قدّمت المبدعة نوال لسلوس مشاركة مميزة، خلال فعاليات اليوم الوطني للسياحة الذي نظّم بحديقة المرابطين بولاية تقرت، جمعت في لوحات وأعمال فنية بين فن تزيين الورود وفن الديكور وكان لنا معها حوار، حول تزاوج هذه الفنون في قالب واحد، سواء في بعده الفني وجدواه الاقتصادية، في استحداث مصادر دخل للعديد من الشباب.
- «الشعب ويكاند»: مسيرة المبدعة نوال لسلوس في هذا المجال، كيف انطلقت؟
نوال لسلوس: مسيرتي بدأت منذ الصغر مع والدي أطال الله عمره الذي كان يمارس الخط العربي والرسم على الزجاج ويصنع منها لوحات في قمة الروعة، فكنت أحاول القيام بأعمال فنية مصغرة تقليد أعماله الكبيرة.
ومنذ صغري كان لي ذوق في الألوان واختيار ما يناسبني منها وبعد نجاحي في شهادة البكالوريا، وجهت لجامعة الحقوق ببن عكنون، لكني لم أتم دراستي هناك بحكم ميولي الفنية وبحكم أني ابنة قطاع الشباب والرياضة أبا عن جد، حولت دراستي وبتشجيع من الأستاذ الفاضل المرحوم عيسى بوزغينة إلى المعهد الوطني للتكوين العالي لإطارات الشباب بتقصراين الجزائر العاصمة، تعلّمت هناك مبادئ الفنون المسرحية والموسيقية والفنون التشكيلية على يد أساتذة كرام، بالإضافة لمبادئ السيراميك وكيفيه إعداد نماذج منها وبعد التخرّج مارست في العاصمة وبالضبط في المركز الثقافي عيسى مسعودي بحسين داي الأشغال اليدوية مع أفواج الصغار والرسم وكذا الرسم على الزجاج بالمركز الثقافي الحراش بالعاصمة مع شباب تحولت حياتهم، بسبب هذا النشاط من الانحراف إلى شباب صالح مبدع في مجتمعه، عن طريق امتهانها كحرفة تقيهم شر الآفات ووقع الاختيار عليّ من طرف مديرية الشباب والرياضة والترفيه لولاية الجزائر آنذاك لتمثيلها مع مجموعة من الفاعلين الأكفاء في التنشيط التربوي في قطاع الشباب لتمثيل الجزائر في مدينة ليل الفرنسية بعد أخذ عدة دروس من مختصين جزائرين وفرنسيين بالقرية الإفريقية بسيدي فرج، وكانت تجربة رائعة استفدنا منها كثيرا.
بعدها طوّرت نشاطي إلى تشكيل الورود من القماش، ثم إلى تشكيلها بعجينة السيراميك وحاولت وضع لمساتي الخاصة على كل عمل منجز من طرفي أو من طرف الفتيات اللواتي علمتهن هذه الحرفة الفنية في عدة مؤسسات شبانية بتقرت وكنت أول من أدخل نشاط التزيين بالورود وتعلم اتيكيت الديكور وعجينة السيراميك وكان ذلك منذ سنة 2004، ولمواكبة العصرنة في الفنيات المستحدثة هنا وهناك، قمت بممارسة الرسكلة وانجاز أعمال تزيينية لها من مواد مسترجعة، بالإضافة إلى الرسم على الزجاج والمرايا والأواني الزجاجية والفخار وبالرغم من الصعوبات التي صادفتني، بسبب عدم توفر المادة الأولية هنا في معظم منجزاتي، إلا أننا حاولنا تقديم الأفضل للجمهور وحتى بعد أن ترقيت إلى رتبة مستشار قمت بتكوين بعض الإطارات الشبانية لنقل هذه الفنيات للفتيات والحمد لله لا تزال تمارس كما أنني سعيدة جدا بزميلاتي اللواتي طوّرن ما أخذوه عني.
- بين الفن التشكيلي وفن تزيين الورود وكذا فن تصميم الديكور نقطة التقاء قد يستشعرها المبدعون ومحبو هذا النوع من الفنون أكثر من غيرهم، أي رابط يجمع بينها من وجهة نظرك؟
^^ هناك ارتباط وثيق بين الفن التشكيلي وفن التزيين بالورود وفن الديكور وتصميماته فهذين الأخيرين، هما جزء لا يتجزأ من الفن التشكيلي نستعمل فيهما مبادئ المنظور ومستوياته وكذا التدرج اللوني وما علاقة الألوان ووضعيتها بالإنارة عند التصميم الداخلي والخارجي ووضعية الظل والنور في كلا الفنين، وتعتبر الألوان من أكثر الأشياء المؤثرة في ميولات ونفسيات المشاهد وهذا ما يجب مراعاته في هذين الفنين للجذب من أول نظرة.
- يبدو جليا أن هناك آفاق كبيرة لهذا الفن، خاصة فيما يتعلق بتزاوج التزيين بالورود وتصميم الديكور الذي أضحى مصدر دخل للكثير من الشباب في تصميم ديكور الحفلات والمناسبات، ما تعليقكم على هذا المسار الذي يشهد تطورا كبيرا؟
فعلا، أصبح لفن الديكور والتزيين بالورود أبعادا وآفاقا أخرى عند ممارسيه، فهو مصدر دخل لهم، إذ أصبح يُمتهن من الجنسين كمهنة، من أجل تصميم ديكورات الأعراس في صالات المناسبات والأفراح، بل وأصبحوا الآن في المناسبات الخاصة المقامة في البيوت في فترة الحجر الصحي بسبب وباء كورونا، أين أصبحت الكثير من العائلات في مدن جزائرية عديدة يتصلن بمصممين لتصميم صالات منزلية أو أسطح المنازل، من أجل إقامة أفراحهم وأكيد بعد فتح هذه صالات الأعراس سيرتفع سعرها مما قد يضطر العائلات إلى التفكير جديا في جلب مصممة ديكور للبيت عوض إقامة أفراحهم في الصالات، لكن الأهم في كل هذا هو مواكبة شبابنا وشاباتنا للعصرنة ودخول هذا العالم من بابه الواسع.
أرى أن لوسائل التواصل الاجتماعي الفضل الكبير في هذا وأنا بدوري أشجعهم على تطوير مواهبهم في هذا المجال ومواكبة الجديد وتنفيذ أفكارهم الإبداعية، خاصة وأننا بالجزائر نملك طاقات شبانية مبدعة.
- مشاركتك في اليوم الوطني للسياحة، كيف تصنفينها وما أهمية هذه المواعيد في تنشيط محيط المرأة عموما والمرأة الماكثة بالبيت، خاصة للتعريف بمنتجاتها؟
كانت تجربة رائدة وفريدة من نوعها، نشكر كل من منحنا هذه الفرصة من المكتب الولائي للمنظمة الوطنية من أجل الاستثمار والمواطنة وعلى رأسه السيدة مسعودة ميموني إلى مديرية السياحة بتقرت وكل إطاراتها الفاعلين. أعتقد أن الجميل في هذه التجربة أننا كنا فاعلين فيها مذ أن كانت مجرد فكرة إلى تحويلها لبطاقة تقنية إلي تجسيدها كمشروع على أرض الواقع، حاولنا فيها إبراز العمل العائلي للمرأة الصحراوية الماكثة بالبيت وكل الطاقات المنتجة، من أجل إبراز قدراتها الفنية وتثمين عملها وإنشاء فضاءات عرض لمنتوجها، ومن ثمّة تشجيعها على ممارسة الصناعة التقليدية والحرف الفنية العصرية وتشجيع السياحة الصحراوية، كان هذا الصالون برعاية السلطات الولائية بتقرت التي نثمن جهودها لفتح الأبواب أمام كل حاملي الأفكار وتشجيعهم وخاصة قرار الوالي بفتح حديقة المرابطين السياحية للسكان المنطقة وإقامة الصالون فيها، حيث أعطى هذا المكان صورة بهية جدا لمعروضاتنا وأثر تأثيرا ايجابيا على قيمتها الفنية.
- حضوركم لهذه الفعاليات لم يكن لمجرد المشاركة فقط، فما الذي أردتم تبليغه للمجتمع وللمرأة؟
طبعا كان لنا هدف من المشاركة ورسالة نحملها دائما في كل عرض نقدّمه للجمهور فقد كانت لنا مع الفنان علي سبع عضو المنظمة ورشة تكوينية خلال الصالون، هدفها تقديم الحرفة كتقنية فنية ذات قيمة جمالية وليست مجرد سلعة والتعرف على طرق اختيار الألوان وتنسيقها.
أيضا، من أجل تحفيز المبدعين والمبدعات على حسن الإتقان لعملهم الفني وتعلم طرق عرض المنتوجات بشكل مريح للعين جذاب للزائر، إضافة لجناح العرض الخاص بي الذي استقبل عددا كبيرا من الزوار أثنوا على طريقة اختيار موضوع اللوحات ونماذج واختيار الألوان وتناسقها وطريقة عرضها ومكان وضعها، بالإضافة إلى إعطاء نصيحة للعارضات أنه ليس من المهم ملأ جناح العرض وإنما الأهم هو جذب الجمهور ولو بعرض نموذج واحد اعتمادا على قاعدة أن الكيف يغلب الكم في قانون العرض الفني للمنتوج.
بخصوص المرأة أشير إلى أنني كثيراً ما سمعت في صغري النصيحة التي تقول: «في العمر فرصة واحدة، عليك انتهازها وإلا بَكَيْتَ عليها طويلاً»، ولذا أنصح كل امرأة ألا تضيع فرصة عمرها وأن تسعى لاكتساب حرفة فنية تقيها شرّ الظروف وتساعد بها عائلتها، في ظل الدخل الفردي الذي لم يعد كافيا لسدّ متطلبات الأسرة الجزائرية، ولها أن تستثمر في قدراتها المعرفية وأن تتخلص من وحشية كلمة «لا أستطيع،.. لا يمكن ذلك» ولعلمكّ أن في تقرت ومنطقتنا الصحراوية على العموم لدينا فنانات، كل واحدة منهن مبدعة في مجال حرفتها، يحتجن فقط للتشجيع والتوجيه والدعم من طرف المختصين والحركة الجمعوية والتكتل في تعاونيات، من أجل تحقيق المبتغى.