الشّاعـر جمال الديـن الواحدي لـ «الشعب ويكاند»:

التّــراث الشّفـوي كنـز حقيقي غفلنـا عنــه كثـــيرا

حـوار: فاطمة الوحش

لا يمكن أن نقدّم أدبــا بـدون أن نستمـدّه مـن هويّتنـا وذاكرتنـا

 جمال الدين الواحدي شاعر من شعراء الجيل الجديد، يداعب الخيال ويتلاعب بالمفردات وينظّم القصائد بلا توقّف، حاضرٌ دوما في السّاحة الأدبية والثقافية، ودائم النّشاط منذ سنوات، مثقّف واعدٌ وحامل لرسالة، يكتب باستمرار في الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، تلامس عباراته القلوب لأنّه ينطلق في الكتابة من تجاربه مع الحياة العادية، وتزرع الحماس وتغذّي المشاعر الوطنية حين يتغنّى بالوطن والأرض.
في حواره مع «الشعب ويكاند»، تحدّث الواحدي عن بداياته مع الكتابة وتجربته مع الشعر والملاحم المسرحية، كما تطرّق لأهمية الأدب الشفوي والشعر الشعبي، وكذا علاقة الأدب بالتاريخ.

- الشعب ويكاند: متى اكتشفت موهبتك الشّعرية؟ وكيف كانت ولادة الشّاعر؟
 الشّاعر جمال الدين الواحدي: في الصبا كنت أسمعُ قصائد الآباء والأجداد على لسان العجائز والشيوخ في عائلتي ضواحي عين أزال وجبال الحامة وبوطالب، إذ يوجد الكثير من الشّعراء في الشعر الشعبي والفصيح، تعلّقت بقصائدهم ورحت أنسج على منوالها، وكانت مجرد محاولات عادية، ثم تعرضت لبعض المواقف ومررت بمحطات مريرة نغّصت تلك الطّفولة الرائعة، والمطالعة، شيئا فشيئا تعلّقت بالشّعر وقرأت للشّعراء الكبار، وتأثّرت بهم على غرار مفدي زكريا ومحمود درويش والمتنبي وإيليا أبو ماضي والشابي وغيرهم من الشعراء، صقلت موهبتي وتمرّنت على الكتابة الشّعرية، وفي المرحلة الثانوية تطوّرت كتاباتي ووجدت طريقها إلى الجرائد والصحف ثم احتككت بالمجال الأدبي في ولايتي، خاصة مع جمعية النبراس الثقافي لبلدية سطيف التي جمعتني بمثقّفين وأدباء محترمين ساعدوني على تطوير تجربتي، وشاركت في ملتقيات وطنية ومحافل أدبية كبيرة، إلى أن جمعت تجاربي الأولى في الإلياذة الصغرى، وشققت مسارات أخرى بعدها.
- الإلياذة الصّغرى تجربة شعرية تمثّل لك الكثير لا شك، ماذا تخبرنا عنها؟
 الإلياذة الصّغرى هي مجموعتي الأولى، استوحيت عنوانها من ديوان مفدي زكريا إلياذة الجزائر، إذ أنّها مستوحاة منها في الموضوع والشكل، فقد نسجت الإلياذة في بحر المتقارب تأسيا بمفدي زكريا الذي تأثرت به في البدايات، وما زلت أعتبره رمزا وطنيا وقدوة لكل الشعراء في الجزائر، كما ضمنت المجموعة قصائد وطنية أخرى نسجتها في مناسبات عديدة، الإلياذة كانت تجربتي الأولى في النشر، فزت بها في مسابقة شعرية مهمة، تأخر إصدارها كثيرا وعانيتُ لإخراجها إلى النور، لكن في النهاية تم طبعها من طرف جمعية النبراس الثقافي، وكانت تجربة ناجحة وجميلة أحتفظ معها بالعديد من الذكريات.
- لماذا استهواك الموضوع الوطني ونجد كتاباتك تميل كثيرا للتاريخ، وتسليط الضوء على الرّموز الوطنية والتاريخية؟
 كما أخبرتك سابقا، أنا أنتمي لمنطقة جنوب سطيف لعائلة تنحدر من جبال الحامة وبوطالب التاريخية التي كان لها دورٌ مهم أثناء الثورة التحريرية، نشأت في أسرة فيها الكثير من الشعراء والمجاهدين وشيوخ الدين ولها زاوية معروفة تاريخيا بأدوارها أثناء ثورة المقراني والشيخ الحداد والإخوة الرحمانيين هي زاوية الشيخ الشهيد علي بن عبد الواحد الواحدي، نشأنا على حب الوطن وحكايات شجعانه وبواسله في الحروب والمعارك الثورية، كانت حاضرة في أعراسنا ومناسباتنا وجلساتنا، لذلك تعلّقت بقراءة التاريخ والبحث في التراث الشفوي والأدبي، فانكببت على القراءة.
- تكتب كثيرا حول الشّعر الشّعبي الملحون والتراث الشّفوي، كما صرّحت مرات كثيرة بأنّك تنوي جمع أعمال شعراء شعبيّين في منطقتك، أين وصل المشروع؟
 في الحقيقة بدأت مشروع جمع النصوص منذ سنوات وكان عملا شاقا، للأسف وجدت عقبات كثيرة، لكنني جمعت الكثير من النّصوص لاسيما للشاعر والمجاهد الحاج لخضر بن محمد الواحدي رحمه الله، الذي كان مغتربا في فرنسا، والذي أعتبره واحدا من أهم روّاد الشّعر الشّعبي الملحون كون قصائده تعدّ وثيقة تاريخية بامتياز لأنّه عاش الحركة الوطنية بتفاصيلها ثم ثورة التحرير وشارك فيهما وسجن عقابا على قصائده الحماسية والداعمة للثوار. الآن أصفّف ما جمعته وأعمل على تصنيف القصائد ونشرها، للأسف لا يوجد دعم للمبادرة، ولا أخفيك سرا أنّني مستاء من عدم الاهتمام بالتراث الشفوي الذي يمثل كنزا حقيقيا غفلنا عنه كثيرا.
- كيف ترى العلاقة بين الأدب والتاريخ خصوصا في الجيل الجديد؟
 في الحقيقة لا توجد تجارب كثيرة في الكتابة التاريخية سواء في الشعر أو في الرواية خصوصا عند أدباء جيلنا الجديد الذين تستهويهم مواضيع أخرى، لكن شخصيا أرى أن من واجبي أن أتناول تاريخ وطني، وأوظف الأدب في إبراز رموزه الثقافية والدينية والتاريخية والتعريف بها، ولا يمكن أن نقدّم أدبا جزائريا دون أن نستمدّه من هويتنا الثقافية، الأدب هو وسيلة لحماية الذاكرة الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء للوطن، هناك دول استطاعت أن تصنع تاريخا فنتازيا متخيّلا من لا شيء مستغلة الصناعات السينمائية والكتابات الأدبية، واستطاعت أن تغزو العالم ثقافيا، بينما نحن لنا تاريخ ممتد منذ وجود الإنسان على هذه الأرض، فكيف لا نسوّق لثقافتنا وتاريخنا المتنوع والحافل والمضيء في مسار الإنسانية؟ لابد أن نعتد بانتمائنا لهذه الأرض، ونتمسّك بهويّتنا وثقافتنا وذاكرتنا وجذورنا.
- بدأت مؤخّرا تجربة الملاحم وشاركت فيها بنصوصك الشّعرية، ماذا تخبرنا عن هذه التجربة؟
 أحب المسرح كثيرا وكانت لي فيه محاولات، ولا شك أنّ العلاقة بين الشّعر والمسرح وطيدة، الملاحم تساهم في إيصال الشعر إلى جمهور آخر غير جمهوره وهو جمهور المسرح، ومسرحة القصائد تجربة رائعة تنقلها من الأوراق إلى الخشبة وتجعل المتلقي يعيشها صوتا وصورة، في البداية كانت لنا تجربة في المسرح الجامعي منتصف هذه السنة إذ شاركت في كتابة ملحمة «وقوف على ذاكرة بطل» التي أنتجتها مديرية النشاطات بجامعة محمد لمين دباغين بسطيف بالتعاون مع مديرية الثقافة، تقاسمت كتابتها مع زميلي سمير رابح وأخرجها الفنان الشاب والمخرج المبدع فاروق رضاونة بشكل رائع، وتمّ إنجازها بمشاركة مجموعة من الطلبة الجامعيين ومشاركة شرفية لطاقم من الفنانين والمبدعين المحترفين وتناولت سيرة المناضل والمجاهد محمد لمين دباغين رحمه الله، ثم تكررت التجربة مطلع هذا الشهر المبارك مع تجربة «خنساء الجزائر» مع نفس المخرج، والتي تتناول نضال المرأة الجزائرية عبر التاريخ، ووقوفها إلى جانب الرجل في مقاومة الاستعمار والتصدي للغزاة من الملكة تينهينان إلى لالة فاطمة نسومر فحسيبة بن بوعلي ويمينة شراد ولويزة عطوش وغيرهن من رموز الجزائر، لقد حاولت تكريم هذه الرموز النسوية شعريا مع المزج بين أشكال مختلفة من الشعر، ووفّقنا في ذلك إلى حد بعيد.
- ما هي مشاريعك المستقبلية؟ وهل ستستمر في استحضار الرّموز التاريخية والوطنية في كتاباتك؟
 حاليا أنا أطمح لإصدار مجموعة شعرية جديدة، مع إصدار بحوثي في مجال الأدب الشعبي والتراث الشفوي، والتعريف بأسماء شعرية مهمة خلّفت وراءها أدبا جزائريا حقيقيا لم يتم تناوله من قبل، كما أطمح لخوض تجارب ملحمية ومسرحية جديدة، والتعريف برموز محلية ووطنية أخرى

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024