منطقة الساحل الإفريقي مقبلة على تحديات كبيرة
يرى الباحث في الدراسات الإفريقية بالمدرسة العليا للعلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، سالم قرش، أن قرار فرنسا بالانسحاب من مالي جاء بعد فشل القضاء على الجماعات المسلحة، ونتيجة تزايد ضغوط داخلية رافضة لسياسة باريس في المنطقة، وأكد الأستاذ في حوار مع «الشعب ويكاند» أن منطقة الساحل الإفريقي مقبلة على تحديات أمنية، رغم آمال بنجاح المرحلة الانتقالية في مالي.
«الشعب ويكاند»: كيف يمكن قراءة قرار الانسحاب الفرنسي العسكري من مالي، ومنطقة الساحل الأفريقي؟
سالم قرش: بداية لا شكّ في أن قرار الانسحاب جاء بعد ترتيبات تمّ التوافق بشأنها بين الدول المعنية بالحرب، كما أن الانسحاب لم يتمّ بعد ويمكن أن يدخل ذلك ضمن تكتيك مدروس لقراءة ما قد ينجر عنه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وإمكانية استيلاء طالبان على الحكم مجددا، وما قد يشكله ذلك من تأثير في قرار القيادات الإرهابية بشأن مسرح العمليات القادم ضمن لعبة دولية لها أهداف عاجلة.
ربما جاء هذا القرار ضمن سياقاتها، كما أن قرار الانسحاب جاء بعد أن استنفذ شروط بقائه وفشله في القضاء على التواجد الإرهابي والجماعات المسلحة الأخرى، فضلا عن التكاليف المرتفعة للتواجد العسكري على الأرض يوما بعد آخر، علاوة على ضغط المنظمات وجمعيات المجتمع المدني التي ألبت الرأي العام الفرنسي ضد الحكومة في اتجاه اتخاذ موقف انسحاب أو تقليص أعداد العناصر العاملة والبحث عن مسارات بديلة، ومن جهة أخرى كان لفشل المقاربة الأمنية الفرنسية وتسجيل خروقات للعناصر العاملة والتي تسببت في مقتل بعض المدنيين في مالي تأجيج الغضب الشعبي للسكان المحليين يطالبون بعدم إفلات «برخان» من العقاب.
- إلى أين تتجه الأوضاع السياسية والأمنية في مالي في ظل المرحلة الانتقالية؟
الأوضاع المتأزمة ليست في مالي وحدها، تقريبا كل دول الساحل ملتهبة، كما أنها أيضا ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة إفرازات لفشل عملية بناء الدولة الوطنية، والذي لا زالت تداعياته تلقي بظلالها على سلوك النظام السياسي وعلى أداء مؤسساته المرتبكة في التعاطي مع الأحداث، وتمنح للقوى المعارضة الوقت للتوسّع وربط تحالفات جديدة عبر تجنيد أكبر عدد من شباب القبائل في الشمال خاصة الرافضة للسلطة في باماكو، وللتواجد الفرنسي في البلاد، وتلويحها بتهديد مصالح القوى الكبرى والشركات العاملة باستهداف تواجدها عسكريا ببعض العمليات الهجومية لثكناتها أو ممثلياتها الدبلوماسية، أضف لذلك انتشار الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وفرض منطقها ضمن أي تسوية مستقبلية. وبالتالي فما يحدث اليوم هو محاولة من كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لفرض حلولها عبر تسويات سرعان ما يتبين أن تجسيدها واقعيا يستلزم جهدا أمميا سرعان ما يصطدم بفتور من قوى مضادة ترى في أن حالة اللاستقرار بالمنطقة تخدمها، فتقوم إما بتعليق ذلك المسار، أو تجميده، وهو إقرار بفشل الإستراتيجية الدولية، والتي للأسف، لن تتحمل أعبائها سوى الشعوب المتواجدة بالمنطقة.
- ما هو مستقبل مالي في ظلّ الظروف التي ذكرتها؟
الانقلاب العسكري في مالي جاء في وقت جدّ حسّاس والبلاد تمرّ بظروف داخلية ميزها الإعلان عن التوصّل إلى توافقات على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فبراير ومارس 2022، على أن يسبقها استفتاء على الدستور في أكتوبر 2021، في إنهاء للمدة الانتقالية، والتي خالف فيها العسكر كل التطمينات التي قدموها سابقا لمبعوثي الهيئات الإقليمية والأممية بخصوص هذا المسار وهو ما ينم ربما على عدم رضا العسكر واستيائهم من عمل الحكومة الانتقالية والتي قد تكون تراجعت عن تطمينات قدموها لعناصر الانقلاب حول عدم ملاحقتهم قانونيا ضمن ديباجة الدستور المقدمة والتي اعتبرها الجيش بمثابة تراجع قد تكون وراءه أطراف خارجية تعمل على التشكيك في عمل السلطة الانتقالية عبر الترويج لإمكانية ولائها لقوى خارجية تعمل ضد مصالح مالي، ولذلك سيستمر الشعب المالي في تقديم التضحيات وسط صمت المؤسسات الدولية وعدم معاقبة ترسانته القانونية للتجاوزات الحاصلة، وهو ما يجر البلاد نحو المجهول.
- ما هو مستقبل الأمن في الساحل الأفريقي؟
من المتوقّع تزايد التهديدات الأمنية واتساعها في إقليم الساحل الأفريقي، لتتكوّن قاعدة جديدة للعمليات الإرهابية مع استمرار التدخلات الخارجية في منطقة الساحل من جانب قوى متعدّدة، لذلك، يمكن رصد جملة تحديات في منطقة الساحل أولها هو الحفاظ على الدولة الوطنية في مثل هذه الظروف غير المساعدة لذلك فحالة الهشاشة التي تعانيها الدولة الوطنية في إفريقيا والتي ترتبط بالفشل في تحقيق الاستقرار السياسي يمكنها أن تتطوّر نحو الفشل والانهيار (حالة الصومال)، وهناك الإرهاب كتحد ثان لا زال ينخر جسم دول الساحل لوجود مناخ مساعد له، تحد آخر ما زال يزحف وسط إهمال الحكومات وضعف مواردها وبات يشكّل أحد أكبر المخاطر في ظل غياب رؤى لنخب وطنية تسهم في إيجاد حلول له ألا وهي ظاهرة التصّحر وما يرتبط بها من خطط التنمية وتأثيرها السلبي على قدرات الدولة الاقتصادية وكأحد أهم التهديدات التي تشهدها دول الساحل والصحراء.
- وكيف ترون آفاق النفوذ الفرنسي في الساحل الأفريقي؟
تنظر فرنسا إلى منطقة الساحل كمنطقة نفوذ تقليدية لها نظرا لماضيها الاستعماري هناك وولاء النظم السياسية، وتعدّ المنطقة سوقا واسعة للصادرات الفرنسية من صناعات ومواد زراعية وأسلحة تسوّقها للأنظمة الموالية لها وتسهل لها عملية اقتنائها، وهي أيضا مصدرا مهما للحصول على الموارد والثروات الطبيعية، خاصة أن المنطقة قد أضحت إحدى مناطق التزود بالطاقة، سيما النفط والغاز واليورانيوم. كل هذا يصبّ في صالح التواجد الفرنسي في المنطقة.. غير أن تزايد التنافس بين القوى الكبرى والحديث هنا عن تواجد أمني واقتصادي روسي أزعج الفرنسيين خاصة بعد فشلهم في تحقيق مبتغاهم من خلال العمليات العسكرية ومواجهة الجماعات الإرهابية لعقد من الزمن تقريبا وصعود العداء في بعض الدول (الاحتجاج الشعبي في مالي ضد تواجدهم) قد يقوض من مكانتها ويجعلها أمام إعادة مراجعة لسياساتها وتحسين لصورتها.