الضغط على الاحتلال المغربي لتجسيد خطة التسوية الأممية الإفريقية
اعتبر الدكتور سيدي محمد عمار ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو، أن عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية توجد في مفترق الطرق، منتقدا تفضيل الأمم المتحدة سياسة ترك الأمور على حالها المعهود، مع صمت متواطئ مرشح أن يصعد الوضع أكثر، في غیاب الإرادة السیاسیة لدى دولة الاحتلال المغربیة وتقاعس مجلس الأمن الدولي في لعب دوره كضامن للسلم والأمن الدولیین، وطالب الدكتور سيدي محمد باستخدام جمیع الأدوات الدبلوماسیة والسلطات المخولة له، بموجب میثاق الأمم المتحدة من أجل حمل دولة الاحتلال المغربیة على الإيفاء بالتزاماتها بموجب خطة التسویة الأممیة الإفريقية، التي لا تزال الاتفاق الوحيد الذي قبله الطرفان.
- «الشعب ويكاند»: مع قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول الصحراء الغربية الذي مدد ولاية بعثة المينورسو، كيف يمكن استشراف مسار النزاع بعد استياء البوليساريو من القرار؟
الدكتور سيدي محمد عمار: أكدنا قبيل تبني مجلس الأمن لقراره الأخير رقم 2602 (2021) بخصوص تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) أن عملية السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية تقف على مفترق طرق حاسم، مما فرض على مجلس الأمن أن يختار بین خيارين، الأول هو إدراج تغییرات جوهریة في قراره الجديد واتخاذ خطوات عملية وجدية من أجل التعاطي الحازم مع الحقائق على الأرض وبالتحديد حالة الحرب الجارية في الإقليم منذ 13 نوفمبر 2020 بسبب خرق دولة الاحتلال المغربية الخطير لوقف إطلاق النار لعام 1991 والاتفاقيات العسكرية ذات الصلة، أما الخيار الثاني فقد كان هو الركون إلى سیاسة «ترك الأمور على حالها المعهود» وكأن شیئا لم یحدث، وهو السبيل الذي حذرنا منه لما سيكون له من تداعيات خطیرة على عملیة السلام برمتها وما يمكن أن يسببه من توتر وتدهور الوضع في المنطقة برمتها.
وللأسف الشديد أختار مجلس الأمن موقف التقاعس المعهود والعودة المؤسفة لسياسة «ترك الأمور على حالها المعهود»، وهو ما تجلى في نص وروح قراره الأخير الذي يعد نكسة خطيرة لكونه لم يقدم أي إجراءات عملية لأجل ضمان تنفيذ المينورسو الكامل للولاية التي أنشأت من أجلها بموجب قرار مجلس الأمن 690 (1991).
ومع هذا الموقف السلبي الجديد من مجلس الأمن، وخاصةً بعض الأعضاء المؤثرين، عبرت جبهة البوليساريو عن رفضها القاطع لمضمون وروح قرار مجلس الأمن الأخير، وأكدت على أنه لم يبقَ أمام الشعب الصحراوي، الذي راهن على خيار السلم طويلاً، أي خيار آخر سوى مواصلة وتصعيد كفاحه المسلح المشروع للدفاع عن سيادة وطنه وضمان ممارسة حقه غير القابل للتصرف وغير القابل للمساومة في تقرير المصير والاستقلال.
وهكذا، وبالرغم مما يمكن أن يقوم به المبعوث الشخصي الجديد من مجهودات لتفعيل العملية السلمية، فإن المشكل الجوهري مازال قائماً والذي یكمن في التلازم بين غیاب الإرادة السیاسیة لدى دولة الاحتلال المغربیة وتقاعس مجلس الأمن الدولي عن لعب دوره كضامن للسلم والأمن الدولیین، بما في ذلك ضمان التنفیذ الكامل لولایات بعثات السلام التي ینشئها تحت سلطته كما هو الحال مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربیة.
وبالتالي، فإن مفاتيح الحل السلمي للنزاع في الصحراء الغربية تبقى في يد مجلس الأمن الذي یظل مطالباً باستخدام جمیع الأدوات الدبلوماسیة وغیرها والسلطات المخولة له، بموجب میثاق الأمم المتحدة من أجل حمل دولة الاحتلال المغربیة على الإيفاء بالتزاماتها بموجب خطة التسویة الأممیة الافریقیة، التي لا تزال هي الاتفاق الوحيد الذي قبله الطرفان، ثم السماح بإجراء استفتاء حر وعاد للتمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال دون قيود عسكرية أو إدارية.
تصعيد وتوتر
- البوليساريو أكدت عدم وقف إطلاق النار، هل يفهم من ذلك أن النزاع يتجه للتوتر؟
بالفعل جبهة البوليساريو ذكرت في بيانها الصادر، يوم 30 أكتوبر، بأن وقف إطلاق النار لعام 1991 هو جزء لا يتجزأ من خطة التسوية المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية، وبالتالي فهو ليس غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة لتهيئة الظروف الأمنية اللازمة لإجراء استفتاء تقرير مصير شعب الصحراء الغربية.
وفي هذا الإطار، أعلنت جبهة البوليساريو بكل وضوح بأنه لن يكون هناك أي وقف لإطلاق النار جديد ما دامت دولة الاحتلال المغربية مستمرة، ومع الإفلات التام من العقاب، في محاولاتها لفرض الأمر الواقع الاستعماري بالقوة في الأراضي المحتلة من الجمهورية الصحراوية ولعرقلة استفتاء تقرير مصير شعب الصحراء الغربية. وهكذا، فإن لم يقم مجلس الأمن بلعب دوره كراعِ وضامن للسلم والأمن الدوليين والتصدي بحزم لمحاولة دولة الاحتلال المغربية تشريع احتلالها غير الشرعي لأجزاء من ترابنا الوطني فإن المنطقة ستشهد لا محالة مزيداً من التصعيد والتوتر.
^ توقعت البوليساريو فشل المبعوث الأممي الجديد للصحراء الغربية ستيفان دي مستورا بعد تبني قرار منحاز للمغرب بمجلس الأمن، ما هي أول خطوة قد يلجأ إليها المبعوث في الوقت الحالي؟
^^ تسلم المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستافان دي مستورا، مهمته رسمياً في الفاتح من هذا الشهر. ومن المنتظر أن يقوم قريباً بزيارة إلى مقر الأمم المتحدة بنيويورك للقاء المسؤولين الأمميين وممثلي طرفي النزاع، جبهة البوليساريو ودولة الاحتلال المغربية. وهكذا فستكون أول خطوة سيقوم بها المبعوث الشخصي هي التواصل مع طرفي النزاع، وسيكون ذلك فرصة لمعرفة ما ينوي القيام به من خطوات في إطار القيام بمهمته الجديدة.
ومن جانبنا، وكما هو معلوم، فقد أكدنا بالفعل على أن قرار مجلس الأمن الأخير وموقف التقاعس المؤسف الذي تبناه المجلس إزاء الوضع الخطير على الأرض قد حكم مسبقاً بالفشل على مهمة المبعوث الشخصي الجديد بنحو يقوض بشكل خطير آفاق تفعيل عملية السلام ويكرس حالة الانسداد القائم.
وفي بيانها الصادر، يوم 30 أكتوبر، ذكرت جبهة البوليساريو بقرار إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، المؤرخ 30 أكتوبر 2019.
وفي هذا الإطار، أعلنت أنها تعتزم اتخاذ خطوات عملية فما يتعلق بمشاركتها فيما يسمى «العملية السياسية»، وكذلك تواجد وعمل المراقبين العسكريين التابعين للمينورسو المنتشرين في المناطق المحررة من الجمهورية الصحراوية. أما فيما يتعلق بطبيعة هذه الخطوات العملية ووقت اتخاذها فهي أمور سيفصح عنها في الوقت المناسب.
المحتل يرتكب أعمال إجرامية
- لماذا تفادى مجلس الأمن تكليف بعثة المينورسو بمراقبة وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية؟
لقد استرعت جبهة البوليساريو وسلطات الجمهورية الصحراوية انتباه مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة مراراً وتكراراً إلى الوضع المأساوي في الأراضي الصحراوية المحتلة، لا سيما في أعقاب خرق دولة الاحتلال المغربية الخطير لوقف إطلاق النار لعام 1991 وعدوانها على التراب الصحراوي المحرر في 13 نوفمبر 2020. وإلى حد الآن مازال الوضع هناك يُنذر بالخطر بشكل متزايد بسبب الحرب الإرهابية والانتقامية التي تشنها دولة الاحتلال المغربية ضد المدنيين الصحراويين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمدونين الذين يتعرضون يومياً لفظائع يندى لها الجبين وممارسات همجية ولا إنسانية.
كما طالبت جبهة البوليساريو وسلطات الجمهورية الصحراوية مجلس الأمن مراراً أن يقوم بتضمين عنصر لمراقبة حقوق الإنسان ضمن ولاية المينورسو بهدف حماية حقوق الإنسان في الإقليم ورصدها والإبلاغ عنها بما يتماشى مع المبادئ الأساسية لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن مجلس الأمن، وبفعل الدور السلبي لبعض أعضائه المؤثرين وخاصة فرنسا، ما يزال يواصل صمته المتواطئ ويستمر في لعب دور المتفرج إزاء الأعمال الإجرامية والبشعة التي ترتكبها يومياً دولة الاحتلال المغربية ضد النشطاء الصحراويين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية.
لقد اكتفى مجلس الأمن في قراره الأخير كما في القرارات السابقة بتشجيع الطرفين على مواصلة وإيلاء أولية أكبر لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، لكنه لم يعطِ للمينورسو أي ولاية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وهو ما يجعلها استثناء مؤسفاً وغير مقبول في وقت أصبح فيه تعزيز وحماية حقوق الإنسان أولوية في جميع عمليات الأمم المتحدة للسلام.