشى مع القصيدة وتترجم القصيدة أيما ترجمة.
- ما الفرق بين الموسيقى التصويرية وغيرها من الأنواع الأخرى المستعملة في الإنتاج الثقافي والفني في بلادنا؟
 ممكن أن تكون موسيقى تصويرية لأفلام تعبر عن المشهد الدرامي وتحل محله، بحيث أنه يساند ويترجم المشهد أكثر فأكثر، يعني حتى لو كان المتتبع للفيلم كفيفا، فمن خلال سماعه لنغمة الفيلم يمكنه تصور المشهد لأن هناك انسجام وصدق، إذ على الملحن أن يقرأ السيناريو ثم يطلع على التركيب ويشرف على عمل الممثلين، باعتبار أن الممثلين هم الذين يرفعون من قيمة السيناريو أو ينزلونها فالأمر هنا قضية أداء. وهناك بعض الموسيقى التي أسميتها أنا مصاحبة؛ فمن غير الممكن أن نضع جمل موسيقية غربية ونحن نتكلم عن عادات وتقاليد عربية محضة مثل الجوزة والخيمة والجمال...أي أنه يجب أن تكون معبرة ومترجمة ومكملة للمشهد.
- ما رأيك في مستوى الأغنية العربية عامة والجزائرية خاصة؟
 أنا أقول حتى العالمية؛ يجب فصل الأغنية اولا ونتكلم عن النص، لأنه اذا كان النص رديئا ليس في المستوى لا يمكن أن يكون اللحن في المستوى، واذا كان ليس في النص بلاغة أو عمق أو لوحات، سيكون اللحن حتما رثا ناقصا، وهذا ما يحدث في العالم حاليا لأن التراكيب والبلاغة التي كانت موجودة في الماضي ليست موجودة الآن سواء في الأغنية الجزائرية أو العربية أو حتى العالمية، ويمكن أن يرجع ذلك للمتلقي ايضا، لأن المتلقي في الماضي كان لا يتقبل أي عمل، ويسمع بأذن التحليل ليس بالأذن السهلة كما هو الحال اليوم عندما؛ اذ أننا الان نسمع الاغاني كفقاعات من أجل الايقاع والصخب الذي فيها فقط، أما في الماضي فقد كان التركيز على الكلمات لأنها إذا كانت في المستوى فمن المؤكد أن يكون اللحن أيضا في المستوى، واهم شيء في كل هذا هو السفير «المطرب أو المؤدي»، بحيث يجب أن تكون مخارج حروفه سليمة جدا وإحساسه أثناء الأداء عالي، ويحاول أن يجانس بين النص واللحن، لأن هذا العمل ليس جهدا فرديا وإنما جهد جماعة، فالشاعر تعب لأنه نقل في الكلمات وركّبها وحاول أن يضع لها وزنا وقافية، والملحن ايضا حاول أن يعطيها نغمة جميلة، فإذا لم يؤديها المغني على أكمل وجه سيخدم كل الذي بناه الاثنين معا. وهناك عنصر آخر هو الموسيقيون والتسجيل أي الجانب الفني والتقني، فإذا لم تتوفر الوسائل التقنية اللازمة يصبح كأننا قمنا بعمل مبتور.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024