المختص في المالية والتحليل، د. عبد الصمد سعودي:

الإسراع في إصدار قانون الاستثمار لمرافقة برنامج الإنعاش

حوار: سعاد بوعبوش

 التحفيزات السابقة لم تؤسس لاستثمارات حقيقية منتجة

«ستارت آب” نسيج مؤسساتي للتنويع الاقتصادي

أولى مخطط عمل الحكومة لتنويع فرص الإنعاش الاقتصادي ضمن منظور الاستثمار والتنويع الأولوية لتعزيز المالية العامة وتشجيع النمو لتحسين جاذبية مناخ الاستثمار وإزالة كل العراقيل واتخاذ جملة من التدابير التنظيمية والمالية، لتصحيح اختلالات السياسات السابقة واستغلال الفاعلين الاقتصاديين، بما فيها المؤسسات المتوسطة والصغيرة والناشئة، والخروج من دائرة الاستيراد والاعتماد على المحروقات، كل هذا ناقشته “الشعب” مع الدكتور عبد الصمد سعودي المختص في المالية والتحليل الاقتصادي بجامعة المسيلة في هذا الحوار.

 «الشعب”: ما هو واقع الاستثمار ببلادنا انطلاقا من السياسات المنتهجة وهل أثرت الاختلالات التي أفرزتها السياسة المالية والنقدية السابقة على استقطاب الاستثمار؟
د.عبد الصمد سعودي: ارتباط الاقتصاد الجزائري بالمحروقات أدى إلى التركيز على الاستيراد على حساب الإنتاج المحلي، مما أفقدنا الكثير من المؤسسات الوطنية الإنتاجية لعدم قدرتها على المنافسة مع الصدمات النفطية وارتفاع فاتورة الاستيراد.
حاولت الحكومات المتعاقبة تشجيع الاستثمار وتقديم مزايا جبائية لكن، للأسف، لم تؤد إلى إرساء استثمارات حقيقية منتجة، عدا بعض الاستثمارات غير المنتجة للثروة. أما كقطاعات يمكن التنويه بنجاح الاستثمار الفلاحي في الصحراء، عكس الاستثمار الصناعي والسياحي.
وبالنسبة للسياسة المالية، احتوت أغلب قوانين المالية في الجزائر مرافقة في مجال الاستثمار من إعفاءات وتحفيزات ضريبية إلى تقديم العقار الصناعي بعقود الامتياز. كما قدمت هيئات الاستثمار العديد من التسهيلات للمستثمرين، وأدت البنوك دورا كبيرا في تمويل هذه الاستثمارات بما قدره 10387 مليار دج سنة 2020، خاصة مع غياب دور البورصة التمويلي.
وللأسف، العديد من الاستثمارات لم يتم تجسيدها ولم تحقق المبتغى والهدف من ذلك الاستفادة من العقار الصناعي، حيث تم استرجاع 3876 هكتار من العقار داخل المناطق الصناعية، والقروض المدعمة من الخزينة العمومية. كما ساهمت قاعدة 51/49 التي أسقطت في قانون المالية التكميلي 2020 في عدم جذب الاستثمارات الأجنبية التي لم تخرج عن متوسط 1 مليار دولار سنويا، وجل الاستثمارات المنجزة كانت تعمل في مجال تضخيم الفواتير للاستفادة من فارق سعر الصرف.
- هل عدم ملاءمة المناخ الاستثماري مع السياسات المتبعة وراء بقاء الاستثمار محتشما، أم غياب رؤية استشرافية واستراتيجية وراء عدم نجاح أي خطة اقتصادية؟ 
 المناخ الاستثماري هو مجموعة المزايا والحوافز المتاحة أمام المستثمرين من استقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي وتوفر القدرات التمويلية المباشرة كالبورصات وغير المباشرة كالبنوك، وبيئة الأعمال واللوجستيك والتكنولوجيا. وللأسف، كل المؤسسات التي تصدر ترتيب مناخ الاستثمار والتنافسية، تضع الجزائر في مراتب جد متأخرة (DOING BUSINESE المرتبة 157 من بين 190 دولة سنة 2020).
في المقابل، آخر قانون للاستثمار في الجزائر صدر سنة 2016. وبالرغم من التراجع عن قاعدة 51/49 إلا أنه ما تزال كل القوانين الخاصة بالاستثمار تصدر من خلال قوانين المالية العادية والتكميلية وهو ما يكلف الكثير من الجهد والوقت للإطلاع عليها من طرف المستثمرين خاصة الأجانب، ويوحي إلى عدم الاستشراف. في انتظار صدور القانون الجديد الذي تم الانتهاء منه، بحسب تصريح الوزير الأول، إذ من الضروري صدوره في أقرب الآجال لمرافقة برنامج الإنعاش الاقتصادي 2020-2024.
- لماذا لا تغري التحفيزات التشريعية، الضريبية، الإدارية والبنكية المتخذة المستثمرين، على الرغم من أنها خيار استراتيجي؟
 التحفيزات التشريعية والضريبية والتمويلية لا تعد كافية للمستثمرين، على ضوء غياب الاستقرار السياسي والتغيرات الكبيرة في منظومة القوانين والانخفاض المستمر في قيمة الدينار الجزائري بسبب سياسة التعويم.
تفعيل الشباك الوحيد لشراكات حقيقية
- تواجه الحكومة في  المرحلة المقبلة مهمة ثقيلة تتمثل في تفعيل دور الاستثمار لتحقيق التنمية بمزيد من الحوافز وتذليل العقبات. هل الآليات التي كشف عنها مخطط الحكومة، بالتزامن مع الأرقام التي قدمها الوزير الأول، كافية لتوفير فرص جديدة أمام الاستثمار المنتج؟
 يعد برنامج الإنعاش الاقتصادي أهم تحدّ أمام الحكومة، كونه يعد من برنامج رئيس الجمهورية. ومن خلال رد الوزير الأول نستخلص وجود تغيير كبير في طريقة التجسيد مقارنة بالسنوات الماضية، كون البرنامج يعتمد على قنوات جديدة في تمويله، خاصة تنشيط البورصة والتوجه إلى الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في تجسيد مشاريع التجهيزات وهو ما يساهم في رفع الضغط على الميزانية العامة للدولة ويمنح فرصة كبيرة للاستثمار الخاص، كما يراهن الوزير الأول على المالية الإسلامية من خلال إصدار الصكوك والتوجه إلى الإيجار المالي وسوق رؤوس الأموال.
وفي المقابل وعد الوزير الأول بإنشاء الشباك الوحيد للاستثمار وتفعيله سيكون بوابة لإنشاء شراكات حقيقية لمشاريع استثمارية تحقق الثروة وتنشئ مناصب شغل وتساهم في إحلال الواردات، بالإضافة إلى الصرامة في منح العقار الصناعي وإطلاق بوابة خاصة بالصفقات لإضفاء مزيد من الشفافية على مثل هذه التعاملات.
- ما يزال مستوى الاستثمار الخاص ضعيفا، ما هي الأسباب وهل يتعين فتح مجالات وآفاق أخرى من أجل تنشيطه على أن تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الوطني؟ 
اعتماد رئيس الجمهورية على المؤسسات الناشئة لإنشاء نسيج مؤسساتي جديد يساهم في التنويع الاقتصادي خارج المحروقات، يتطلب تفعيل صندوق تمويل المؤسسات المعلن عنه مؤخرا، ناهيك عن منح الأولوية في الصفقات والمشاريع، كما يعد جذب الاستثمار الأجنبي آلية مهمة في اكتساب التكنولوجيا ونقلها للمؤسسات المحلية.
- يقع على الجماعات المحلية مسؤولية كبيرة في دعم الاستثمار، كيف يمكن تفعيل دورها وما هي القطاعات التي يمكن الانطلاق منها، أم أن خصوصية كل منطقة تطرح خياراتها؟
نتمنى أن تفرز الانتخابات المحلية المقبلة طبقة سياسية تتميز بنكهة اقتصادية، لأن ميزانية 1541 بلدية و58 ولاية أصبحت عبئا على ميزانية الدولة وهذا الأمر يتطلب أفكارا جديدة ومسيرين خلاّقين ومنتجين للثروة، خاصة أن أملاك الجماعات المحلية كبيرة ويمكن استغلالها من خلال تفعيلها أو الدخول في شراكات مع القطاع الخاص وهذا ما وعد به الوزير الأول من خلال مراجعة قانون الجماعات المحلية في شهر أكتوبر المقبل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024