الخبير الاقتصادي فريد بن يحي لـ «الشعب»:

الخبير الاقتصادي فريد بن يحي لـ «الشعب»:

حوار: سعاد بوعبوش

 

- آثار اقتصادية وخيمــة ترهن مستقبل قطاعات ومهن عديدة
- الذكــــاء الاصطنـــــاعــــي ونمط تسيير عمليـــاتي هــــو الحـــل

تكشف الأزمات التي تمر بها الجزائر في كل مرة، غياب الاستشراف ورسم الاستراتيجيات والتخطيط للمستقبل لمواجهة الطوارئ والأخطار الكبرى، ما يجعلها تواجه نتائج وخيمة مادية وحتى بشرية في كثير من الأحيان. وما الحرائق الأخيرة التي أتت على الأخضر واليابس إلا نموذجا حيا عن ذلك، بل وتسببت في نسف 55% من غطائها النباتي، بحسب تقرير لوكالة ناسا، ما يقودنا للحديث عن أبعاد هذه الحرائق وآثارها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، كل هذا يتطرق إليه الخبير الاقتصادي فريد بن يحي في حواره لـ «الشعب».



الشعب: ما هي قراءتك الأولية لهذه الحرائق وأبعادها؟
فريد بن يحي: تمثل الحرائق المفتعلة بسبب الإنسان في كثير من الدول، سيما الأوروبية منها، ما نسبته 10 إلى 15٪، أما الطبيعة فتكون أكثر. في حين هناك حرائق تكون بهدف زعزعة أمن مناطق أو ضرب اقتصاديات دول وصنع أزمات، وحرائق الجزائر الأخيرة تندرج في هذا الإطار، بحيث تم تكييفها في خانة الأعمال الإجرامية المفتعلة من طرف مجموعات يرجح أن تكون جزائرية وأجنبية معا، وفق تخطيط محكم.
ولعل تضرر المناطق الرطبة بالجزائر من بينها ولاية الطارف، يؤكد استعمال تقنيات جديدة في إشعال النيران وهندستها من خلال دراسة درجة الرطوبة وسرعة الرياح ونوعها في هذا الوقت وكذا طبيعة تضاريس الجزائر، خاصة وأن بعض الدراسات تؤكد إمكانية استعمال مواد كيميائية تشتعل بمجرد ارتفاع درجات الحرارة وتساهم في صنع ما يسمى بـ «العواصف النارية» التي تنطلق من منطقة إلى أخرى تسير بأنظمة جد متطورة في ظل غياب الرقابة واتخاذ التدابير الاحترازية ولعل ما حدث في غابة زبربر بالبليدة أحسن مثال عن ذلك.
ما تقييمك للخسائر التي تسببت فيها هذه الحرائق وما هي آثارها على المدى البعيد؟
- حجم الخسائر سيتم الإعلان عنها لاحقا، لكن مما لا شك فيه تسببت حرائق الغابات اقتصاديا في خسارة الملايير من الدولارات، خاصة وأنها تمس الكثير من القطاعات والصناعات، بداية بالفلاحة لما لها من أثر كبير على الأشجار المثمرة كالزيتون، الرمان، التفاح، البلوط وغيرها، ناهيك عن تربية النحل.
كما تسببت الحرائق في ضياع التراث الغابي الوطني ونسف جهود إعادة بعث مشروع السد الأخضر وما يتبعها من صناعة الخشب من الفلين، واختفاء الكثير من الورشات التي تقام على مستوى الغابات، خاصة بعض المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي تعتمد في موادها الأولية على المنتوج الغابي، كالصناعات التقليدية والعطرية ومواد التجميل الطبيعية، ناهيك عن تضرر السياحة الجبلية، كل هذه الآثار السلبية سيتبعها بالضرورة اختفاء الكثير من المهن في مقدمتها تضرر نشاط التجار والحرفيين والفلاحين بهذه المناطق.
 أما على الصعيد الاجتماعي، فالمجموعات السكانية التي اختارت الجبال والغابات للحياة، أكيد ستعاني الكثير من المشاكل، باعتبارهم الضحية الأولى، من بينها تجويع الكثير من العائلات وتفقيرهم، خاصة وأن الغابة تمثل مصدر رزقهم الوحيد ولأنعامهم.
 كما من شأن هذا الوضع إجبار سكان هذه المناطق على النزوح إلى المدن أو مناطق أقرب منها بحثا عن لقمة العيش وهربا من الجحيم الذي عاشوه، ما سينجر عنه عدة مشاكل، من بينها اختلال التوزيع السكاني بهذه المناطق وبروز مناطق ظل أخرى، ومشاكل اجتماعية وحتى أمنية كالجريمة بسبب البطالة ما سيزيد من عبء الدولة التي يتعين عليها المحافظة على حس المواطنة المنتجة للثروة لدى سكان هذه المناطق.
لماذا كانت نتائج الحرائق وخيمة، هل يتعلق الأمر بعنصر المفاجأة، أم أن طريقة تسييرنا للمخاطر الكبرى تجاوزها الزمن؟
- تراكم الأزمات، يؤكد، للأسف، في كل مرة، عدم قدرتنا على مواجهة التهديدات ووضع خطط دفاعية والتكفل بالمناطق المنكوبة أو المتضررة، سيما لدى حدوث ما يسمى بالأخطار الكبرى، كالزلازل ،الفيضانات، الرياح، الحرائق، الظواهر القاهرة والمتطرفة... فالجزائر ما تزال تعتمد في تسيير الأزمات على التحرك أثناء وقوع الصدمة، في حين أنه من المفترض أن يتم العمل بالوقاية والتي تعني الجاهزية والابتكار في التخطيط.
وهو أمر لا يقتصر فقط على الحرائق، بل في كل المجالات وهي من النقاط السوداء في تسيير الأزمات، للأسف، ما يتطلب نمطا جديدا في التسيير يعتمد على الذكاء الاصطناعي. هذه الأمور كلها تسير بخطط واستراتيجيات والتي تستوجب الكثير من الإجراءات الاستعجالية تعتمد بالأساس على الطرق التقنية الحديثة، سيما الأقمار الصناعية.
وعليه، حان الوقت لندرك أن الدراسات الاستشرافية وإجراء التنبؤات المستقبلية ضرورة في كل المجالات، سيما في مجال الأزمات والكوارث والطوارئ، خاصة وأن جهود التخطيط والتطوير التنظيمي ترتكز عليها، وتترجم رؤية القيادة، ما من شأنه إنتاج استجابة استراتيجية للمواقف الحرجة التي تحتاج إلى كفاءات مؤهلة علميا وتقنيا قادرة على التعامل مع المخاطر والتحديات المستقبلية لتخفيف الخسائر.
وعند الحديث عن التخطيط، فالأمر يقودنا إلى الحديث عن أجهزة تسيير الأزمة التي تتطلب قدرات علمية وتقنية أيضا للخروج منها، بعيدا عن التسيير الإداري المحض. فالعالم تجاوز هذه الطرق البدائية والتي تمثل الأخطاء الكبرى في التسيير بالجزائر، وأصبحت التكنولوجيا والرقمنة أهم مفاتيح الحلول للكثير من الأزمات.
ما هو الدرس الذي ينبغي الاستفادة منه، وما الذي يجب القيام به لرسم مشهد آخر يعيد الوضع إلى السكة؟
- يمكن الحديث عن تسيير عملياتي من دون الذكاء الاصطناعي والتخطيط المسبق والمحكم ووضع الاستراتيجيات، خاصة على مستوى القيادات. فالكفاءات الحالية تفتقد إلى هذه الإمكانات والرؤية الاستشرافية.
 لابد من فسح المجال أمام مجموعة الكفاءات القادرة على ابتكار الحلول المتكيفة مع الأوضاع والأزمات والخروج من مركزية المسؤولية، بل فسح المجال أمام حرية الكفاءات التي تتمتع بذكاء عال وخارق في التسيير في اتخاذ القرارات وفقا لما تراه مناسبا، انطلاقا من الإطار العام المتمثل في خارطة الطريق، فالكفاءة تجلب الكفاءة بالضرورة وهنا يكون الإبداع وابتكار الحلول.
وأمام هذا الوضع، يتعين على الدولة الجزائرية وصناع القرار تحيين إدارتهم للأزمات والخروج بنمط تسيير جديد بعيدا عن العشوائية، تقوم على وضع وزارة للتخطيط والاستشراف، ووزارة اقتصاد اللتين تجسّدان التسيير العملياتي، تستغل فيها الذكاء البشري للكفاءات المتوفرة وترسم الخطط والاستراتيجيات للمستقبل انطلاقا من الإمكانات الوطنية وما يتماشى معها ويراعي خصوصيتها، ما سيغير ويؤهل الإنسان الجزائري، والبداية تكون بالاعتراف بالأخطاء المرتكبة والعمل على تجاوزها والاستفادة من الدروس.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024