الصمت الإعلامـي علـى التنظيمـات الإرهابيـة أحسـن حلّ
السياسيــون مطالبـون بخطـاب مـوزون بعيـدا عن العنـــف
استعاد رئيس الجمعية الجزائرية للزوايا والثقافة الصوفية الشيخ مشوط نور الدين بكثير من الألم والأسى الحرائق الأخيرة التي عرفتها العديد من ولايات الوطن والنتائج الوخيمة التي أفرزتها خاصة بعد حادثة اغتيال «جمال بن سماعيل»، مستحضرا صور التضامن والتلاحم التي صنعها الجزائريون والتي يبدو أنها لم تعجب الكثيرين من أعداء الجزائر والمتربصين بها ووجهوا لهم صفعة ملقنين إيّاهم درسا في الوحدة الوطنية رغم محاولات إشعال الفتنة التي حرص والد الشهيد على وأدها في مهدها، وهو ما ناقشناه معه في حوار لـ «الشعب ويكاند».
«الشعب»: عرفت عديد الولايات بالجزائر سلسلة حرائق أتت على الأخضر واليابس وكانت لها تبعات أخرى تعدت الغطاء النباتي والحيوان سيما بمنطقة تيزي وزو، ما موقفكم مما جرى وما هي قراءتكم لما حدث؟
مشوط نور الدين: بداية نترحم على كل شهداء الحرائق الأخيرة من رجال ونساء مواطنين مدنيين وأفراد الجيش الوطني الشعبي والدرك والمطافئ، وأحيطكم علما أن أول ضحية لهذه الحرائق كانت شابة في الـ27 سنة ربيعا بـ»بني يني» استشهدت بعد أن استطاعت إنقاذ الكثير من النساء والأطفال.
وتعتبر هذه الحرائق جحيما حقيقيا عاشه الجزائريون بهذه المناطق حوّلت حياتهم في ظرف ساعات إلى جهنّم لا يتصور أو يعاش في الحياة، ما يؤكد أن بلادنا مستهدفة في مواقفها السياسية، مكانتها الدولية وفي مكوناتها الاجتماعية، ولهذا أقول كل الجزائر مستهدفة ولم يعد الأمر يقتصر على منطقة القبائل أو منطقة أخرى.
«أعطى الجزائريون درسا في التضامن وأجهضوا دعوات التفرقة»
- الهبة التضامنية للمواطنين تجاه المتضررين سيما بولاية تيزي وزو كشفت عن وجه آخر للشعب الجزائري وكذّبت كل الادعاءات المروّجة للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ما تعليقك؟
مخططاتهم أرادوا بها تهديمنا وتدميرنا لكنها ساهمت في بناءنا من جديد في عز الأزمة، وما حدث من تضامن سمح بتغيير ذهنيات العديد من المتعصبين لما رأوا من مظاهر التضامن والتآزر والتلاحم، حيث حضرت وتواجدت كل الولايات في تيزي وزو في مشهد تضامني تلاحمي لا يمكن وصفه، ولم يترك أبناء الشعب الجزائري إخوانهم في تيزي وزو وحدهم في مواجهة محنتهم، بل حضروا وحضر معهم الخير كلّه، الاتصالات بكل الوسائل لم تتوقف ولم نشعر أبدا أننا وحدنا فالكثير منهم جاء بالمعونات ليجد نفسه في مواجهة مع النيران ويحاول المساهمة في إطفائها بالوسائل المتاحة.
للأسف الشيء الوحيد الذي نتأسف له ويندى له الجبين هي الحادثة التي أودت بحياة الشاب جمال القادم من مدينة مليانة وهو شهيد عند الله هذه الجريمة التي لا يمكن أن تخرج عن «المؤامرة» ضد الجزائر، التي شاركت فيها أطراف عديدة وتورّط فيها من يفترض أن يراعي حق الجيرة والانتماء الواحد، لكن للأسف يتأكد للجزائر في كل مرّة أنه ليس لها جيران من الجهة الغربية، خاصة بنظام المخزن الحالي، الذي يدرك أنه ليس له القدرة على المواجهة المباشرة مع بلادنا فلجأ إلى مثل هذه الأساليب آخرها اللجوء إلى التعامل مع الكيان الصهيوني من خلال التطبيع.
ولعلّ هذا ليس بغريب عن نظام المخزن فطعناته للجزائر كانت متتالية على مرّ السنين والتاريخ يشهد على ذلك ولعلّ تورطه في حادثة اختطاف طائرة قادة الثورة الجزائرية خير دليل على ذلك، إلى جانب ما فعلته المغرب غداة الاستقلال بعدما خرجت الجزائر من حرب فريدة من نوعها مع خامس قوة عسكرية في العالم، حيث تم اغتنام الفرصة للاعتداء على بعض حدودنا، ما حتّم على الجزائريين ترك النزاعات الداخلية والالتفات لمواجهة العدو المغربي آنذاك، وهاهي اليوم تستعين بالصهاينة من أجل ضرب استقرار الجزائر، وما نقوله في هذا الخصوص: «إذا كان للكعبة رب يحميها. فهو ذلك الرب نفسه من سيحمي أرض الصالحين والشهداء»، وكلما زادت هذه المؤامرات ستتحول الوحدة بين الجزائريين إلى اسمنت حقيقي في مواجهتها.
وأتمنى، في هذا السياق، أن يكون السياسيون في مستوى عظمة الشعب الجزائري ويضعوا الجزائر فوق أيّ حسابات شخصية أو اعتبار وعدم المتاجرة بالقضايا الوطنية، كما أنهم مطالبون بتقديم خطاب سياسي موزون بعيدا عن العنف والكراهية، والوعي بأن الاختلاف نعمة وليس نقمة وعدم السماح بالتلاعب بمستقبل الأجيال المقبلة فالجزائر ملك للجميع باختلاف ألسنتنا.
وعدم الخروج عن طريق الله الذي قال» وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» ولنا في صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام نماذج كثيرة فمؤذن النبي حبشي، وسلمان فارسي وغيرهم كثيرون.
لهذا تعمل الزوايا المنخرطة في هذه الجمعيات للتصدي والعمل بالمرصاد ضد كل ما من شأنه المساس بالوحدة الوطنية، فالجزائر قبل كل شيء وإن استدعى الأمر حمل السلاح مجددا للدفاع عنها فسنفعل ولو في أرذل العمر مثلما فعلنا في وقت الإرهاب.
« نرفض أيّ مساس بسلطان القانون»
- هناك بعض الأطراف طالبت بمحاكمة الأفراد المتورطين في قضية اغتيال الشاب جمال طبقا لأحكام حقوق الإنسان العالمية وليس وفقا لأحكام قانون العقوبات الجزائري؟
^^ مثلما نرفض ونحرّم على أنفسنا التدخل في شؤون الآخرين ونحترم سيادة الدول، فإننا في المقابل نرفض التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر وكل ما من شأنه المساس بسيادتها وبسلطان قانونها ولن نقبل بفتح الباب على مصراعيه من أجل ذلك فمليون ونصف المليون شهيد لم يسقطوا مجانا بل من أجل استقلال الجزائر وبسط سيادتها على كل شيء بما في ذلك سيادة القرار ولا يمكن السماح لأي أحد من الضفة الأخرى وتحديدا من باريس أو لندن أن يأتي ليدلي برأيه في شؤوننا وقضايانا الداخلية، وبالتالي لدينا عدالة هي التي ستسهر وستكفل عدم ذهاب دم الشهيد جمال هباء منثورا ومن ارتكب الجريمة أو شارك فيها لابد أن يعاقب.
وبهذا المقام أوجه دعوة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي التوقف عن نشر فيديوهات الجريمة التي تذكر في كل مرة بعملية الاغتيال الشنعاء احتراما لعائلته المجروحة في فقده، كما أنه لا فائدة سوى تأجيج مشاعر السخط والكراهية بين أبناء الوطن الواحد والتي لن يكون لها فائدة سوى نشر الفتنة وإبقاء نارها مشتعلة.
اليوم، يجب تجاوز هذه الكوارث والعمل على العودة للحوار والتواصل بين الجزائريين فعلينا أن ندرك أن «الفتنة أشد من القتل» ولا يجب الوقوع في فخ الفتنة، علينا العمل بالتصدي لكل من يريد المساس باستقرار الجزائر ومعالجة المشاكل الداخلية.
- رغم النتائج الوخيمة للحرائق وتبعاتها سيما على المواطنين، إلا أن صوت العقل لم يغب ودعوات التمسك بالوحدة الوطنية انتشرت في كل المنابر خوفا من أيّ انزلاق، هل تعتقد أن الجزائر استطاعت احتواء الوضع؟.
الوحدة الوطنية ممارسة يومية وليست مناسباتية يجب أن يكون منطلق أنها خط أحمر وعقيدة والجزائريون لقنونا عدة دروس في الوطنية في عدة مناسبات ما يدل على التماسك الاجتماعي بهذه الوحدة رغم الاختلاف في طريقة حب الجزائر، كما أن الدم الجزائري اختلط ببعضه البعض وأزال كل الفوارق فلا يجب من اليوم وصاعدا الحديث عن الانتماء العرقي أو القبائلي وتحضرني هنا أبيات للفنان الأمازيغي آيت منقلات لوناس « هذي أرضي وليس لي غيرها.. أين تريدون مني أن أذهب».
وفي هذا السياق، أوجّه دعوة لبعض السياسيين بأن يكفوا عن المتاجرة بالمقومات الوطنية لأن ذلك سيجرّنا إلى أمور لا تحمد عقباها، كما أنه يتعين تطبيق العدالة على الجميع للحفاظ على الوحدة الوطنية، كما يجب مراجعة الكثير من الأمور ابتداء من المدرسة الجزائرية، والاعتراف بأخطائنا والحرص على تصحيحها وإعطاء كل ذي حق حقه حتى نكون على السكة الصحيحة.
في المقابل، تسليم الراية للشباب أصبح أكثر من ضرورة، فالجامعة الجزائرية خرّجت الكثير من الكفاءات والإطارات بمستوى عال جدا والعقل يقول بالأخذ بها والاستفادة منها لأنها الأقدر على مجابهة المستجدات، وقد أكدوا في الأزمات أنهم قادرين على الانخراط في أي مشروع وطني في عز الأزمات من أجل قيادة الجزائر إلى بر الأمان.
«ندعو لتكريم خاص ووسام وطني لوالد الشهيد»جمال»
- كيف ترى ردّة فعل والد الشهيد جمال بن سماعيل ومساهمته في إخماد الفتنة؟
موقفه لا يمكن أن يوضع في أي ميزان غير ميزان العظماء، ترجم صوت الرجل العاقل ورباطة الجأش فكان رمزا للرجولة التي أطفأت الفتنة في مهدها في عز الأزمة، وغلق الباب أمام المغرورين والمشوشين ومن حاول الاستثمار في الحادثة وأفشل محاولة ضرب استقرار الجزائر، لكن تعقله وإدراكه لمآلات ذلك حتّى يخرج للجزائريين في عز ألم فقد فلذة كبده يصنفه في صف الرجال الكبار.
أتمنى أن يحظى هذا الرجل العظيم بتكريم خاص ووسام وطني من طرف رئيس الجمهورية لأن خرجته وموقفه غلبّت مصلحة الجزائر قبل كل شيء وحقن بها دماء الجزائريين وأنقذ البلاد من انزلاق أمني خطير في عدة مناطق.
- التحقيقات الأولية أثبتت تورط منظمتين ارهابيتين، ما تعليقك ؟
للأسف منظمة «الماك» توسّعت نتيجة تراخي العصابة السابقة التي ساهمت في صنعها ونحن ضدّها ونحاربها ونتصدى لها، ولكن اليوم يجب أن نتبنى نفس الإستراتيجية التي تم التعامل معها في وقت سابق مع الإرهاب وعملياته ضد المواطنين وأفراد الجيش الوطني الشعبي من خلال ما يسمى بـ « الصمت الإعلامي» ولا نعطي هذه الحركة دعاية مجانية وحجما أكبر مما تستحقه.
وعلى وسائل الاعلام أن تنتبه بأن دورها سلاح ذو حدين لهذا يتعين الرقي في خطابها الاتصالي للقارئ أو المتلقي للرسالة الإعلامية والحرص على التواصل الحقيقي بين الجزائريين وعلى الصعيد المؤسساتي فالجزائر اليوم بحاجة إلى إطفاء الفتنة لا إشعالها.
إنّ الجزائر بلاد الصالحين والشهداء وهي أمانة في أعناقنا وأبنائها أولى بحمايتها فلابد من الاتحاد مهما كانت الظروف والخلافات والمشاكل الداخلية، والالتفاف حول القيادة وعدم ترك المجال أمام محاولات المساس بكرامة الجزائري وسيادة دولته ووحدة التراب الوطني الذي دفعنا من أجله الغالي والنفيس، ولابد من التحلي باليقظة ضد كل ما يحاك حولنا.