المغـرب ظـلّ علـى الدّوام يحمــــل إيديولوجيـــة معاديـة للجزائر
المقاربـات المستـوردة فشلـت في مجابهـة الإرهـاب في الساحـل
تشهد منطقة الساحل الإفريقي تردّيا أمنيا خطيرا نتيجة تزايد الهجمات الإرهابية التي تحصد في كلّ مرّة الكثير من الضحايا المدنيين والعسكريين، فيما تقف المنطقة المغاربية أمام تحدّيات صعبة، سواء تعلّق الأمر بليبيا التي تستعدّ لإجراء انتخابات مصيرية أو التوتّر الكبير الذي تصنعه السياسة العدائية للمغرب خاصة منذ تحالفه مع الصهاينة.
تقف «الشعب ويكاند» في هذا الحوار مع الباحث في العلوم السياسية، الدكتور مجادي رضوان، عند التّطوّرات التي تشهدها دول الساحل، والتهديدات التي يفرضها التقارب الصهيو – مخزني على دول الجوار، وتبحث معه عن سبل مواجهة المخاطر والتحديات.
- الشعب ويكاند: عاد الإرهاب ليشدّد هجماته في منطقة الساحل، ويسجّل ضحايا كثر في صفوف المدنيّين والعسكريين على حد سواء، ما تعليقكم على هذا الانحدار الأمني؟ وما علاقته بإعادة الانتشار العسكري الفرنسي وبالخصوص تقليص وحدات قوة «بارخان»؟
الدكتور مجادي رضوان: يجد السّاحل الإفريقي وما جاوره نفسه محاطا بشريط ساخن يعرف الكثير من التّطوّرات السياسية وتداعياتها على أمن المنطقة برمتها، ما يعني أنّ بلدان هذا الشّريط تبقى رهينة ومقتادة، وتحت رحمة المتغيرات الأمنية والتحولات السياسية الكبرى، والتي لا تزال تعرف تطورات ودينامية غير منتهية في سياق الحتمية الدامية الناجمة عن انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة، وتوسعها في الفضاءات الجغرافية التي يصعب فرض الرقابة عليها ذاتيا من طرف دول المنطقة نظرا لشساعتها ورحابة مناطقها الحيوية التي تستغلها الحركات الإرهابية.
كما أنّ تعدّد الأطراف في إدارة الملف الإرهابي في المنطقة ذاتها قاد المنطقة إلى مزيد من التعقيدات الأمنية، واستحالة حلحلة معضلاتها ومشاكلها المطروحة نتيجة تعدد المقاربات، من الخيارات السياسية إلى الخيار العسكري الذي باتت تفرضه قوى الاستنزاف الغربية كورقة لإدارته طبقا لسياسات متحيّزة تخدم أجندتها بدل خدمة مصالح دول المنطقة، ناهيك عن عدم فعلية الخيارات الخارجية؛ خاصة أمام مد الحركات الإرهابية وتوظيف تطرّفها الأيديولوجي والطائفي لغير مصلحة أمن واستقرار دول منطقة الساحل الإفريقي الذي تغذّيه قوى غربية بارزة في المشهد الأمني، لا سيما حضور دولة فرنسا بشكل مفرط، الذي أضحى ينتج المزيد من التوترات السياسية بين دول منطقة الساحل الإفريقي والصّحراء الكبرى.
وعلى هذا الأساس، تعتبر المقاربات التي توظفها فرنسا في إدارة الملف الإرهابي في الساحل بمثابة الرحى السياسية التي تشتغل على وفرة القيم الأمنية وتجدّدها في المشهد، وهي بالتالي تحتاج إلى تصميم سيناريوهات جديدة؛ كمراجعة إستراتيجية الانتشار العسكري في محور الشريط الساخن في الصحراء والتماس اللصيق بدول الساحل الأفريقي، الأمر الذي برز مؤخرا - حسب رؤيتي كملاحظ وباحث - مع الشروع في عمليات الجزر العسكري وحصر نطاق الانتشار؛ إن لم نقل تضييقه، وهذا له مبرّراته الخاصة بجوهرية المقاربات التي تستعين بها قوى غربية نافذة لتغذية اللاّأمن في المنطقة، وفتح المعابر الحيوية أمام الفوضى لتقويض الجهود الإفريقية المعادية لمصالح دولة فرنسا، ما يشير إلى زيادة عدد العمليات الإرهابية كنتيجة حتمية لهذه الإستراتيجية المبنية على توليفة أمنية تحمل قيم التطرف الديني والطائفية لدى الجماعات الإرهابية، وهو ما يدس الكثير من التداعيات السلبية على أمن دول المنطقة، خاصة تلك التي تبحث عن سبل بناء مؤسساتها السياسية والعسكرية في إطار دولة الحق والقانون، ليبيا أنموذجا.
وعن النّوايا السيئة لإستراتيجية فرنسا في مكافحة الإرهاب، وعندما نخص الذكر بجغرافية سحب قوّاتها، فقد ركّزت على محورية شمال مالي كشريط جيواستراتيجي في أجندتها، وهي تحمل في ثناياها نوايا إعادة توجيه البوصلة الإرهابية وفسح المجال أمام الأعمال الدامية ودعم التنظيم الإرهابي بطرق غير مباشرة لتوجيه رسائل تهديد إلى دول الجوار، الجزائر وليبيا على وجه التدقيق.
التّواجد الفرنسي يعيق حل المعضلة الأمنية في السّاحل
- يتزامن تنامي الشّعور المعادي لفرنسا في المنطقة، لماذا؟ وإلى أي حدّ توقّع وصول حدّة العداء الإفريقي من فرنسا؟
جل المقاربات التي تطرحها القوى الكبرى والمنظمات الدولية التي تسهر على إدارة الملف الإرهابي؛ إن لم نقل الكل، لا تكاد تخرج عن إستراتيجية تعقيد الوضع الأمني، الأخيرة التي بدت تنكشف لدى شعوب دول المنطقة، خاصة تلك التي تكثّف فيها فرنسا تواجدها وانتشارها العسكري، الأمر الذي تولّد عنه شعور يناهض سياسات فرنسا المتناقضة مع رؤية ومصالح الشعوب في منطقة الساحل الإفريقي والصّحراء الكبرى.
أمّا عن أسباب هذا الضجور الإفريقي من فرنسا كطرف سلبي في المقاربة الأمنية، حيث لا تحمل خيارات تستتب الأمن وتعزّز الاستقرار في المنطقة، وإنما وجودها كالمتراس الذي يصد كل محاولات دول الجوار لحلحلة المعضلة الأمنية، ولعل موضوع الإرهاب محل المقاربة الفرنسية هو نقطة البداية التي استهللنا بها حوارنا، ومنه نقول إنّ الحضور الفرنسي المستمر والمفرط لم تعد تتقبّله إرادة الشعوب في المنطقة، وبات يشكّل هاجسا يحول دون الإنعتاق من قوقعة الإرهاب المدعوم لتعزيز وطأة قدم المستنزف الخارجي.
لقد بدأت معالم النضج السياسي ترسو في الأفق وتترسّخ ثقافة جديدة في مخيال الشعوب الإفريقية، تحمل العداء العلني الذي أصبح يسوق في أفضية الإعلام المحلي - الوطني والإقليمي والدولي، الأخير الذي مارس نوعا من التعتيم لإثارة قضايا المنطقة المصيرية.
وإذا ما تطرّقنا إلى موضوع الوعي والثقافة والإرادة السياسية، فنحن أمام حتمية جهوزية الشعوب لرأب صدع الجسد الإفريقي المتهالك ومقاومة الفيروس الدخيل عليه والمهدّد لأمنه وسلامته، ممّا يعني التخلص من الهيمنة الثقافية الفرنسية التي كانت تشكّل مرجعية التدخل العسكري تحت ذرائع محاربة الإرهاب في المنطقة، كلّها مبرّرات مغلوطة وغير مبنية على إرادة دول المنطقة.
- قمم التئمت، واجتماعات عقدت واستراتيجيات عسكرية وضعت لمحاربة الإرهاب في الساحل، لكن الظّاهرة في تنامي، برأيكم لماذا هذا الإخفاق في دحر الإرهاب من منطقة غرب إفريقيا؟
لا يمكن أن ننكر جهود المجتمع الدولي في المشاركة الهادفة لحلحلة المعضلات الأمنية والقضاء على ظاهرة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي والصّحراء الكبرى، لكن لا ينبغي أن نسلّم بعدم جدوى مخرجات القمم والمؤتمرات والجمعيات واللقاءات التي أبرمت، وعقدت بخصوص هذه الملفات التي لا يقبل حلّها وإخراجها إلى برّ الأمان ما لم تراعِ الترتيبات الأمنية صوت وإرادة الشعوب الإفريقية لدحض أطروحة الإرهاب المستوردة كأجندة دولية في المحور الساخن والدامي، والتي تطلّبت، في جميع مراحل تنفيذها، حزمة من الاستراتيجيات والرؤى الخارجية لا تتقاطع ورؤية دول المنطقة.
من هنا، تبدو عوامل الإخفاق الغربي، ومن خلال دور فرنسا كطرف وفاعل في المقاربة الأمنية المتعددة، غير أنّها تشترك في نقطة واحدة - حسب رأيي - تتمثّل في عدم فاعلية الأطراف الخارجية في إدارة الملف من جهة، ولعدم مصداقية المقاربات والاستراتيجيات المنتهجة لمجابهة الإرهاب وصد حركيته وانتشاره الجغرافي المدروس.
احترام الإرادة الشّعبية..طريق ليبيا للخلاص
- العنف الدّموي الذي حطّ رحاله بالساحل ليس التحدي الوحيد الذي تواجهه المنطقة، هناك الأزمة الليبية التي دخلت مرحلة حاسمة قبل أيام معدودة من الانتخابات، ما قراءتكم للمشهد الليبي وتصوّركم لآخر محطّة من العملية السياسية؟
ليبيا الأمس، هي ليبيا اليوم، وقد تكون ليبيا الغد، ما دام أنّ السياق السياسي يحمل في مضمونه وحيثياته المتغيّرات الثابتة، والتي نراها تتأثر بالعديد من العوامل المحلية والإقليمية والدولية.
يبقى مستقبل ليبيا مرهون بتأثيرات بيئتها الخارجية، لا سيما أمام تصاعد ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة في إقليمها.
كذلك الحكومة الانتقالية في ليبيا تلعب دورها المحوري لتجاوز هذه المطبات الأمنية والسياسية، ويبدو أنها مقبلة على مرحلة جد مهمة لإعادة الخيارات السياسية العقلانية إلى سكّتها الديمقراطية، وحلحلة المشاكل العالقة من خلال الشروع في تنظيم انتخابات ديمقراطية.
أما عن إمكانية نجاح هذا الجهد وتكلّله بمخرجات سياسية مقبولة ومتفق عليها مرهون بجدوى الديمقراطية التوافقية من عدمها بين الأطراف والجهات والمناطق، والتي قدّمت كل منها ممثلا ينوب عنها في الاستحقاقات الانتخابية المزمع تنظيمها مستقبلا.
من وجهة نظري، السيناريوهات المحتملة هو أنه ستجرى الانتخابات في سياقها الديمقراطي والبروتوكولي، لكن عن مخرجاتها وجدواها تبدو بعيدة المنال، فقط لأنّ القيم الصّراعية والجهوية لا تزال تسري في عروق القائمين على المرحلة السياسية المقبلة، خاصة وقد انتقل الصراع من مستوى الهيمنة على منابع الثروة إلى مستوى «من يحكم» يبحث في كل الطرق للاستحواذ على السلطة والنفوذ، دون أن نتغاضى عن الهامش الذي تمارس فيه القوى الكبرى تأثيرها الخفي، والتنافس على من يمرّر أجنداته لربط دوائر صنع القرار السياسي الليبي بمراكز اتخاذ قرار الأطراف الخارجية الحاضرة، في مشهد المرحلة السياسية.
وفي نفس السياق، ما يهمّنا هو طبيعة مخرجات المرحلة السياسية المقبلة، وكيفما كانت النّتائج، هناك تنبّؤ بحدوث حالات التعارض والتضارب على السلطة، وفي كل الأحوال قد لا يكون اعتراف بالطرف الآخر، الأمر الذي يحيل ليبيا على هامش الصّراع الدامي من جديد والعودة إلى نقطة الصفر.
السيناريو المذكور سابقا؛ يمكن تجاوزه وعدم تحققه إذا أحسنت الأطراف التعامل مع مخرجات العملية الانتخابية واحترمت الإرادة الشّعبية الداخلية بدل إملاءات القوى الكبرى، الخيار الذي سيخرج الشّعب الليبي من حفرة النار إلى برّ الأمان.
تقارب المغرب والكيان الصّهيوني يستهدف الجزائر
- التّوتّر الذي تعيشه المنطقة يمتد أيضا إلى المستجدات الخطيرة التي يحدثها المخزن بسياسته العدائية ضد الجزائر وسعيه إلى عسكرة المنطقة من خلال تعاونه العسكري مع الكيان الصّهيوني، ما تعليقكم على هذا السّلوك المغربي المشين؟ وما الدّوافع التي تجر المخزن للارتماء في حضن الصّهيونية؟
في سياق المستجدّات والتّطوّرات التي تحدث في المحور المغاربي؛ خاصة في مستوى العلاقة بين الجزائر والمغرب يشكّل تحديّا أمنيا جديدا ورهانا استراتيجيا يخدم؛ وقد لا يخدم أحد أطرافه في حالة سوء تقدير درجة الخطورة التي تحملها المستجدات الإقليمية، نظرا لتغلغل طرف خارجي في العلاقة يحمل العدائية والتّنمّر على الدولة الجزائرية، ويهدّد أمنها القومي.
فالتقارب المعلن بين المغرب والكيان الصهيوني يشكّل حلقة جديدة في المنطقة بكل ما تحمله من معضلات أمنية.
وعن إقدام المغرب على هذه الخطوة يعتبر تجاوزا صارخا لقواعد وأخلاقيات العلاقات بين دولتين يشترك شعبيها في القيم والثقافة وشؤون الوحدة والدفاع عن الحقوق والقضايا المصيرية؛ كحق تقرير المصير.
فالمغرب كدولة، قامت بسلوك مشين زعزع علاقتها المستقرّة بدولة الجزائر، وتخلّت عن مبدأ شعبها في الدفاع عن حقوق الشعوب الأخرى المستعمرة والمقهورة، والدليل ما يشهده الشّارع المغربي وانتفاضة شعبه ضد نظام المخزن الذي رسم علاقاته بالكيان الصّهيوني علنا وبشكل صريح، وهي الانتفاضة الشعبية المغربية الجريئة التي تعكس مدى تناقض مبادئ الشعب مع سلوك نظام حكمها المجرد من المبادئ.
حسب اعتقادي المتواضع، ترجع أسباب ارتماء نظام المخزن في حضن الكيان الصهيوني، الذي أصبح يهدّد أمن المغرب دولة وشعبا، ويهدّد استقرار المنطقة قاطبة إلى سببين بارزين؛ الأول يخص تناظر الفكر التّوسّعي والاستعماري الصهيوني بمثيله المخزني، والثاني يتعلق بالاعتقاد الخاطئ من نظام المخزن لأهمية التعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية للاستقواء على الجزائر كدولة وشعب تدافع عن قضايا الشعوب المستعمرة في العالم برمته، وهذه الخطوة من نظام المخزن تستند إلى أجندة تمّ ترتيبها من عشرات السنين أين رفعت الجزائر صوتها ومطلبها الصريح بمساندة الشعوب المحتلة والمستضعفة في إطار القانوني والتنظيم الدولي المعمول بهما.
الوحدة والعمل الدبلوماسي والدّفاعي لمواجهة المستجدّات
- كيف للجزائر أن تجهض المخطّط الصّهيو-مغربي، وما هي حدود المؤامرة المغربية بنظركم؟
الحديث عن استراتيجيات دولة الجزائر للتّعاطي مع المستجدّات الأمنية الإقليمية الجديدة هو متعدّد الأبعاد والجوانب، فعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، هناك مطلب حتمي يدعو إلى ضرورة تضافر جهود النخب الجزائرية في جميع المستويات والمقامات لتعزيز التماسك الاجتماعي ومجابهة كل المخاطر المحتملة والمهدّدة لاستقرار التركيبة الاجتماعية النوعية، مع الحرص على تحقيق تنمية شاملة تعمل على تعزيز الفرص الاجتماعية والاقتصادية، والتقليل من ظاهرة الهجرة وتسريب الموارد البشرية.
أما على المستوى السياسي والدبلوماسي، ضرورة الترويج للصورة الحسنة للجزائر من خلال وسائل الإعلام المحلي والدولي، وإبراز جوهرية مبادئها الإنسانية التي تدافع عن حقوق الأفراد والشعوب التي تعاني من ويلات الاستعمار والاحتلال غير المبرر، فالرأي العام العالمي اليوم يقدّس الإنسانية ويتصدّى بكلمة الحق لكل الممارسات والسّلوكيات التي يباشرها الاحتلالين الصّهيوني والمغربي-المخزني ضد الشّعوب والمستضعفين منهم.
وعلى المستوى الدفاعي والأمني، كمقترح؛ ضرورة البحث عن سبل جديدة ومكمّلة لتعزيز وتقوية ملفات الدفاع الأمني والعسكري المشترك في المنطقة.
فالمغرب من الماضي إلى الحاضر، يحمل إيديولوجية معادية لدولة الجزائر صاحبة السيادة على ترابها وإقليمها وشعبها وشؤونها، ولن يتخلّى عن سياساته الجوفاء لإثارة بؤر التوتر في الشّريط الحدودي الممتد من الجهة الغربية إلى الجنوبية، وقد ينتقل إلى الحدود الشرقية عبر ليبيا، هذه البؤر هي دعامة للمقاربات الأمنية التي تنتج مزيدا من الإرهاب وعمليات الجريمة المنظّمة.