الروائي أمين الزاوي:

الثقافة ليست كرنفالا أو حيزا للبروباغندا العابرة

حوار: صارة ضويفي

 

 

 

الكتابة باللغتين هي حالة طبيعية جدا في الجزائر   

القراءة مفيدة ولكنها لا تعوّض وهج الحياة

أكد الروائي أمين الزاوي، في حوار مع موقع «فواصل» المتخصّص في الشأن الثقافي، أن حال الثقافة في الجزائر لم يتغيّر كثيرا، ولا يزال التركيز على التنشيط الثقافي أكثر من الفعل الثقافي الجاد والإستراتيجي، وأشار أن « الثقافة أمر جاد وليست كرنفالا أو حيزا للبروباغندا السياسية الموسمية العابرة»، من جهة أخرى، أوضح الزاوي أن الأديب هو صوت مهم في إدانة الخبث والنفاق الاجتماعي والديني والثقافي المستشري»، وأن المثقف يجب أن يراقب ويساهم فيما يجري اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، وأن يُسمع صوته.

فواصل: في رواياتك تتحدث كثيراً عن القضايا الاجتماعية وأحوال المرأة، لماذا هذا التخصيص، الذي يرشّح منه موقف إيديولوجي معين؟
أمين الزاوي: أنا لست كاتب أيديولوجيا، أنا كاتب قضايا من خلال موقف إنساني، من خلال الالتزام، ما هي الأيديولوجيا؟ الأيديولوجيا هي موقف الكاتب / المثقف من قضايا المجتمع الذي يعيش فيه، الأيديولوجيا ليست غولا، كل نص يحمل بالضرورة أيديولوجيا إما تنويرية أو ظلامية، ولا توجد كتابة معلّقة في الهواء، من يقول إنني أكتب بدون أيديولوجيا فهو كاتب انتهازي، أيديولوجيته هي «الانتهازية» وهو كاتب «خبزيست» أو كاتب «رغوة كلامية»، لكن السؤال المهم في حالة الإبداع كالرواية مثلا هو: كيف تظهر الأيديولوجيا في الرواية إبداعيا، الأيديولوجيا في الإبداع يجب أن تكون في بناء جمالي وبناء شخصيات روائية متكاملة، وألاّ تتحوّل إلى خطاب خارجي فجّ وعار، بل كل شخصية روائية تحمل أيديولوجيتها من خلال تصرفاتها من خلال «انسانيتها» أو «عنفها».. في الرواية الأيديولوجيا تتحوّل إلى نسيج جمالي.
صحيح، أعتبر نفسي كاتب المرأة، أكتب عنها ولها وللدفاع عن قضاياها في الحرية والمساواة مع الرجل، إن معركة تحرير المرأة هي أساس المعارك، التخلف والتقدم، التنوير والظلام يبدأ في الموقف من المرأة. من يقول بأن معركة «مساواة المرأة وحريتها» هي معركة ثانوية لا يمكن تصنيفه إلا في باب العته السياسي والفكري والأيديولوجيا الذكورية.
لن تقوم لمجتمعنا قيامة إلا إذا تحرّرت المرأة، والتحرّر هو أن تصبح قادرة وحرة في التصرف في وقتها، في عمرها، في حريتها الشخصية في مالها وفي جسدها، لا تزال المرأة ملكا مشاعا يحرسها الأب والأخ والابن والجار وسائق الطاكسي والبقال، يحرسها ويراقبها ويحسب خطواتها الجميع وقد تكون أكثرهم تعليما وأكثرهم فهما وثقافة.. لكن المجتمع الذكوري متحالف ضد المرأة.
من هذا التصوّر كتبت عن المرأة في رواياتي بالعربية أو بالفرنسية: «الرعشة» و»يصحو الحرير» و»الملكة» و»الساق فوق الساق» و»حادي التيوس» و»شارع إبليس» و»حُرّ بن يقظان» و»قبل الحب بقليل» و»نيرفانا» (روايات كتبتها بالعربية) و»الخنوع» و»حارة النساء» و»عطر الخطيئة» و»وليمة أكاذيب» و»غرفة العذراء المدنسة» و»اليهودي الأخير في تمنطيط» و»قيظ صقيعي» (روايات كتبتها بالفرنسية).

-   نشرت أكثر من 20 رواية بالعربية وبالفرنسية، مّا يعني أنك كاتب غزير الإنتاج، ما السرّ في ذلك؟
  لا القلة تدل على جودة الكتابة وتميزها ولا الكثرة تدل على ضعفها، الكتابة لها منطق، كان نجيب محفوظ ينشر ثلاث كتب في السنة الواحدة إلى جانب سيناريوهات أفلام ومقالات صحفية، وقد نشر بلزاك ما بين العامين 1830 و1831 أزيد من عشرين رواية، القلة أو الكثرة ليست عملية حاسمة في جودة الأدب، النوعية قد تجيء مع القلة وقد تجئ مع الكثرة، وقد تختفي في القلة وتظهر في الكثرة والعكس صحيح، وأنا كاتب أحترم الوقت وأشعر بأن المثقف، ويدخل في هذه الخانة المثقف المبدع، هو من يحسن تدبير شأن وقته وصرفه ما بين القراءة والكتابة والنقاش والحوار في المجتمع، لذا فليّ طقوس خاصة في الكتابة، وأهم طقس هو «الالتزام والصرامة في الكتابة»، والصرامة لا تعني الكتابة من الخارج، أنا لا أكتب من «الخارج»، كل ما أكتبه متصل بهواجسي في الحياة، بقراءاتي لما يحيط بي اجتماعيا وسياسيا وسيكولوجيا، مجتمعاتنا روايات مفتوحة، فقط على الكاتب الذي يعرف تفكيك الرموز وفتح الشيفرات أن يقرأها ثم يكتبها، لكن لا كتابة بدون قراءة، والقراءة وحدها لا تكفي للكتابة، الحياة ثروة كبيرة في الكتابة، اقرأ الفلسفة كثيرا وهي من تجعل الأسئلة غزيرة في رواياتي، وتسهل لي مقاربة مفتوحة لجميع الشخصيات.
التكنولوجيا تساهم اليوم في التخفيف من الأعباء والمتاعب الجسدية الفيزيقية التي تفرضها الكتابة، فقبل عشريتين، كان من الصعب أن تدقّق بعض ما تطرحه في الروايات من أحداث تاريخية أو من أماكن جغرافية، اليوم مع التكنولوجيا بنقرة واحدة يمكنك أن تدقّق رأيا أو فكرة أو تحدّد مكانا روائيا أو نوعا نباتيا أو طيرا أو تاريخا أو شخصية.. قبل عشريتين كان عليك أن ترسل المخطوطة للناشر ورقيا وبالبريد والآن كل هذه الأمور انتفت، وقد تحرّر الروائي من كثير من الأمور التي كانت تأكل وقته وأعصابه وهي من محيط الكتابة ولكنها تؤثر عليها، لذا يبدو أن الروائي اليوم متفرغ أساسا للكتابة وللقراءة وللحياة بطبيعة الحال بمنطق آخر وبأدوات أخرى.
الكاتب الذي لا يعيش لا يمكنه أن يكتب شيئا جديدا، والقراءة مفيدة وضرورية للكتابة ولكنها لا تعوّض وهج الحياة.
أنا لست متلزما بوقت في الكتابة أنا لا أتسابق مع الوقت ولكني ملتزم بالكتابة كقبس من نار أو نور أقبض عليه قبل أن يخفت أو يبرد فيصبح رمادا.  
-  في أي وقت من النهار أو الليل تكتب؟
 نادرا ما أكتب بالليل، الليل للقراءة، أحب وأفضل الكتابة بعد الاستيقاظ من النوم في حدود الساعة العاشرة صباحا إلى الثانية زوالا، ثم بعد القيلولة من الرابعة على السابعة، السرير بالنسبة لي هو بمثابة ورشة للكتابة، فيه تختمر كثير من الأفكار وتتركّب كثير من الشخصيات الروائية التي بمجرد نهوضي من السرير ألاحقها كي أكتبها على الورق.
- ثنائي اللغة، تكتب باللغتين العربية والفرنسية، هل هي طبيعة ثانية فيك، أم خيار مدروس؟
 نحن تعوّدنا على كتاب وحيدي اللغة، لقد تغير الحال، فاللغات تتقاطع، والقراءات باللغات تتقاطع، واللغات نفسها تتحاور وتتناغم، أكتب بالفرنسية وبالعربية لأنني تكونت داخلي هاتين اللغتين، ولم أستطع أن أتخلص من هذه الازدواجية لأنها صورة للمجتمع الذي أعيش فيه، فالجزائر هي البلد الفرنكفوني الأول بعد فرنسا، هناك أزيد من أحد عشر (11) مليون جزائري يستعملون الفرنسية بدرجات متفاوتة، اللغة الفرنسية تدرس ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي.
بالنسبة لي الكتابة باللغتين هي حالة طبيعية جدا في الجزائر، بلد التنوع الثقافي واللغوي، وإني أشعر بتوازن كبير وأنا أكتب باللغتين، أشعر وكأنني طائر يطير بجناحين، ولعل الواقع الثقافي وبالأساس القارئ الجزائري يدعم هذا الاختيار، فأكون سعيدا حين ألتقي بقرائي باللغة العربية وأيضا وبنفس السعادة حين أكون في حضرة قرائي باللغة الفرنسية. لا أشعر بالغربة في الجزائر وأنا أكتب بالفرنسية وهذا لوجود قارئ ووجود حياة لهذه اللغة تتأكد أكثر فأكثر على المستوى الثقافي. لا أختار لغة الكتابة بطريقة خارجية، أبدأ رواية بدون أن أفكر في اللغة التي سأكتب بها، بل إنها تجيء بشكل عفوي ولاواعي، لا علاقة للغة بموضوع الرواية، بل اللغة حالة لاواعية، فالموضوعات التي أطرحها في رواياتي بالعربية أطرحها بالفرنسية، لا أنافق مع القارئ، ولا يهمني طبيعة خلفيات القارئ، ما يهمني بالأساس هو حياة النص وليست حياة القارئ معربا كان أو مفرنسا.  

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024