طه خالدي، مختص في علم المناعة لـ «الشعب»: 

الفيروس المتحوّر والتّراخي سببا ارتفاع الإصابات

حوار: سعاد بوعبوش

 سننتقل من المرحلة الوبائية إلى الموسمية بمرور الزّمن

 عرفت الجزائر الأيام الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في حالات الإصابة بفيروس كورونا من مختلف السلالات، حيث تجاوز عتبة 300 مصاب، بالإضافة إلى ارتفاع حالات الوفيات ما أثار العديد من المخاوف لاسيما بعد تسجيل ظهور سلالة جديدة في العالم وتغير في الأعراض، خاصة وأن ذلك يتزامن مع ارتفاع في درجات الحرارة وفتح الحدود وبطء عملية التلقيح، كل هذا يجيب عنه المختص في علم المناعة، طه خالدي، في حواره مع «الشعب».
 الشعب: تعرف الجزائر منذ الأيام القليلة الأخيرة ارتفاعا في  حالات الإصابة بوباء كورونا، ما تفسيرك ؟
 المختص في علم المناعة طه خالدي: بداية يجب أن نعرف أنّ عودة ارتفاع حالات الإصابة مرتبط بعدة أسباب، أولا: طبيعة السلالات المتحوّرة، فبالرجوع إلى الترتيب الزمني لظهورها نجد أن البريطانية سريعة الانتقال بأربع مرات مقارنة بفيروس كورونا الاصلي، النيجرية وهي سريعة الانتقال أيضا، غير أنهم ليستا بالخطورة الشديدة كما أن كل اللقاحات ناجعة ضدها، لتليهما السلالة الجنوب افريقية.
وتمّ مؤخرا تسجيل ظهور السلالة الهندية، هذه الأخيرة يجب أن نعترف بأنها خطيرة جدا من حيث سرعة الانتشار أكثر من السلالات السابقة، خاصة وأنها مقاومة لبعض اللقاحات، ومستشفى فرانس فانون بالبليدة استقبل مؤخرا حالة مصابة بهذه السلالة تعود لشاب في الـ 18 سنة مصاب بالسكري توفي بعد أربعة أيام فقط في الإنعاش، بسبب مضاعفاتها الخطيرة التي لم تعد تفرق بين الشباب والمسنين أو حديثي الولادة، وبين أصحاب الأمراض المزمنة والأصحاء.
ثانيا: هناك تغير في الأعراض، فبعد أن كانت منحصرة في ارتفاع درجة الحرارة وفقدان حاستي الشم والذوق والتعب وضعف التنفس الاسهال، ظهرت أعراض أخرى سيما لدى المصابين بالسلالة الهندية كظهور بعض الحبوب والقصور في الجهاز الهضمي، وحتى خارج الجسم كالوجه والجلد مع الانتشار الكبير لها.
ثالثا: يبقى عامل التسيب وعدم الانضباط بالإجراءات والتدابير الوقائية لدى المواطنين أحد العوامل الهامة أيضا للانتشار وارتفاع حالات الإصابة، خاصة بعد الاستقرار الذي عرفته الجزائر في الحالة الوبائية، وكذا لدى بعض الدول المجاورة لها، حيث يلاحظ عودة الحياة الطبيعية التجمعات في الشارع دون أدنى التزام بالتدابير الموصى بها أضعفها ارتداء الكمامة والتباعد.
في هذا السياق، لابد أن يدرك الناس أن الوباء مازال موجودا، ويجب مواصلة العمل بالتدابير الوقائية والتعايش معه، رغم استقرارها ووصولها إلى معدلات منخفضة، إلا انه يجب أن ندرك انه «لم نصل بعد لمرحلة أن كورونا من الماضي».
رابعا: مسألة اللقاح نلاحظ أن الدول التي كانت تسجل مستويات عالية في الإصابة والوفيات كالولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، بريطانيا، فرنسا، عرفت مؤخرا ومنذ ثلاث أسابيع استقرارا في الوضع الوبائي مع انخفاض في الإصابات، وذلك بفضل عملية التلقيح المكثف.
فمثلا في فرنسا منذ أيام قليلة تمّ تلقيح 25 مليون مواطن فرنسي، في حين أن الجزائر ما يزال في بدايته وضعيفا، وهذا بسبب عزوف المواطن وأيضا قلة الحصة المتحصل عليها، وهو أمر مفهوم خاصة مع وجود منافسة دولية على اللقاحات. 
لكن يجب أن نعرف أن توفير اللقاح يعني بالضرورة التحكم في الوضع الوبائي، وحتى من الجانب النفسي فالمواطن بمجرد معرفته بتوفر اللقاح يتجاوز حالة الخوف من الوباء، ويتعامل ويتعايش معه بصفة أسهل.
-   سجل العالم ظهور سلالة جديدة هي «الفيتنامية»، ما الخطر الذي تشكّله؟
 بالنسبة للسلالة الفيتنامية التي لم تدخل الجزائر لحد الآن لحسن الحظ هي أخطر من السلالة الهندية، إذ نعتمد 3 معايير نقيس بها مدى خطورة الفيروسات، ويتعلق الأمر بسرعة الانتشار، والتي عرفت انتشار كبيرا في الدول الأوروبية مقارنة بالسلالات الأخرى.
مسألة الخطورة، حيث جاءت بأعراض جديدة، كانت تسجل فقط عند كبار السن، بالإضافة إلى الجهاز الهضمي خاصة السفلي كالأمعاء، المعيار الثلاث وهو مقاومتها للقاحات الموجودة في العالم بنسب مختلفة، من بينها «سينوفارم الصيني» و»سبوتنيك في»، وهذا أمر خطير جدا، حيث انه في حال انتشارها في العالم ستلجأ الشركات المنتجة للقاح في العالم إلى تعديل وتحيين دوري للقاحات حسب الفيروس الموجود، أي ستجد نفسها أمام نفس الوضع الذي عاشته «مع الأنفلونزا الموسمية»، كما تجد الدول نفسها أيضا مطالبة بشراء لقاحات جديدة.
- ما مدى ارتباط تغيّر الأعراض بالمناعة الفردية، المناخ والتغذية؟
 يجب أن نعلم أنّ الفيروس يتغير، وهو أمر معروف وليس بجديد، وبالنسبة لقضية التلوث البيئي فلا يمكن إنكار أنّ هذا الأمر يوفّر مناخا مناسبا لتطور وانتشار الفيروسات، ونفس الأمر بالنسبة لعامل الحرارة فهي الأخرى تساعد في جعلها أكثر شراسة لارتباطها الوثيق بسلوكات الأفراد، حيث تجد الناس بكثرة في الشوارع وعودة التجمعات مقارنة بفصل الشتاء، فالكل تجدهم في المنازل.
وبخصوص التغذية لا شك أنها عامل مهم في تقوية المناعة، فالأكل الصحي ضروري جدا في هكذا ظروف، ففي الشتاء عادة ما يركز الناس على البقوليات والخضر، في حين في فصل الصيف يلجأ الكثيرون إلى الأكل الخفيف والمشروبات الغازية، لهذا على الأفراد الإكثار من الخضر والفواكه وتجنب السكريات والمقليات بزيت المائدة، لأنه يجب أن ندرك أننا في زمن الأوبئة، ولابد  من التعايش معها لأنه السبيل الوحيد للنجاة.
- ما هي التّوقّعات المطروحة بالنسبة لفيروس كورونا؟
 يحضرني قول رئيس منظمة الغذاء والأدوية الأمريكي باعتباره خبيرا في علم الفيروسات، مؤخرا، والذي أكد أن ارتداء الكمامة من اليوم وصاعدا سيكون موسميا.
وبالتالي، فتوقّعات الخبراء بالنسبة لـ «كوفيد-19» تشير إلى وجود طريقين لا ثالث لهما، وهما أن الوضع مرتبط بمسألة الوقت على غرار ما عرفه العالم لدى انتشار الحمى الاسبانية التي بقيت ثلاث سنوات واختفت، أو تحول الفيروس إلى الحالة الموسمية لا الوبائية.
ولهذا على البشرية أن تتعوّد التعايش معه ومع وجوده الموسمي، فمن غير المعقول استمرار الدول في الحجر وغلق الحدود ووقف الاقتصاد، ولدينا أمثلة واقعية عن الدول التي نجحت في التعايش مع الفيروسات ككوريا الجنوبية والصين اللتين استطاعتا تجاوز مرحلة الوباء إلى مرحلة التعايش، وحتى شعوبها أصبحت تتحلى بهذه الثقافة الصحية التي ساعدت دولهم في مواجهة الفيروسات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024