الباحث أ. عيساني فؤاد لـ «الشعب ويكاند «:  

القوائم المستقلة ستجد صعوبات كبيرة في الفوز

حوار: سعاد بوعبوش

 النظام السابق أفرغ الأحزاب من محتواها

 بين متمسك بشعبوية الخطاب السياسي ومحاول للتغيير يعكف المترشحون ضمن قوائم حزبية وأحرار على شرح برامجهم والترويج لها بكل الطرق المتاحة، غير أن الواقع كشف عن فروقات كبيرة في الميدان وتحقيق الانتشار وإيصال الأفكار إلى الهيئة الناخبة وإقناعها.
فما الجديد الذي جاء به المترشحون لإقناع الناخب وما هي التحدّيات التي تواجههم؟ كل هذا يجيب عنه الباحث في الحقوق والعلوم السياسية والعلاقات الدولية، أ. عيساني فؤاد لـ «الشعب ويكاند».

»الشعب ويكاند»: تدخل الحملة الانتخابية أسبوعها الثالث، كيف تقيمون أداء المترشحين لتشريعيات 12 جوان سواء في إطار حزبي أو قوائم حرة؟ 
فؤاد عيساني: دعيني أقول لك أن الممارسة السياسية علم وفن ولا تخضع إلى الاعتباط، وكنت أتمنى أن تكون للفواعل السياسية مهما كانت طبيعتها ( أحزاب أو أحرار أو حتى مجتمع مدني في حالة تحوله لفاعل سياسي..) علبة داخلية تعمل على دراسة الوضع القائم لتخرج بتصورات قريبة لما هو موجود من أجل ضمان الفوز بالحد الأدنى. 
لكن وفي خضم فوضى التفاعلية السياسية أثناء الحملة الانتخابية في أسبوعها الأول والثاني والتي نراها واقعا، تلمسنا عدم تخطيط قبلي مدعم بالاستشراف السليم، ولاحظنا قوى سياسية تقليدية اعتمدت على إمكانياتها، وكذا قواعدها الانتخابية الثابتة لتحقيق الانتشار في كل الرقع الجغرافية للدوائر الانتخابية، ما سهّل عليها نوعا ما انتشار بشري بدا واضحا مقارنة بالقوائم الحرّة التي في أغلبها لا تملك هذه الخاصية، فظهرت هناك فروقات بين من يملك أدوات الانتشار الواسع عبر القاعدة الانتخابية، وأعتقد جازما أن الكثير من هذه القوى الآن تدرك جيدا ما كتبته في هذه الجزئية، لأنها تعيشها واقعا. 
 وكنا قد لاحظنا نوع من البرودة لدى الهيئة الناخبة في تفاعلها مع الحملة الانتخابية في أيامها الأولى، وهذا شيء طبيعي في وضع كالوضع الذي مرّت به الجزائر، والذي كان من أهم مظاهره حراك 22 فيفري 2019 والذي كان معبرا عن رفضه للممارسات السياسية السابقة.
 هل لمستم جديدا يذكر في البرامج الانتخابية للمترشحين أم هونفس الخطاب السياسي المعروف؟ 
 من خلال تتبعنا للحملة الانتخابية لاحظنا أن هناك  اختلاف في لغة الخطاب وتباين بحسب نوعية التركيبة البشرية لقوائم المترشحين، فلمسنا تغييرا في طريقة الخطاب بالنسبة للقوائم الحرة التي تضم كثيرا من النخب وصرنا نسمع مرشحين يتكلمون عن الدور الحقيقي للنائب وما يمكن أن يؤديه في الحياة السياسية وما يمكن أن يقدّمه للمواطن عن طريق التشريع، وكذا برامج تتوافق والدور الحقيقي للنائب.  
في حين هناك قوائم مترشحين تضم أسماء مازالت متأثرة بما أنتجه النظام السابق من خطابات وهمية مبنية على وعود انتخابية غير ممكنة التحقق خاصة على مستوى الأحزاب، وما كرّسته الممارسات السابقة من تبادل تهم وتراشق والهجوم على الآخر دون التركيز على برامج حقيقية تعكس دور النائب كممثل للشعب في الهيئة التشريعية، ما لمسناه في قوائم  بعض القوى السياسية التقليدية القديمة وكذا القوائم الحرة التي تضم أسماء محسوبة على تلك القوى القديمة. 
هناك من فضّل الترويج لبرنامجه عن طريق التجمعات الشعبية عبر الولايات أو العمل الجواري، وكذا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في رأيك ما هي الوسيلة الأكثر تحقيقا للانتشار خاصة مع هكذا نوع من الانتخابات؟  
 أظن أن الانتشار يجب أن تحكمه إستراتيجية معدة مسبقا مبنية أولا على انتماء المرشحين في القائمة الانتخابية الواحدة لعدة مناطق جغرافية تشمل كل الدائرة الانتخابية، ثانيا سمعة المرشحين ومدى تفاعلهم المجتمعي في محيطهم الجغرافي ومدى قبولهم في أوساطهم، لننتقل بعدها لما تقدمه البرامج من وعود ممكنة التحقق، لتليها بعدها قدرة التجنيد ومدى التفاف القاعدة حول المترشحين. 
 وهنا تؤدي وسائل التجنيد دور مهم من تجمعات جوارية وتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعية وأعتقد أن أحسن إستراتيجية في ذلك هي المزاوجة بين الواقع والشبكة الافتراضية من أجل تحقيق انتشار متوازن ومنتج، فللواقع رواده وللعالم الافتراضي رواده كذلك.  

..الهيئة الناخبة لديها تنشئة سياسية كافية للحكم على الوعود.. 

يلاحظ أن الكثير من المترشحين لجأوا إلى تقديم وعود للمواطنين، رغم أن هذا ليس من صلاحيتهم؟ فهل هذا يدل على عدم معرفة بالعمل النيابي وبدوره في قبة للبرلمان، أو يعبر عن قلة خبرة ؟  
 هذا راجع للفهم الخاطئ لبعض المرشحين لدور النائب من جهة، ومن جهة أخرى حداثة عهدهم بالترشح والممارسة السياسية، فلا عجب أن نجد مرشح يقدم وعودا لا يمكن تصوّرها أنها من مهام النائب، كما نجد من المرشحين من يمارس هذا الفعل عن سبق إصرار وترصد معتقدا أن الأوضاع مازالت كما كانت عليه في السابق.
لكن أعتقد أن الهيئة الناخبة الآن لها من التنشئة السياسية ما تحكم على تلك الوعود ومدى مصداقيتها، ولها من الإمكانيات المعرفية القانونية والسياسية التي تساهم في استبعاد ذلك المترشح كخيار، وهو ما يؤثر عليه سلبا في نتائج الانتخابات.  
 
..القوائم الحرّة حديثة العهد بالعمل السياسي ما يرهن حظها.. 

هل تعتقد أن النخب الجديدة الوافدة على العمل السياسي لاسيما المترشحين ضمن القوائم الحرّة قادرة على نيل حظها في الترويج، وعلى الوصول إلى قبّة البرلمان؟ 
 أظن أن هناك صعوبة كبيرة تواجه القوائم الحرة، وذلك راجع لحداثة عهدها بالعمل السياسي رغم نوعية المترشحين التي تمتلكها، لكن للأسف الشديد أن الفعل الانتخابي يجب أن يبني على أدوات واضحة تتشكل كمؤسسات واقعية تضمن عامل الانتشار والتجنيد وبعيدا عن الشعبوية. 
 وربما يتفق الجميع معي أن النظام السياسي السابق طوال الحقبات الماضية عمل على تصحير المشهد السياسي وإفراغ معظم الفواعل الحزبية من محتواها حتى صار منطق التنافس الانتخابي مفصول فيه مسبقا، وذلك بائتلاف الفوز وأي تفكير في الترشح خارج هذا الائتلاف يكون مصيره الفشل. 
وكان قد فهم هذا الائتلاف طبيعة المجتمع الجزائري، بل حتى وفى كثير من الحالات تطبع المجتمع مع ما تمليه الأيادي الفوقية، فصرنا نجد ناخب موجه قبليا على شاكلة أحد معارفي في الجزائر العميقة لما أسأله في كل موعد انتخابي على من ستصوت يجيبني على فلان فأعيد سؤاله لماذا على هذا الحزب بالضبط يجيبني بقوله المعهود ( جات من فوق). 

هذا «التصحير» أنتج مؤسسات تقليدية تملكت الفضاء السياسي العام بوعاء انتخابي ثابت يوصف بالحد الأدنى الضامن للفوز في كل موعد انتخابي.  

ونحن نشهد اليوم انتخابات تشريعية مسبقة بقانون جديد وبنفس إمكانيات القوى السياسية القديمة، في المقابل نجد قوائم حرّة لا تملك نفس الإمكانيات مقارنة بالقوى السياسية التقليدية القديمة ما ترتب عنه لاـ عدل فى الواقع، وهوما سينعكس سلبا على النتائج، لذلك أتوقع أننا لن نرى تغييرا جذريا في الخريطة السياسية مستقبلا. 
 وستجد القوائم الحرة صعوبات كبيرة في الفوز بمقاعد برلمانية نتيجة عتبة 05 بالمائة، التي ستقصي مئات الآلاف من الأصوات وتصبح غير منتجة، في حين أتوقع أننا سنرى بضعة آلاف من تتجاوز تلك العتبة لتصبح منتجة، وأظن أن القوائم التي لها انتشار واسع في الهيئة الناخبة لاسيما منها قوائم القوى السياسية التقليدية هي من تحقق ذلك. 
 لذلك أتوقع أن كل قائمة تعتمد على مرشح واحد يركز على جهة واحدة من الدائرة الانتخابية بقاعدة انتخابية محددة ( بلدية، عرش، حي .. إلخ ) سيساهم في رفع عتبة 5 بالمائة وسيقصى مع أصواته من الفوز بمقعد برلماني، ويخدم بذلك القوائم التي تحقق انتشارا واسعا من القوى السياسية التقليدية. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024