الشاعر المصري محمد عبد العزيز شميس:

التأسيس لثقافة الإنسان واقع فرضته أزمة كورونا

حوار: حبيبة غريب

تغيرات جذرية في الثقافة مع الانتقال إلى عولمة افتراضية

لنا علاقات قوية ومشاريع مع المثقفين الجزائريين

يسلّط الأمين العام لمدرسة الأدبية الحديثة، الشاعر المصري محمد عبد العزيز، الضوء من خلال هذا الحوار لـ» الشعب ويكاند» على تداعيات أزمة فيروس كورونا على الثقافة والشعر والأدب، ويثير فكرة ثقافة الإنسان التي تؤسس لها النهضة الأدبية بمعية مثقفين من العالم العربي ومختلف دول العالم إيمانا منهم بأن الثقافة لا تعترف بالحدود ولا بالإيديولوجيات.

-  «الشعب ويكاند»: كيف كان انعكاس أزمة كورونا على الثقافة والمثقفين وهل للمتغيرات والتحوّلات المسجلة لها بعض الايجابيات؟
  الشاعر محمد عبد العزيز شميس:
تواجه الثقافة في العالم عامة وفي بلاد العرب خاصة مجموعة من التحديات التي تعيق الوصول إلى ثقافة شاملة ومستدامة فيما بعد فيروس كورونا إذا لم يتم مواجهتها، فأحد أبرز هذه التحديات هو الارتفاع المتزايد في تكلفة الخدمات الثقافية والضغط السلبي المتنامي على الخدمات الثقافية من قبل المجتمع، ولا يمكن أن تواجه هذه التحديات إلا بتضافر الجهود بين القطاعات الثلاثة العام والخاص والفردي كي يشهد القطاع الثقافي دورا متميزا ورياديا، حيث يشهد العالم مرحلة جديدة وحقبة متميزة في تاريخ التطوّر الحضاري يفرض نوعاً من الاستقراء والاستشراف للمستقبل.
 من أجل فهم هذه المتغيرات والتحولات التي يحملها ولم يواجه العالم مثلها منذ قرن من الزمان، أول شيء يجب تقبله هو أن العالم لن يعود أبداً إلى ما كان عليه في السابق على أقل تقدير، فإنني أتوقع أن تصبح أقنعة الوجه أيضًا مظهرًا عاديًا من مظاهر الحياة ، يجب علينا أن نتوقّع تحولًا في ثقافة العمل والسفر واللقاءات والمؤتمرات المتعلقة بالثقافة والآداب والفنون ولكن قد تثبُت التغييرات في العديد من العادات كسلوك دائم أيضًا. وقد يفكّر المثقفون في التحوّل الرقمي الكامل، كخطوة لمنع التجمعات خوفًا من انتشار أمراض فيروسية جديدة فيما بعد أزمة كورونا المستجد. حيث سنشهد تغيّرًا مفصلياً حاسمًا يتجاوز التغيير الكيفي إلى الانفتاح التام لفضاء الاتصالات. وستتغير مفاهيم المطابقة والمماثلة بالكامل نحو تنوّع لا محدود ومنفلت في آن واحد معاً، مما يعني أن مستقبل الحضارة سيتعرض إلى تنوع ثقافي هائل بعيداً عما ألفه الناس في الموجات السابقة. لقد أسقط الفيروس مفهوم المسافة الاجتماعية أو المسافة من الجميع لذلك سادت سلوكيات فيروس»كورونا» الذي يقفز من مكان إلى الآخر ويتشكل ويتجدّد مع كل مقاومة جديدة.
وإذا كانت المشكلة الرئيسية تكمن في جوهر الثقافة الإقصائية التي تكرسّها الأنظمة عبر التسويق الدائم لفكرة عدم نضج الشعوب لممارسة حقوقها الديمقراطية، إذ تعود معظم النزاعات الثقافية إلى أمرين أولها اختلاف المصالح، وثانيها اختلاف المفاهيم وتطبيقاتها، وحيث يتمّ استغلال المفاهيم لتكريس الاختلاف وإلباسه لبوس النزاع العقائدي لكن المشكلة التي ستواجهنا في المستقبل لن تكون مهمشةً بل ستتمثل في التوجه نحو اللا تجانس والتباين.

- لو تكون الثقافة غير مهمّشة مستقبلا، كيف يكون التغيير الذي تتحدّثون عنه؟
 لأن الثقافة المستقبلية المتوقّعة في الغد تضمّ عناصر من ثقافات مختلفة تجلبها إليها وتحوّلها لتشكل ثقافة مميزة وخاصة بها ولذلك قد آن الأوان للتغيير، وهذا ما نأمله لأن التحوّلات الثقافية في العالم تطلب دينامكية أكثر عمقا، وتشمل نواحي التاريخ الإنساني كلها كتغيير اقتصادي اجتماعي ثقافي سياسي تقني، وهي موجة كثيفة ومتسارعة وعالمية. وتشكل فرصة مميزة للمشاركة في عولمة كونية نأمل أن يكون لنا فيها كمثقفين جزءاً أساسياً لإبراز معالمها. بعد الموجات التي تعرّضت لها الثقافات بتعليق جميع الأنشطة والفعاليات الفنية والثقافية التي تتضمن تجمعات كبيرة من المواطنين من الضروري اليوم أن تقوم المؤسسات الحكومية بدورها المنوط بتمكين المؤسسات والجمعيات الثقافية من خلال: - توفير المعلومات الكافية عن الاحتياجات الثقافية والخطط والبرامج الإستراتيجية لتمكين الإبداع، بناء مجموعة من الحوافز المشجعة للمؤسسات الثقافية الصغيرة والمتوسطة والعمل على وضع برامج استثمار ثقافي، - تعزيز مفهوم المشاركة المجتمعية بإنشاء منصات متنوعة لبناء شراكات مؤثرة بين الجهات الحكومية والمؤسسات والجمعيات الثقافية بجهاتها الثلاثاء، - احياء الترجمة والعمل علي تجديد لغة الخطاب الثقافي والديني والارتقاء بالثقافة المحلية وتشجيع كافة الطوائف المجتمعية بتوصيات اقتصادية.
هذا، إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال والميسورين والشركات علي تأسيس برامج عمل سنوية من شأنها تشجيع المشروع الإبداعي بتوجيه من المؤسسات الحكومية  والتي تنعكس على نسبة كافية من المنح  والمشاريع والبرامج الأكثر حاجة وأثر التعاون اللوجستي والتسويق الرقمي لسد الفجوات ورفع التمثيل الإبداعي والتركيز على دور المنظم، تشجيع الأدب المفرد والعمل على استبدال سقيم ما تناولنا من عولمة السنوات الماضية بسبب ضعف فهم المقصود وقلة الاطلاع والجهل، مواكبة الحركة الزمنية المتسارعة وصناعة أنطولوجيات رائدة  تتعلم منها المجتمعات فلسفة الآخر وتؤثر فيها.

- عكس كثير من القطاعات التي عرفت ركودا حساسا خلال الأزمة الصحية العالمية التي سببها فيروس كورونا، عرف قطاع الثقافة انتعاشا افتراضيا كبيرا، ما هو الحال بالنسبة إليكم في النهضة الأدبية؟
 قامت الأمانة العامة للنهضة الأدبية أن تتجمّع الخيوط في يد طرف يكون له درجة أعلى في حسم الأمور الخلافية التي شكلت عائقا مهماً لسياسة الانفتاح والتجسُّد الثقافي داخل العالم الافتراضي مدركين لهذا الأمر وما يكلفنا من مسائل مهمة تتعلق بثمار الثقافة العربية بعد أن أثبتنا الروابط القائمة بعيداً عن محاولات التنبؤ المستقبلي التي لا تجدي نفعا، فقد كان من الصعب الخروج باستنتاجات من مجموعة معطيات جد متغايرة وفي كثير من الأحيان متناقضة لكن كان الاندماج التام أمراً ممكنا على الأمد الطويل، مما يمكننا أن نقوله بشيء من اليقين هو أنه ربما مع موقف أكثر تفهماً من قبل المؤسسات الرسمية سيحدث قدر مقبول من التعايش الثقافي العالمي لا يتعارض مع روح التعاون داخل الوطن الواحد فقد صنعنا علاقات لوجيستية وتعاون افتراضي بين مؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية واسبانيا والمكسيك ودول امريكا الجنوبية كاملة والهند وافريقيا ونجحنا في اقامة عدة مؤتمرات ناجحة لحدّ ما.

- كيف هو الحال بالنسبة لأنشطة النهضة العربية، هل عرفت تقاعسا أم انتعاشا منذ تفشي أزمة كورونا؟
 شاركت النهضة الأدبية في انثرولوجيا عالمية صدرت عن مؤسسة اينر تشايلد بريس الأمريكية تحت عنوان السلام صحة المكان بموضوعه ومحور شيوعه من قريب أو بعيد دون إغفال للفروق والاختلافات في طبيعة العمل الثقافي بين شعراء ومثقفي الشرق وبين شعراء ومثقفين أوروبا وأمريكا اللاتينية وأسيا ثم اتجهت النهضة الأدبية في تطبيق المظهر الفكري العربي مع تحسين سبل العمل ووسائله مع شعراء ومثقفي أمريكا اللاتينية لتحقيق الإصلاح المنشود بإقامة المؤتمر الأول للقارات بالتعاون مع أكاديمية أبوكني للثقافة الشعبية والعالمية بدولة الأوروغواي  بعد أن كانت ثقافتنا مشرّدة مطاردة تتقاذفها البلدان والدروب وكان الناس فوق هذا وذاك لا ينظرون لثقافتنا نظرة ارتياح وتقدير.

- من التواصل مع كل دول العالم العربي عبر انتماء المثقفين والشعراء، عرّفت النهضة الأدبية انفتاحا على قارات، آسيا، أوروبا، إفريقيا وأمريكا، من أين  جاءت الفكرة وإلى أين وصلت التجربة؟
 يجب أن نكون واقعيين ونعترف أن التصلّب الثقافي زاد المسألة غموضاً كما أن التشيع العاطفي لثقافتنا الراهنة خال من أي مضمون ثقافي أو حوارات تترك أثراً واضحا ثم إن قرار الانفتاح لم يكن حدثا لا يمكن تجنّبه ولم يكن مطلباً بل كان تدبيراً فُرض قبلته النهضة الأدبية في البداية دون حماس وببعض المقاومة السلبية أحيانا حتى وضعت بين ايدينا المسؤولية عشنا فترات التردد طُرحت وقٌيمت وقورنت الكثير من الآراء المختلفة، لخوفنا من كونها سلاسل باهرة سوف تضل طريقها إلى جسد العربية.
 ولأن ثقافتنا كانت أقرب إلى الاندماج إذ كانت تفضل العيش والاستقرار في مساراتها التقليدية وعدا حالات قليلة كانت مشاعر التخوّف سائدة إلى حدّ كبير وهذا هو التاريخ الذي ما يزال قيد الرواية. لمَ لا نحاول؟ إن الشعر أكثر فلسفة من التاريخ ولا يوجد في أي لغة من لغات العالم شعراً أو نثراً أكثر إمتاعا من الشعر العربي لأنه أساساً يخلو من التعصّب القومي ويبحث عن النظرة الشاملة للتأمل والإبداع، فكان لابد أن نلبسها ثوباً قشيباً من الفطنة والجلاء والمعان الميسرة للترجمة بالتعاون مع قارات العالم القديم والحديث على اختلاف توجهاتهم وتباين امزجتهم وتفاوت حظوظهم من الجد والهزل ككل شيء في هذه الدنيا يحظى بالنقد والمراجعة.

الشعر جسر رابط ما بين القارات

- حين تكون الثقافة عابرة للحدود ومنافية للأيديولوجيات، تكون في خدمة الإنسان والإنسانية هل تتبنى المدرسة هذا المشروع؟
 حين تكون القضية واضحة لا تغيب عن أبسط العقول إدراكاً، يجري الماء سهلا منساباً لا يتعثر، رائقاً تبدو خلاله أدق التفاصيل،  تدفعنا إرادتنا العمياء دفعاً دائباً إلى خدمة الإنسان، فنحن نعيش أيامنا على زمن تعيره لنا الحياة، وميراثنا الوحيد الفن والأخلاق في ظلمة الوجود.

-  نظمتم يومي 16و17 أكتوبر الماض مؤتمرا أدبياً عالمياً افتراضياً، حدثنا عن الفكرة، كيف جاءت وما هي اهدافها؟
 نبعت الفكرة خلال اتصال على السوشيال ميديا بيني وبين السيدة ماريا فيرناندا فيلا رئيسة أكاديمية أبوكني للثقافة الشعبية والدولية بدولة الأروغواي وهي سيدة مثقفة ذات ميول أدبية وطموح إلى الشهرة، تبادلنا فيها الفكر والأحلام والميول والنوازع والاستعدادات التي يمكن أن تنجح مؤتمراً عالمياً افتراضياً في خضّم هذه الجائحة الصحية التي تفتك بأحلام الشعوب وحضاراتها فدعونا لمؤتمر الآداب العابر للقارات وكان يومي 16و17 أكتوبر 2020، ونجح المؤتمر بمشاركة 25 دولة من أمريكا الجنوبية الشمالية وأفريقيا وآسيا والهند وتم نقله إذاعيا على مدار اليومين على أمواج راديو دينو تاكورايم وتلفزيون ليما الأوروغواي. أما عن أهداف المؤتمر فقد حظيت بمفهوم التقارب والحفاظ على الآداب وتنمية الثقافات بين الشعوب.

- كيف كان التفاعل مع المؤتمر وما هي الخطوة المقبلة؟
 كان التفاعل جد خلاق وترك انطباعاً تجلى لدى المثقفين العرب في إقامة المؤتمر الدولي الأول بجامعة الفرات (سوريا) تحت عنوان (اللغة العربية  وتحديات العصر) شاركت فيه عدة مؤسسات اوروبية وشعراء من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية والاوروغواي والهند وتركيا ونحن الآن بصدد التعاون ورعاية مهرجان الشعر الأول العابر للقارات مع عدة جهات ثقافية من الأرجنتين وغينيا الاستوائية وساحل العاج واسبانيا تحت عنوان (أخوة الشعوب والشعر كجسر للاتحاد) وستشارك النهضة الأدبية فيه بشعراء من 7 دول 5 منها عربية هي مصر والجزائر والأردن ولبنان وسوريا وشاعرة من الهند وشاعر من تشيلي.

- تعتبر الترجمة بابا للتواصل بين ثقافات الشعوب وللمدرسة باع في هذا المجال، أين وصلتم بهذا المشروع؟
 لقد سلمنا بعدم جدوى المكابرة منذ بداياتنا في اكتوبر2015 وإلا نتورّط فيما يتورّط فيه الناس، لا نكبل أنفسنا بالتعود على أداء عمل معين عبر الخواء المتهالك فقد شاركنا في عدة كتب وانطولوجيات اوروبية  بلغت 7 كتب شارك فيها شعراء المدرسة الأدبية بالتناوب من خلال قصائد مترجمة إلي الانجليزية والإسبانية ولكن في مهرجان الشعر بالأرجنتين سوف يلقي الشعراء قصائدهم بالعربية لأول مره كنوع من الكبرياء والاعتداد بالفكر والمذهب الفلسفي العربي العظيم لدي الشعراء العرب إذ يجب ألا يتأذى الشاعر العربي من دعوة الشاعر الغربي إلا بقدر ما يتأثر الإنسان العاقل من التعود والتآلف والاندماج بـ»الريتم» الموسيقي للمعنى.

- لمدرسة النهضة الأدبية الحديثة علاقات طيبة مع أدباء وشعراء المغرب العربي عامة والجزائر خاصة، هل من مشروع مستقبلي لتوطيد هذا التواصل؟
 علاقاتنا لم تنقطع مع شعراء المغرب العربي ولدينا شعراء يمثلون المدرسة الأدبية في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب ومثلوا المدرسة الأدبية أيضاً خارج بلادهم قبل جائحة كورونا وشاركوا في مهرجان الشعر الأول بالأرجنتين.
نعم لدينا مشروعات مستقبلية بل هناك حوارات لا تنقطع بين مجلس الأمانة العامة لمدرسة النهضة الأدبية وبين بعض رؤساء الاتحادات الفرعية بالجزائر وكذا نشطاء بالثقافة والأدب من أجل صناعة مهرجان حقيقي وفعّال يطوف المحافظات الجزائرية ولكن تمّ إرجاء المشروع لما بعد جائحة كورون نظرا للتكاليف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024