مخطط تهيئة الإقليم مرجع لأيّ إستراتيجية
ما يزال العقار الصناعي بالجزائر يشكل عقبة أمام الـمقاولاتية وتطوير الاستثمار، ولأنّ الكثير من المستثمرين سواء المستفيدين منه الذين لم يستطيعوا استغلاله بسبب عديد العراقيل، أو الذين لم يحصلوا عليه بسبب عدم توفره أو ذهاب كثير منه لغير مستحقيه أو نهبه وتحويله عن وجهته الأصلية.
عملت الدولة على استرجاع مساحات كثيرة منه لتعيد ضبطه وتنظيمه بهدف منحه للمستثمرين الحقيقيين وهو ما أكد عليه مخطط عمل الحكومة الأخير الذي لم يستثنه من محاوره باعتباره أحد أهم دعائم الإنعاش الاقتصادي وأيّ استثمار ناجح إذا ما وفرت له كل شروطه، كل هذا ناقشته «الشعب» في هذا الحوار مع الخبير في العقار والهندسة المالية عبد الرحمان بن يمينة.
- «الشعب»: تملك الجزائر إمكانيات كبيرة في العقار الصناعي، إلا أن استغلالها ما يزال دون المستوى المطلوب على الرغم من كل محاولات تنظيمه، ما تقييمك للوضع ؟
عبد الرحمان بن يمينة : تتوفر الجزائر على مناطق صناعية عانت الأمرين يمكن حصرها في محورين، الأول يتعلق بالتغير المستمر للصيغة القانونية لطريقة التنازل أو عقود الامتياز للعقار الصناعي طوال سنوات والتي واجهت العديد من العراقيل، أما المحور الثاني فيتعلق بالعوائق التقنية لتهيئتها، لاسيما التموين الكهربائي غير الكافي للمناطق الراجع لعدة أسباب بينها عدم اكتمال الدراسات الأولية أو نقص مشاريع الكهرباء المسطرة بها، أو وصول المنطقة إلى درجة تشبع تفوق البرنامج المسطر لها بإضافة مصانع أو قطع أخرى لم تكن مبرمجة، ما حال دون تغطيتها بالكامل، حيث أنّ كل مستثمر بالمنطقة الصناعية مطالب بإعداد ما يسمى بـ «حوصلة طاقوية «هذه الأخيرة التي كثيرا ما تكون غير دقيقة.
وبالتالي، تداخل هذين المحورين وكل محور بعناصره يؤدي إلى اضطراب نشاط المنطقة الصناعية ومساهمتها في الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الداخلي أو التصدير، وهي نقاط في كل مرة تطرح من طرف المستثمرين كعراقيل تؤثر على الهيكلة التحتية للمشاريع وحتى على نشاطها وتحول دون ثبات أيّ سياسة اقتصادية.
الأمان القانوني
- غياب سلطة مخوّلة بمنح العقار، حال دون حصول عديد المستثمرين عليه، ممّا أعاق الحركية الاقتصادية، ما مدى صحة الطرح؟
القضية لا تكمن في من يمنح العقار، فالوكالة الوطنية للوساطة وضبط العقار»أنيراف» كان لها دورا مهما في استرجاع العقارات الفائضة عن حاجة الشركات العمومية وغيرها ووضعها كعروض لصالح المستثمرين، وبالتالي الإشكالية المطروحة ليس في السلطة المخولة بمنح العقار بل في الصيغة التي يتم منحه بها هل هي عقد تنازل، امتياز أو ملكية؟.
وأشير إلى أنّ الوزير الأول كان قد أشار إلى العمل على استرجاع 3876 قطعة أرض منها 37% عقود تنازل عنها و63% عقود امتياز، ويجب أن نعلم أن الهندسة العقارية الصناعية لا ترتكز فقط على هذا، بل في كيفية توزيع العقارات والأمان القانوني للمستثمر.
وهنا يجب الاستناد إلى المخطط الوطني لتهيئة المصادق عليه لمدة 20 سنة ويحين كل 5 سنوات،لأنه مخطط مهم جدا باعتباره يقدم إستراتيجية التهيئة الإقليمية لتحقيق التنمية المستدامة والفاعلية الاقتصادية، بهدف العمل على الاستعمال الأمثل للمجال الوطني من خلال التوزيع المحكم والملائم لسكان وللأنشطة الاقتصادية والهياكل الأساسية، وكل الهيئات القطاعية الإدارية الوزارية ملزمة به كونه حجر الأساس والبوادر الأولية التي تتيح الربط بين مختلف النشاطات التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
فتوزيع العقار الصناعي وضبطه على مساحة الجزائر يرتكز أساسا في الإستراتيجية والنموذج الاقتصادي وضبط المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، لهذا كلما اتضحت الأمور سيتم معرفة العقار المستغل من عدمه، لهذا فاسترجاع العقارات أمر مهم سواء كانت منهوبة أو غير مستغلة، لكن يجب ضبط نقطتين هامتين.
ويتعلق الأمر بضرورة تحديد العراقيل والعوائق وضبطها بـ»التفصيل الممل» ورفعها للسماح للمستثمر بالمضي في استثماره وتحريك عجلة إنتاجه وتحقيق الاكتفاء الداخلي والتوجه نحو التصدير، في المقابل، يجب تحديد هذه العقارات في منطقة واحدة والخروج من العشوائية، وهذه المناطق يمكن أن نراها بوضوح في إستراتيجية المخطط الوطني لتهيئة الإقليم.
- عديد المستثمرين يبررون عدم استغلال العقار الصناعي بالعراقيل البيروقراطية لاسيما الإدارية منها؟
قضية استرجاع العقار يقابلها معالجة كل العراقيل بالتفصيل الممل وتذليلها كما قلنا آنفا، وذلك من خلال دراستها حالة بحالة، علما أنّ هناك عوائق وطنية جهوية ومحلية من خلال أخذ كل التقديرات العملية، فمثلا لاستخراج الوثائق المطلوبة في استغلال العقار كرخصة البناء يجب أن يكون بدراسة مدى إمكانية ذلك ميدانيا وليس قانونا بمعنى الأخذ بالآجال الحقيقية التي يجد المستثمر نفسه مجبرا على الانتظار للحصول على أيّ وثيقة مطلوبة منه.
نفس الأمر بالنسبة للقروض حيث يقع على المستثمر مسؤولية الحصول على القرض، فإذا كان الوسط البنكي بالجزائر لا يسمح ولا يراعي نفس المعايير العالمية المعمول بها في هكذا استثمارات، أو المؤطرة من طرف الإدارة الجزائرية فإن هذا يعني بأن المستثمر يتأخر بكل تأكيد في الدخول في مرحلة الانجاز، ناهيك عن عائق التمويل بالكهرباء والغاز والماء الذي يمثل مشكلا آخرا.
تمثيل للمستثمرين
- تضمّن مخطط عمل الحكومة استحداث «وكالة» تسند لها كل الترتيبات من منح الـمناطق وتسيريها وتهيئتها واستحداثها، ما تعليقك على الأمر؟
المشكل ليس في الهيئة التي تتولى إدارة العقار، فالجزائر اليوم مطالبة بالخروج من التفكير الإداري للاستثمار، ولنجاح هذه الهيئة أو «الوكالة» لابد أن يكون للمستثمرين تمثيل قويّ فيها، بحيث يكون التمثيل استراتيجيا وفق المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، وهم يعملون بالضرورة على رفع كل العراقيل المطروحة في الميدان، فالمهم في هذه الوكالة أن تكون مجلسا حقيقيا يجمع بين الإدارة والمستثمرين.
أما الجانب الإداري والتنظيمي والتسهيلات الإدارية فهي من مسؤولية الدولة كمنظم وهي من تقوم بذلك، أما الجانب الاستثماري فيقوم به المستثمرون، وهنا يجب أن نعترف بأن هناك بعض المستثمرين من يحتاج إلى مرافقة خبراء بداية بدراسات الجدوى التي عادة ما تكون ضعيفة ما يساهم في بروز استثمارات بعراقيل من الداخل.
ولهذا يجب الرجوع إلى هذه «الوكالة» التي عليها أن تحرص على أن تكون هذه التوزيعات وفق المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، وهنا أذكر بأنّ الوزير الأول استعمل كلمة «المستثمر الحقيقي» والمقصود به المستثمر الذي منح له عقار في المكان المناسب وينتج المنتوج المطلوب الذي يحتاجه الاقتصاد الوطني، بمعنى مراعاة خصوصية المنطقة التي ستحتضن المشروع الاستثماري الذي يساهم في إعطاء قيمة مضافة ويساهم في بناء الإقليم المقام به وفق إستراتيجية ورؤية اقتصادية.
وبالتالي، لابدّ من مراقبة كيفية بناء الجزائر من خلال تحديد مواقع وتوزيع هذه القطع العقارية وما هي المستثمرات التي بإمكانها أن تساهم في تسيير إستراتيجية الاستيراد وليس التقليل منه، والدخول إلى المناطق الحرة، خاصة وأنه هناك عمل على الصعيد السياسي لتحرير العمل على المستوى الإفريقي، لاسيما مع الدول المجاورة للجزائر أو على طول الساحل.
- تكلمت عن دراسات جدوى ضعيفة، هل يعني هذا ضرورة الاستعانة بمكاتب دراسات أجنبية ؟
فتح الباب لمكاتب دراسات أجنبية يمكن أن يكون بالنسبة للمشاريع الكبيرة على غرار غار جبيلات مثلا وربما الذهاب إلى شراكة جزائرية - دولية، أما بالنسبة للمشاريع المحلية فيجب البحث عن الكفاءات، لأنّ المشاريع الاستثمارية التي تعتمد على العقار الصناعي لا تتضمن فقط الجانب المالي بل أيضا فيها جانب استراتيجي واقتصادي أو ما يسمى بـ»مخطط الأعمال»، كما فيها جانب عقاري قوي جدا وقليل منهم من يفقه العوائق العقارية للمشاريع التي كثيرا ما تثبط عزيمة المستثمرين بعد أن وجدوا أنفسهم تائهين في الجانب العقاري والعقود والرخص وغيرها ..، وبالتالي تضيع الفرصة على الجزائر في تشييد مثل هذه المصانع أو الاستثمارات وإنشاء قاعدة مقاولاتية قوية.
بطاقية رقمية
تضمّن المخطط أيضا إنشاء بطاقية رقمية للأملاك العقارية الصناعية، هل ستساهم الرقمنة في إزالة هذه العوائق؟
لا يناقش عاقل الرقمنة وفوائدها، لكن يجب رقمنة الإجراءات والتفاصيل التقنية الموجودة في الميدان التي تحترم فيها كل الأمور التقنية والاقتصادية والهندسية ومن المعلوم أنّ الرقمنة يقوم بها المختصون في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، والذين يحتاجون بدورهم إلى مختصين في العقار والمكاتب، حتى تكون الرقمنة عملية تلبي انشغالاتهم المستثمرين وتساهم في تجميعها بهدف إيجاد حلول ميدانية من خلال التركيز على الجزئية المتسببة في عرقلة المشروع الاستثماري، وذلك بالاستناد دائما على المخطط الوطني لتهيئة الإقليم الذي يحتاج بدوره إلى كفاءات كبرى ودراية قوية جدا، ما من شأنه أن يساهم في تحيين جرد العقار الصناعي غير الـمستغل وإدماجه ضمن العرض العقاري الـموجه للاستثمار، وتبسيط الإجراءات وترقية الاستثمار وتحسين عملية تخصيص الموارد الاقتصادية.