الجزائر تجاوزت النسبة العالمية في بإدماج الشباب بالمجالس
حظي الشباب الجزائري بدعم رسمي منقطع النظير في سنوات المخاض السياسي الأخيرة ومرحلة إعادة بناء مؤسسات الجمهورية، دفع بهذه الشريحة الهامة نحو الإنخراط في المشهد السياسي وتقلّد مسؤوليات، والمشاركة بقوة في تسيير دواليب الدولة والمجالس الشعبية المنتخبة الوطنية والمحلية.
أوضح رئيس أكاديمية الشباب الجزائري سمير بوعزيز في حوار مع «الشعب ويكاند»، أنّ الدعم الكبير للشباب في الجزائر كان فوق التوقّعات، ودليله تجاوز النسبة العالمية بإدماج الشباب في المجالس السيادية، وأصبح المجلس الشعبي الوطني - البرلمان - مشكّل من أكثر من أربعين في المائة 40 % من النواب شريحة شباب.
- «الشعب ويكاند»: مع تَوجهات دفع الشباب نحو الانخراط في المعترك السياسي وتقلّد مسؤوليات، كيف تقيّمون مشاركتهم في الإنتخابات؟
سمير بوعزيز: فعلاً، البيئة كانت مواتية لمشاركة الشباب في هذه الاستحقاقات، من خلال شروط التّرشح والدعم المادي المباشر لهم لتحقيق نتائج إيجابية، وسيكون في المستقبل استراتيجيات أقوى وأحسن، ستسهم لا محالة في تطوير وتمتين ما تحقق من إدماج فعلي للشباب في المؤسسات الرسمية السيادية.
الدعم الكبير للشباب في الجزائر دليله تجاوز النسبة العالمية المتعلقة بإدماجهم في المجالس السيادية، وأصبح عندنا أكثر من أربعين في المائة من النواب في البرلمان من الشباب، وهي نسبة فاقت كل التوقّعات وما كان مأمولاً بكثير.
نثمّن ما جاء في قانون الانتخابات الذي جاء، بعد حل المجلس الشعبي الوطني السابق والإعلان عن انتخابات برلمانية مسبقة، لا سيما ما تعلّق بشرط 50 بالمائة شباب في كل قائمة انتخابية سواء حزبية أو مستقلة، تقل أعمارهم عن أربعين سنة وأصحاب شهادات جامعية، ثم دعمهم في الحملة الإنتخابية مادياً ممن ترشّحوا ضمن القوائم المستقلة، وكل ذلك ساهم في تشجيع هذه الشريحة على المشاركة، وسهّل القيام بحملتها وتنشيطها.
- بناء الجزائر الجديدة يحتاج سواعد كل إطاراتها وشبابها، في رأيكم ما الدور المنوط بالشباب؟
الجزائر اليوم أمام تحديات مصيرية يتجاوز مداها المجال الحيوي الوطني والإقليمي بالنظر إلى موقعها
الجيو-إستراتيجي، تضاف لمهامها التاريخية الموكلة لها منطقياً، لذا على الشباب التواصل عربياً وإفريقياً ودولياً للمساهمة في الدفاع والترويج عن سياسة بلادنا الخارجية، التي تنطلق من تجارب الجزائر البطولية للدفاع عن الحق، وهي اليوم تعتمد على وسائل جادة لتحقيقه، وتقدّم لمواجهة مشكلات التحرّر ودعم الشعوب المضطهدة إطارا صحيحاً يعلو فيه الحق، وعليه لا يجب أن نبقى سجناء ذهنية انغلاقية، ونمارس من خلالها جلد الذات، أو التغني بأمجاد الماضي أحياناً دونما إدراك لكيفيات استثمار هذه القيم العظيمة.
نحن مقدمون على عصر جديد ديدنه العلم والتكنولوجيا، وتتحكّم في مصيره قيم القوة والحداثة، وهو الأمر الذي يدعونا إلى تبصر ما يجب أن نضطلع به لخوض غمار المستقبل، ورصد رؤية نسقيّة دينامكية جديدة تفرز وعيا استشرافيا، على غرار الوعي الذي غير بمقتضاه رعيل أوّل نوفمبر حركة التاريخ الوطني والعالمي.
- استعادة الثقة بين الشباب والمؤسسات مع الأحداث التي خيّمت على البلاد منذ سنوات، أصبح ضرورة تقتضيها الظروف الأمنية إقليميا ودوليا، كيف يمكن استعادة تلك الثقة؟
لابد أن نعود إلى كرونولوجيا الأحداث التي مرّت بها بلادنا انطلاقاً من الحراك الشعبي، ومرافقة الجيش له، مروراً بالعودة للمسار الديمقراطي وانتخاب رئيس جمهورية بالصندوق من طرف الشعب، وبعد هذه المراحل أصبح هناك إرادة سياسية قوية جداً من أجل إدماج وإشراك الشباب في السياسات التنموية الكبرى، وكذا فتح المجال للمساهمة في تسيير مؤسسات الدولة وتقلّد مسؤوليات عليا، إذ لدينا نماذج كثيرة في هذا المجال ما سيسهم حقيقة في إرجاع الثقة المفقودة بين مؤسسات الدولة الوطنية والشباب، وكذا مختلف أطياف الشعب الجزائري، والأمر لن يتمّ بين ليلة وضحاها لكن المسار في الطريق الصحيح والإرادة السياسية موجودة.
اليوم أصبح الشباب يتواصل مع مختلف المؤسسات الوطنية وخاصة الأمنية منها، من أجل العمل سوياً على مواجهة التحديات الإقليمية غير التقليدية التي تواجهها بلادنا، ويسهم كذلك في التحسيس من مخاطر هذه التهديدات التي أصبحت واضحة للعيان، والجميع يعلم أن السيناريو بدأ واضحا وجليا اليوم، ولا يحتاج إلى تلميح ولا إلى تورية أو اجتهاد، وعليه فإننا اليوم أمام خندقين لا ثالث لهما، إما التخندق في جبهة الدفاع عن الوطن بنفس المعنويات والتصميم والإرادة التي كانت إبان ثورة التحرير المجيدة، وإمّا الوقوع في شراك العدو، ومن ثمّة خيانة الشعب وذاكرة الشهداء.
- ماذا تقترحون تشريعيّا لتعزيز دور فئة الشباب والحفاظ على مكاسبها؟
تطوير الأحزاب السياسية وأفكارها يتمّ عبر تجديد دمائها وتمكين الشباب من تقلد المسؤولية داخلها، ومن الضروري أن يكون فعلاً مستمرا ليتواصل وجودها، ليتحوّل ذلك إلى وجود فاعل ومؤثر ومبدع في الحراك الاجتماعي وفيما يتعلّق بالمعادلة السياسية، التي يتفق الجميع اليوم على أنها لابد أن تكون قواعدها ديمقراطية حتى تواكب العصر بشروطه الحضارية، وبالأداء السياسي الذي يناضل من أجل رفعة حقوق الإنسان الشاملة، ويفرض واقع الحال على كل من يتقلد المسؤولية داخل الأحزاب السياسية، مع إدراج برامج توعوية للشباب من أجل دفعه للانخراط في الواقع السياسي الوطني.
إعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية بما يتماشى ومقتضيات المرحلة أصبح ضرورة تتطلبها المرحلة، وكذا مراقبة مدى ديمقراطية تسيير هذه الأحزاب التي أصبحت أغلبها يسير بعيدا عن القواعد المتعارف عليها ديمقراطياً المبنيّة على التشاور والإختيار الحر، شأنها شأن إختيارها في الانتخابات عن طريق الصندوق، مع إلزامها من خلال قانوني الأحزاب والانتخابات بإشراك الشباب وإدماجهم في معترك السياسة، وفي كل الأطر والمؤسسات الحزبية.
- هل يمثل صدور المرسوم الرئاسي المحدّد لمهام وتشكيلة المجلس الأعلى للشباب، نية لتعزيز دور هذه الشريحة في المجتمع؟
النية الحقيقية للدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية كانت واضحة وجلية في إعطاء المكانة الحقيقية للشباب التي يستحقها، انطلاقاً من قانون الانتخابات الذي تحدثت عنه سالفاً، والرئيس من خلال إعادة إحياء المجلس الأعلى للشباب يريد أن يضع لبنة وأساس حقيقي لتكوين الشباب تكويناً يسهم فعلاً في صقل معارفهم المكتسبة، لتؤهلهم لرفع المشعل، والإسهام في بناء وقيادة المؤسسات الوطنية للدولة، وبالتالي إدماجهم وإشراكهم في كل مناحي الحياة.
المجلس الأعلى للشباب سيكون مشتلة سياسية حقيقية لتخريج قادة المستقبل، ونتمنى أن يتمّ تنصيبه في أقرب وقت ليسهم في تنظيم وتأطير الطاقات الشبابية الفاعلة، وإدماجها واقعياً بعيداً عن التنظير كما كان يحدث في السنوات التي سبقت الحراك، حين كان الشاب مجرد ديكور.
- ماذا تنتظرون من أدوار للمجلس الأعلى للشباب؟
المجلس الأعلى للشباب لابد أن يحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها، خاصة ما تعلّق بإدماج وإشراك هذه الشريحة الهامة في السياسات التنموية الكبرى، والتأكيد على قيم الديمقراطية ومھارات السلوك الديمقراطي في قضايا الحوار وإنجاز المھام الجماعية، وأن يساهم في زيادة الاھتمام بتدريب الشباب على مسؤوليات المواطنة ودلالات السلوك المرتبطة بھا، وتكوينهم على مھارات العمل السياسى في إدارة المواقف واتخاذ القرارات، وجذبھم إلى الحوار الجاد حول قضايا الوطن، وتحفيزهم على العمل التطوعي الإيجابي.
- سيكون للشباب دور فعّال في بناء المؤسسات، ماذا توجه لهذه الشريحة؟
شباب الجزائر في مرحلة البناء الجديدة يجب أن يُثبتوا انتماءهم لجذورهم، وبذلك سوف تكون لكم القدرة دون خوف ولا ضرّر على الانفتاح على المحيط الخارجي، سواء للعطاء أو للقبول، لأن من يقتلع الجذع كأنما انتحر أو تخلّى عن شخصيّته ليتقمّص بتصنّع شخصية الغير دون أن يفلح أبدا في تحقيق ذلك على الوجه الأكمل، وبالتالي على الشباب التواصل عربياً وإفريقياً ودولياً للمساهمة في الدفاع والترويج عن سياسة الجزائر الخارجية.
لذلك أدعو الشباب للوقوف كرجل واحد من أجل مواجهة التحديات التي تواجه بلادنا ومجابهتها، والمساهمة جميعاً في مشروع البناء والتنمية والتطوير، خاصة أن هناك إرادة سياسية قوية جداً من أجل إدماج وإشراك هذه الشريحة في السياسات التنموية الكبرى، وكذا فتح المجال لها للمساهمة في تسيير مؤسسات الدولة وفي مسؤوليات عليا.
- ما هو تقييم أكاديمية الشباب الجزائري للتعامل مع القضايا الإقليمية والدولية؟
التعامل الدبلوماسي الجزائري مع القضايا الإقليمية والدولية محل تقدير وتثمين، لا سيما ما اتخذته بلادنا تجاه فرنسا، ومن ذلك التعامل بحزم مع كل من يشكّك في تاريخ هويتنا وثورتها العظيمة، لأنه بقدر ما كانت الثورة تخيف أصحاب الأحلام الاستعمارية، ومصاصي الدماء من المضاربين الكبار في عهد الاستعمار، فإن ذلك الخوف لن يزول طالما أن هذه الثورة تكتنز في أعماقها مشروعاً تحررياً متجددا، كفيل بأن يؤهل الأجيال الحالية والصاعدة إلى خوض معركة الحضارة والدفاع عن مصالح الأمة الجزائرية الإستراتيجية من منطلق القوة والمناعة، وهو الأمر الذي حدا بالقوى الاستعمارية خاصة في الأشهر الأخيرة لتعمد خلط الأوراق، ونشر الغموض، وإشاعة التشكيك، لمحاولة مغالطة جزء كبير من الرأي العام الدولي من أجل التورية والتغطية على الأزمة الداخلية في ظلّ الوضع الاقتصادي الذي يحاصر فرنسا.
كما أثمن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب انطلاقاً من ممارسة حقوق الجزائر السيادية التي كفلها القانون الدولي، وحماية لأمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرّف، مع إصرار المخزن المغربي على اتخاذ مسلك معادي للجزائر، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية، وفشل كافة المحاولات لإثنائه عن دعم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الماك وحركة رشاد الإرهابيتين، والتدخل بشكل سافر وهمجي في شؤوننا الداخلية، فضلا عن إصرار المخزن في التواطؤ مع الكيان الصهيوني الغاشم بصورة تهدّد الأمن القومي لبلادنا.
لذا فبلادنا لفتت أنظار كل المعنيين والفاعلين الإقليميين والدوليين إلى الأهمية القصوى بتمسكها بالمبادئ التاريخية، التي وضعت ونسجت تحت مسميات التعايش السلمي، والتعاون، وعدم التدخل في شؤون الغير، والاحترام المتبادل، ومن الواجب على كل الدول التي تريد أن نحترمها أن تلتزم التزاماً تاماً بهذه المبادئ تجاه علاقتنا، وأن تطبقه عملياً في تعاملها مع بلادنا، وأي نوع من الانحراف عن تلك المبادئ إنما يرمي في النهاية إلى تحطيم ذلك الاحترام وما بني عليه من توجهات وغايات في العلاقات.
- القضية الصحراوية وحقوقها المشروعة وتداعياتها الإقليمية والدولية، كيف تراها؟
كفاح الشعب الصحراوي تضمنه الشرعية الدولية، والعالم الحر لا يقبل بإهانة كرامة الشعوب، التي مازالت تئن تحت وطأة الاستعمار والاضطهاد، ومهما كانت تقلبات الزمن فإن الاستعمار لن يستطيع إطلاقا أن يتغلّب على مقاومة الشعوب وإرادتها، إذ لا زالت حقوق الشعب الصحراوي التي أقرتها كل المواثيق والقوانين الدولية تُنتهك في أراضيه وفقاً لأطماع السيطرة والاستغلال، وبسط النفوذ، وتنفيذ المخططات الاستعمارية والعنصرية.
ومما يدعو إلى الأسف أن يكون التجاهل وعدم احترام الإرادة الدولية من المخزن المغربي سببا رئيسياً في عرقلة الجهود الرامية إلى إيقاف تلك الانتهاكات، وإنهاء المشاكل المترتبة عليها، الأمر الذي شجعّ على الاستمرار في الأعمال العدوانية ضد الحقوق الإنسانية للشعوب.