يرى الدكتور «عبد الحميد فرج»، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الوادي، أن عدم تكوين المنتخبين يعتبر أحد عوامل الضعف في تسيير المجالس الشعبية، وتفعيل مساهمة الجامعات من خلال كفاءاتها العلمية أصبح ضروريا لتحقيق هذه العملية في بداية كل عهدة انتخابية. وأكد فرج في حوار مع «الشعب»، أن الانتخابات المحلية الحالية هي مواصلة لمسيرة إعادة بناء وهيكلة مؤسسات الدولة ما بعد دستور 2020، بداية من الانتخابات التشريعية، ثم المحلية المزمع إجراءها في 27 نوفمبر القادم.
«الشعب»: يجري هذه الأيام التحضير للانتخابات المسبقة للمجالس الشعبية البلدية والولائية المقررة يوم السبت 27 نوفمبر 2021، كيف ترون الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة بهذا المسار الهام؟
عبد الحميد فرج: الانتخابات المحلية هي مواصلة لمسيرة إعادة بناء وهيكلة مؤسسات الدولة ما بعد دستور 2020، بداية من الانتخابات التشريعية ثم المحلية وقبل ذلك انتخابات المحكمة الدستورية في الرابع من شهر أكتوبر، وتعتبر أيضا إقرارا للتعهدات التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال حملته الانتخابية، كما أن تراتبيّة واستمرارية إجراء الانتخابات في مواعيدها تعتبر مؤشرا مهمّا من مؤشرات الاستقرار السياسي، ناهيك عن أن الوضع الاقتصادي والتنموي يتطلب ضخ دماء جديدة وديناميكية فعالة لدفع وتيرة التنمية المحلية من خلال انتخاب كفاءات جديدة قادرة على مواكبة التحولات السياسية والاقتصادية في الجزائر والعالم، وإنتاج موارد بديلة للاقتصاد الريعي.
- انتخاب المجالس الولائية تحديدا سيمس لأول مرة الولايات الجديدة المستحدثة وسيكون أمامها تحديات كثيرة، ما هي الآليات الصحيحة التي تقترحونها لنجاح عملها؟
التقسيم الإداري الأخير يهدف لتقريب الإدارة للمواطن، والأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة تنمويا واقتصاديا، لذلك الكرة الآن في ملعب المنتخبين الجدد في هذه البلديات والولايات، وقبل ذلك في ملعب الناخبين لحسن اختيارهم لمن يمكنه دفع عجلة التنمية من خلال الإبداع باستغلال خصوصيات وقدرات وإمكانات تلك المنطقة. كما أن الدولة عليها العمل على تنسيق الجهود الوطنية وبعث استراتيجية وطنية لخلق وتوزيع مناطق الثروة وتكامل الأدوار بين الولايات والجهات من خلال إنشاء أقطاب جهوية تنموية كبرى.
- تكوين المنتخب البلدي والولائي من أبرز المسائل الغائبة في الجزائر، لماذا؟
تكوين المنتخب يبدأ أساسا قبل انتخابه بضرورة وضع شروط للترشح منها المستوى العلمي المعتبر، بل ولمَ لا وضع شرط لمن يترشح لرئاسة المجلس البلدي بحيازة تخصصات معينة حتى يتمكن من رئاسة البلدية كتخصص القانون، أو الاقتصاد، أو العلوم السياسية، حتى نضمن تكوينا قاعديا مسبقا لهؤلاء.
ثم إن الدولة حاولت، سابقا، تنظيم دورات تدريبية لرؤساء البلديات، لكنها لم تستمر بحكم التغيير المستمر في الوزراء، ما ينجر عنه تغير الرؤى والأولويات لكل وزير داخلية جديد. ليبقى الإشكال القائم عدم وجود برامج تكوينية قارة لهؤلاء المنتخبين.
لابد من المبادرة بفترات تدريبية إجبارية للمنتخبين في بداية كل عهدة انتخابية، ويمكن أن تساهم فيها الجامعات من خلال كفاءاتها العلمية.
- هل غياب التكوين المتخصص للمنتخب المحلي سبب سوء تسيير وانسداد المجالس سابقا؟
نعم، من بين أهم عوامل ضعف وسوء تسيير المجالس المنتخبة، ضعف التكوين السياسي والإداري والتنموي لأعضائها، سواء تكوينا قاعديا أو تكوينا أثناء العهدة. وكثيرا ما يصل لرئاسة البلدية أناس لا علاقة لهم بالتسيير والتنمية والإدارة المحلية، ولا يجتهدون في التكوين في تلك المجالات، مع أنه، للأمانة، التكوين ليس العامل الوحيد لضعف أداء المجالس المنتخبة.
ويرجع ضعف أداء المجالس المنتهية عهدتها إلى ما حصل بعد حراك 22 فيفري من متابعات وتحقيقات وإيداعات في السجن لعديد المسؤولين، مما كبل روح الإبداع لديهم، وعطل إمكانية الاجتهاد في تسيير الشأن المحلي والتنمية، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية عدة مرات، بل وأصدر فيه مرسوما يقضي بعدم متابعة المسؤولين على الأخطاء والاجتهادات التسييرية.
- ماذا عن صلاحيات رئيس المجلس والدور المنوط به، وكيف السبيل لتدارك أخطاء تسيير المجالس السابقة؟
البداية تكون بالهيئة الناخبة التي على عاتقها اختيار الكفاءات الأصلح لقيادة البلدية، ثم على من ينوون الترشح الترفع على استهداف المصالح الشخصية، أو الحزبية الضيقة، والنظر إلى المواطن والتنمية كمستهدف أوّل، وكأولوية قصوى خلال تأدية مهامهم، من خلال الوصول إلى توافق داخل الكتل المشكلة للمجلس.
ويتعين على الوزارة الوصية، إعادة إطلاق مشروع التكوين للمنتخبين المحليين، ناهيك عن ترك حرية الاجتهاد في إنتاج الثروة المحلية ودفع عجلة التنمية وعدم تقييدهم بالقرارات المركزية المعطلة أحيانا لروح الإبداع، والتي تخالف خصوصيات بعض المناطق.
رئيس البلدية تنتظره تحديات كبرى خلال العهدة القادمة، منها كيفية خلق موارد مالية بديلة وإضافية للبلدية، وكذا الرفع من وتيرة التنمية المحلية وتوفير الشروط الضرورية التي يحتاجها المواطن. فرئيس البلدية خلال هذه العهدة، ستوكل إليه مهمة كبيرة، وهي إرجاع هيبة البلدية كمرفق عمومي أساسي وقاعدي، وإعادة ثقة المواطن المهزوزة في هذا المرفق.
- لماذا لا نرى بلديات أنموذجية في الجزائر؟!
ببساطة، لأن نمط التسيير مركزي موجه، فكل البلديات تسير بنفس النمط ونفس الضوابط وتوضع لها تقريبا نفس الأولويات، ناهيك عن أن حرية الاجتهاد ضعيفة جدا حتى نصل إلى بلديات أنموذجية ورائدة في التنمية. فقد نجد رئيس بلدية لديه قدرات تسييرية كبيرة، لكنه مكبل بقوانين تكبح مبادراته لتحقيق وثبة تنموية كبيرة. ومع هذا، الأمل مازال قائما في وجود نية سياسية لاستحداث بلديات أنموذجية، أو على الأقل أقطاب تنموية أنموذجية ترعاها الدولة، وتسهر على متابعتها وتوفير سبل نجاحها.