تتلخّص مشاكل المؤسّسة الوطنية للمطبوعات الفنية في العدد الكبير من اليد العاملة، والتي كانت أجورها تشكّل في الماضي القريب عبئا كبيرا عليها، إضافة إلى ضعف المردود وغياب خطة طريق ناجعة تجعل منها مؤسسة رائدة في مجال صناعة الكتاب وقطب إشعاع ثقافي.
وضع يحاول اليوم القائمون عليها تداركه بفتح ورشات، وتسطير خطط استشرافية ومشاريع مدروسة تهدف إلى إعادة تأهيل المورد البشري والانفتاح على نشاطات أخرى، إضافة إلى استعادة بريق المؤسسة في سماء الثقافة والأدب. خارطة طريق يفصح لنا عن بعض تفاصيلها الرئيس المدير العام الاديب الشاعر والمترجم حكيم ميلود من خلال هذا الحوار.
- «الشعب ويكاند»: كيف هي أوضاع المؤسسة الوطنية للمطبوعات الفنية مع الركود الذي طالها منذ سنوات؟
رئيس مدير عام مؤسّسة المطبوعات الفنية حكيم ميلود: عانت المؤسسة الوطنية للمطبوعات الفنية في السنوات الماضية من الكثير من الصعوبات، حيث لم تكن هناك رؤية استشرافية، وهي مؤسسة لم يسعوا من قبل أن يكون لها حضور في المشهد الثقافي والسياسي، وأن تكون لها مساهمة في هذا المنحى. نحن نحاول في هذه الفترة تصحيح المسار من خلال حملة إعلامية لإعطاء رؤية أوضح للمؤسسة.
- ما هي المشاكل أو الصّعوبات التي يجب التغلب عليها لإعادة الأمور إلى مسارها الصّحيح؟
منذ أن تولينا منصب رئيس مدير عام، قمنا بدراسة الوضع ووجدنا مؤسسة تعاني من صعوبات كبيرة، وتراجع رقم أعمالها لأسباب مختلفة خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية.
إعطاء نفس جديد للمؤسّسة يتطلّب عملية شاملة تمس الكثير من القضايا، والمشكل الأساسي الذي صادفنا هو أنّ مردودية المؤسسة ضعيفة جدا تثقل كاهلها، وتعود إلى السنوات الثلاث الأخيرة، عدد الموظفين بها كبير بشكل غير طبيعي وغير مقبول بالنسبة لمؤسسة اقتصادية. هذا العدد الكبير لا يتناسب مع حجم ووضع الشركة، الأمر الذي يضعها في عجز حتى ولو كان هناك دفتر أعباء وعمل وغيرها، تبقى كتلة الأجور تستحوذ دائما على جل مداخيل المؤسسة. الأمر الذي شكّل عائقا عويصا في مسألة تنظيم المؤسسة، والأكثر من الأمور الأخرى التي تستدعي إعادة النظر في هيكلة المورد البشري.
- حدّثنا عن الخطّة المتّبعة لحل هذا المشكل العويص، وكيف يمكن توظيف الطاقات البشرية في الأماكن المناسبة وفق الكفاءة والاحتياجات؟
بنينا خطّتنا لإنقاذ المؤسسة وتصحيح الوضع على عدة نقاط، بداية هناك محاولة إعادة تنظيم المؤسسة، أو إعادة هيكلة وانتشار العمال بطريقة تكون فيها فائدة للجميع لأنه لا يمكن تسريح الموظفين.
إضافة إلى العمل على مستوى استراتيجي يتعلق بتشجيع فكرة الانفتاح على نشاطات أخرى غير تلك الخاصة بطبع الكتاب، وهي مجالات لها مردودية أكثر من مجالات الكتاب، والانفتاح أيضا على نشاط الكتاب الالكتروني، الأمر الذي يتطلب تعديلات في السجل التجاري للمؤسسة.
من جهة أخرى، نجد إلزامية أن تكون للمؤسسة القدرة على منافسة الناشرين الخواص. المشكل الكبير اليوم، بالنسبة للمؤسسات العمومية هو أنها لا تملك القدرة على منافسة الخواص، الذين ليس لهم الأعباء الموجودة لدى الشركات العمومية. أيضا الخواص لهم طريقتهم الخاصة في العمل، فهم مختلفون نوعا ما مثلا فيما يخص دفع الضرائب.
قمنا بمشروع على مستوى المؤسسة من أجل تقليص الأعباء الإضافية، ونثمّن المكاسب والإمكانيات والطاقات التي تملكها الشركة لكي تكون لها مرودية وإنتاج كبيرين. على سبيل المثال المطابع الموجودة عندنا مهمة لكن طاقتها الإنتاجية لا تزال غير مستغلة بالكامل بسب غياب مخطط أعباء، مردوديتها لا تتجاوز 30 أو 40 %، لهذا إنّنا سنشتغل على هاته الإمكانيات كي تعطي مردودا أحسن.
- ما هي الرّكائز الأخرى التي ستدعّم استراتيجية المؤسسة الوطنية للمطبوعات الفنية في مجال صناعة الكتاب؟
نسعى إلى إعادة الاعتبار لبعض الخصائص التي كانت تتميز بها المؤسسة، والتي لها علاقة بتراثها القديم لأن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية مؤسسة عريقة، خلال السنوات السابقة، كان جل الكتاب المدرسي يطبع هنا وأيضا الكتاب الوطني.
- هل هناك رؤية جديدة لتحسين الانتشار والتوزيع والإصدار بشكل عام؟
وضعنا في مجال النشر، استراتيجية جديدة نقوم من خلالها بتسجيل حضور للمؤسسة بطريقة أكبر وأوسع، وهذا سيكون عن طريق سياسة الانتشار، وخطة النشر الجديدة للمؤسسة التي سنركز من خلالها على نوعية ومحتوى الكتاب، وأيضا مرافقة الكتاب بالترويج له. كانت المؤسسة تنتج كتبا جيدة لكن دون وجود ترويج وتسويق لها، هناك عناوين مهمة ما زالت موجودة في المخازن. يقوم الاقتراح في مجال التوزيع الذي قدمناه إلى وزارة الثقافة والفنون على إطلاق وفتح سلسلة من نقاط بيع الكتاب.
كمرحلة أولى نستعمل المكتبات التابعة لوزارة الثقافة والفنون في كل مكتبة ولاية يكون لنا نقطة بيع تابعة للمؤسسة الوطنية للمطبوعات الفنية وأيضا الناشرين الجزائريين. لدينا 58 ولاية، ويمكننا بنقطة بيع واحدة في كل ولاية، أن نغطي كافة التراب الوطني، ونصل إلى اكبر عدد ممكن من القراء.
- هو رهان كبير، وهل يقتصر فقط على التّراب الوطني؟
الرّهان المقبل هو أنّ الكتاب لن يوزّع فقط في الجزائر لان مشكلتنا هي أننا ننتج كتبا لا تتخطى حدودنا، في حين الناشرون في دول أخرى تصل كتبهم إلى كل أقطار العالم.
سياستنا أن نحاول توزيع الكتاب الوطني خارج حدود الجزائر، وهذا رهان نحاول كسبه بمعية وزارة الثقافة والفنون لكي يكون لنا حضور عربي ومتوسطي على الأقل كمرحلة أولى.
نحاول أن نغيّر استراتيجية النشر من خلال إعادة تنظيم الأمور والمشاريع بالتعاون مع الوزارة.
وهناك اتفاقية في هذا الشأن ستكون بموجبها المؤسسة الوطنية ووزارة الثقافة والفنون في مسألة النشر، حيث ستكون لنا الأولوية في نشر الكتب التي تختارها الهيئة الوصية، ونحن ماضون قدما في هذا المشروع.
- وماذا عن النّشر الالكتروني؟ هل ستتوجّه المؤسّسة إلى هذا المجال الحديث؟
رهان النشر في العالم متوجه نحو الكتاب الالكتروني وإلى فضاءات أخرى، حتى نوعية الكتب التي تطبع يجب دراستها بدراسة السوق، نسعى للابتعاد عن سياسة الطبع من اجل الطبع.
سننطلق في النشر الالكتروني وبعدها إلى إنتاج الكتاب السمعي، وهو المجال الجديد الذي بدأ يعرف انتشارا في العالم.
وفي إطار النشر المشترك والانفتاح على السوق، نحن على تواصل مع العديد من دور النشر الشبابية التي تملك أفكارا ذكية ولها حضور قوي على الانترنت، ونستطيع معا تجسيد فكرة النشر المشتركة. الأفكار موجودة ونحتاج الى دعم سياسي لتجسيدها.
العمل على استعادة الكتّاب الجزائريين الكبار
- فتحتم ورشة لتحسين نوعية الكتب الأدبية والتاريخية وغيرها التي تنتجها المؤسسة، كيف سيكون التغيير؟
الاستراتيجية المتبعة الآن في هذا المجال هي محاولة استعادة الكتاب الجزائريين الكبار خاصة الكلاسيكيين من خلال الترجمة وإعادة طبع أعمالهم، وهذا يندرج في إطار الترويج للأدب والثقافة الجزائرية، وهذا ما ينقصنا اليوم في الجزائر، لأنّنا لا نحسن الترويج لفكرنا وثقافتنا وإبداعنا لأن حضورنا الثقافي قليل هناك حضور أفراد لكن حضورنا الثقافي كمؤسسات ثقافية في العالم العربي أو الغربي ضئيل جدا.
ولأنّنا لا نحسن الترويج لكتابنا ومفكرينا ولمثقفينا، حتى كتابنا الكبار المشهورين في الخارج قد روّجت لهم مؤسسات أخرى وليس نحن.
لدينا كتّاب، سنشتغل كيف يمكن اكتشاف المواهب الأدبية الكثيرة والموجودة في بلادنا ومساعدتها على الظهور، كما أن هناك كتاب جيدين لكن غير معروفين بسبب الطبعات المحدودة أو عدم توزيع كتبهم. للأسف هذا التهميش لا يمس فقط الأدباء والكتاب بل حتى الفنانين التشكيليين في شتى المجالات. دار نشر محترمة تكون لجنة قراءة من بين الفوارق المسجلة بالمؤسسة الوطنية للمطبوعات الفنية انعدام دار لجنة الكتابة.
وفي مجال الإصدار والنشر، قررنا العودة إلى السلاسل مثل سلسلة الانيس وغيرها، وهناك مشاريع لإعادة طبع مؤلفات عدد من الكتاب الكبار وترجمتها إلى العربية والامازيغية، والاهتمام أكثر بأدب الطفل والشباب، كما سنسعى إلى انتقاء الأحسن والأرقى.
إضافة إلى هذا هناك، إعادة النظر في موضوع الإصدار مع مراعاة ضمان الجودة والسعر المعقول. وستكون لنا ككل دار نشر محترمة لجنة للقراءة متكوّنة من أدباء وأساتذة كبار.
وما نحتاج إليه اليوم هو سوق للكتاب، وإلى إعادة النظر في مجال صناعة الكتاب وتقديمها حتى تكون هناك منافسة حقيقية.
- كيف ستكون العودة إلى المعارض؟ وهل من مشاريع في هذا الشأن؟
نسعى إلى العمل بطريقة براغماتية، حيت سنعود إلى تنظيم المعارض بعد تجلي الأزمة الصحية التي سببها فيروس كورونا.
إذا نجحنا في التوزيع، سننطلق بعدها في تنظيم المعارض وخاصة النشاطات الثقافية والأدبية. فالمؤسسة الوطنية للمطبوعات الفنية ليست مطبعة فقط، بل هي مؤسسة إشعاع ثقافي وبفضل الفضاءات التي نمتلكها مثل مكتبة ميديا بوك، سنعكف على برمجة سلسلة من الأنشطة الثقافية والفكرية.
كانت البداية في شهر رمضان الماضي من خلال برمجة سلسلة من المحاضرات، والآن سننتقل إلى المقاهي الأدبية والثقافية، ونشاطات أخرى تكون على علاقة بالكتاب والأدب وبالفن.
- كلمة أخيرة؟
استطعنا هذه السنة التحسين من أوضاع ونشاط المؤسسة بعد سنتين من الركود الذي خلفه تفشي فيروس كورونا وفرض الحجز الصحي، وإلغاء الكثير من المواعيد والأنشطة الثقافية. بقليل من العمل الصارم والتنظيم المحكم والمشاريع الناجعة، نقدر أن نحقّق التوازنات المطلوبة والمرغوبة على الأقل في المراحل القادمة.