الباحث عبد الرحمان بوثلجة لـ«الشعب ويكاند»:

الجامعة أمام تحدي مسايرة التطوّرات في العالم

حوار: سهام بوعموشة

تحدّث الأستاذ عبد الرحمان بوثلجة، باحث ومختص في الإعلام والاتصال الجامعي في حوار خصّ به «الشعب ويكاند» عن الدور الريادي الذي يجب أن تؤديه الجامعة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في ظل الجزائر الجديدة، وبحسبه فإن هذا لا يتأتى إلا بانفتاح حقيقي للجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، وإنشاء علاقة قوّية بين التكوين والبحث من جهة والتصنيع والإنتاج من جهة أخرى، بالاعتماد على الكيف وليس الكم.
ويرى بوثلجة أن القطاعات التي يجب التركيز عليها مستقبلا هي التخصصات التكنولوجية والعلمية التي يمكن أن تساهم مباشرة في تطوير الإقتصاد الوطني، مثل الإعلام الآلي والمعلوماتية، الذكاء الاصطناعي، الطاقات المتجدّدة، والتخصّصات التي لها علاقة بالأمن الغذائي والصّحي، مؤكدا على ضرورة تعميم الرقمنة.

- «الشعب ويكاند»: شدّد رئيس الجمهورية على ضرورة ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي، كيف يمكن للجامعة أن تكون قاطرة التنمية؟

 عبد الرحمان بوثلجة: منذ الاستقلال عرفت الجامعة الجزائرية تطورا متزايدا، كنتيجة طبيعية لتطور البلاد وزيادة عدد السكان، وكان ذلك لافتاً خاصة بالنسبة لعدد الطلبة الذي أصبح أكثر من مليون ونصف طالب وكذا عدد المؤسسات الجامعية، فقد صار لكل ولاية تقريبا مؤسسة جامعية، سواءً كانت جامعة أو مركز جامعي، أو مدرسة عليا أو معهد، وكوّنت هذه المؤسسات الجامعية أكثر من 4 ملايين حامل شهادة عليا في مختلف التخصّصات.
المفارقة هي أن البلاد لم تستفد بطريقة فعّالة من هذا العدد الكبير من حمَلة الشهادات، خاصة في الجانب الاقتصادي، والدليل أن اقتصادنا يعتمد بصفة شبه كلية على مداخيل المحروقات.
لكن منذ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون أصبح الحديث عن الدور الريادي الذي يجب أن تؤديه الجامعة في التنمية الاجتماعية وفي تطوير الاقتصاد خارج المحروقات، ولا يكون هذا إلا بانفتاح حقيقي للجامعة على محيطها الاقتصادي الاجتماعي، وإنشاء علاقة قوّية بين التكوين والبحث من جهة والتصنيع والإنتاج من جهة أخرى.

- هل تعتقد أن توجّه الجامعة نحو شراكات مع عدة قطاعات ومؤسسات اقتصادية، كاف أم يتعين عليها ابتكار آليات أخرى تضمن مواكبتها للتطوّرات؟
في السنوات الأخيرة لاحظنا تهافت الجامعات لإمضاء اتفاقيات شراكة بينها وبين مختلف المؤسسات، تتعلق بالتكوين خاصة، وبالبحث في أحيان قليلة، لكن ما عدى الترويج الإعلامي في مختلف وسائل ووسائط الإعلام، لا نجد أثرا حقيقيا في الواقع لهذه الاتفاقيات.
فيما يخص جانب التكوين الذي من المفترض أن تستفيد منه المؤسسات الإقتصادية في شكل يد عاملة مؤهلة مكوّنة، مقابل تربصات تطبيقية يجريها الطلبة لدى هذه المؤسسات، نلاحظ عدم تفعيل هذا الجانب من الاتفاقيات في الميدان، ومازال الطلبة يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على تربص أثناء الدراسة وصعوبة كبيرة في التوظيف بعد حصولهم على الشهادة.
ورغم جهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في هذا الإطار، مثل إنشاء المعاهد المتخصصة في العلوم والتقنيات في عدد من الجامعات، والتي من المفروض أن تكون مشاركة القطاع الاقتصادي فيها كبيرة، إلا أن نتائجها لم تتحقق، أما في الجانب البحثي، فلا تزال العلاقة بين القطاع الاقتصادي ومراكز الأبحاث ضعيفة، لذلك يجب إيجاد آليات جديدة لمتابعة ما نتحدث عنه من اتفاقيات، والتي يجب أن تخضع لمبدأ رابح -رابح بين الجامعة والمؤسسة الإقتصادية.

- كيف يمكن المساهمة في نشر ثقافة المقاولاتية في الوسط الجامعي ومرافقة الطلبة لإنشاء مؤسسات ناشئة وتحفيزهم على الابتكار والاختراع؟

في كل الجامعات توجد حاليا دار للمقاولاتية، مهمتها تشجيع الفكر المقاولاتي في الوسط الجامعي، كما تم إنشاء عدة حاضنات على مستوى جامعات الوطن لمرافقة الطلبة حاملي الأفكار والمشاريع في تحويل ابتكاراتهم واختراعاتهم إلى مؤسسات سواء ناشئة أو متوسطة، كما تم تكييف النصوص القانونية لتشجيع إنشاء المؤسسات بالجامعات.
كل هذه الخطوات يمكنها بثّ روح المقاولاتية لدى الطلبة، كما أن المسابقات في الجامعات أو بين الجامعات يمكن أن تنمي روح الابتكار والإبداع، وهنا أذكر مسابقات الروبوتيك، المسابقة بين الجامعات في علم الطيران وكذلك المسابقة الدولية لشركة «هواوي» في تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهذه كلها أمثلة لمنافسات يمكن أن تشجع الطلبة على إطلاق العنان لأفكارهم الإبداعية.

- قطاع التعليم العالي مُطالب بمضاعفة فرص تشغيل خريجي الجامعات وإعداد كفاءات تستجيب للمتطلبات الحقيقية للاقتصاد، ما هي القطاعات التي يجب التركيز عليها في الوقت الراهن؟

في الحقيقة كان هذا هو هدف نظام «أل. أم. دي»، أي التكوين بحسب الحاجة والطلب، لكن عدم أخذ فرق التكوين لهذا الأمر بعين الاعتبار، وفتح تخصصات بدون التفكير في تشغيل الطلبة بعد نهاية التكوين، نتج عنه ظاهرة بطالة حملة الشهادات، وهذا أمر سلبي ليس للمعنيين فقط ولكن للإقتصاد أيضا، لذلك وجب إعادة النظر في هذه المسألة.
صحيح أن اقتراح عروض تكوين جديدة في شهادات ليسانس والماستر والدكتوراه، هي مهمة فرق التكوين في المخابر والأقسام، لكن الموافقة عليها شأن مركزي، من خلال لجان مختصة، لهذا يجب أن تكون الموافقة على فتح تخصصات جديدة في المستقبل مرهونة بمدى وجود احتياجات اقتصادية اجتماعية لها، وليس بشرط توفر العامل البشري المؤطر فقط، كما هو معمول به حاليا.
أما القطاعات التي يجب التركيز عليها، فأظن أنها المتعلقة بالتخصصات التكنولوجية والعلمية التي يمكن أن تساهم مباشرة في تطوير الإقتصاد الوطني، مثل الإعلام الآلي والمعلوماتية، الذكاء الاصطناعي، الطاقات المتجددة، التخصصات التي لها علاقة بالأمن الغذائي والصحي وغيرها من التخصصات العلمية التكنولوجية.

- يتوقّع خبراء زوال مهن وظهور أخرى، هل يعني هذا الدخول في مرحلة تكوين الإنسان الرقمي، خاصة بعد أن فرضت جائحة كوفيد-19 حتمية التوجه نحو الرقمنة في كل تعاملاتنا اليومية؟

نعم هذا صحيح، ومع تطور وانتشار استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة، وتطور الذكاء الاصطناعي والروبوتيك إحتلت الٱلة مكان الإنسان في كثير من الأعمال، وفي المقابل فرض هذا التطور وجود مهن جديدة وجب مواكبتها،   وفي الوقت الراهن أصبح تعميم الرقمنة ضرورة وليس خيارا، وهذا الأمر يتطلب إبداعا لدى  المختصين ومعرفة واسعة لدى عامة الناس وفي كلتا الحالتين يجب القيام بتكوين في تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة بصفة واسعة ودورية لأن هذا المجال يعرف تطورا سريعا.
ويمكن إنجاح هذا المسعى من خلال إقامة علاقة شراكة مع المؤسسات المتخصصة في مجال المعلوماتية، وتوفير البنية التحتية لها ومن خلال علاقة شراكة وتوأمة بين جامعاتنا والجامعات العالمية المتقدمة.

- إقتصاد المعرفة، يرتبط ارتباطًا وثيقًا برأس المال الفكري وقدرة الأفراد على إدارتها و الابتكار، كيف يمكن إعداد أفراد يتحكمون في هذا المجال؟
 هذا يعني أن نركز مستقبلا على الكيف وليس على الكم كما في الماضي، أي على جودة التكوين وليس على عدد الشهادات ونوعيتها، لأن في الوقت الحالي نملك الكثير من الإطارات الحاملة للشهادات العليا، لكن المطلوب الآن هو تقييم مدى المساهمة الفعلية لهذه الفئة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وبالرغم من أن مفهوم اقتصاد المعرفة أو الأعم منه هو الإقتصاد المبني على العلوم والمعرفة أصبح حديث الساعة، إلا أن تطويره يستلزم ثورة في طريقة التفكير والتقييم، وعوض الحديث عن الشهادات يجب الحديث عن المساهمات الحقيقية وعن الاختراع والإبداع وتقديم الإضافة، وهذا يتزامن أيضا مع بناء مجتمع المعرفة، المجتمع الذي يشجع العلوم والمعارف ويقدر أصحابها ويحترمهم.

- الاقتصاد الذكي يهتم بزيادة الإنتاجية من خلال العلاقات التشاركية بين الأفراد والمؤسسات معتمدًا على وسائل التواصل والشبكات الحديثة، كيف يمكن تحقيق ذلك في محيط الجامعة؟
طبعا يعتمد هذا على إنجاح تعميم الرقمنة و الاستعمال الفعّال لتكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة وعلى الإستثمار في البحث العلمي من قبل القطاع الاقتصادي، ولا نقصد هنا العمومي فقط، بل نتكلم عن القطاع الاقتصادي الخاص، الذي يجب أن يكون شريكا حقيقيا للجامعة بمبدأ الربح للطرفين، ووضع ثقة في الباحث والمبدع المحلي وهذا سوف يوفر له الكثير من العملة الصعبة التي كانت تخصص لشراء الأفكار والاختراعات.

- هل تتوقع إعادة هيكلة التعليم العالي بما يتوافق والمرحلة المقبلة وإعادة الاعتبار للشعب العلمية والتقنية بداية بالتعليم الثانوي مرورا بالجامعة؟.
هذا الأمر أصبح أكثر من ضرورة، فعلى الجامعة أن تواكب التطورات التي تحصل في العالم، وإذا كان المطلوب هو تطوير التصنيع العلمي والتكنولوجي فهذا يستوجب بالضرورة الاهتمام بالشعب العلمية التكنولوجية قبل وفي الجامعة، والاهتمام يكون من خلال تشجيع الطلبة على دراستها من خلال توفير امتيازات معينة، مع أخذ بعين الاعتبار الصعوبات الموجودة فيها والمجهودات التي تبذل لتحقيق النجاح فيها وتثمينها بمختلف الطرق.
للأسف الشديد مثل هذه التخصصات لا تعرف إقبالا اختياريا صرفا في الفترة الحالية، بسبب الصعوبات التي ذكرتها من قبل، ولأن الطالب يأخذ بعين الاعتبار التوظيف قبل اختياره للتخصص، لكن هذا يجب أن يتغير إذا أردنا تطوير القطاعات المنتجة على حساب القطاعات المستهلكة ضمن إستراتيجية وطنية طويلة الأمد.
ولهذا الغرض تم إنشاء المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات والذي من بين مهامه تحديد التوجهات الكبرى للسياسة الوطنية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وإبداء آراء وتوصيات لاسيما الخيارات الكبرى للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي وتقييم السياسة الوطنية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ونتائجها، وكذا إعداد آليات التقييم ومتابعة تنفيذها والذي ربما نرى نتائج عمله تتحقق في السنوات القادمة.

- ما هي تحدّيات التعليم العالي بالجزائر حتى يكون متكيفا مع المنطق الرقمي المقبل للاقتصاد باعتباره حتمية لا خيارا؟
رقمنة الجامعة بدأت منذ مدة ولو بوتيرة مقبولة نسبيا، وتعميم الرقمنة فيها تعرف تحديات مثلها مثل كل القطاعات الأخرى، لكن نظرا للدور الريادي المنتظر منها يجب أن تكون سباقة في التحكم في تقنيات المعلوماتية والرقمنة، وهذا سيوفر لها الكثير من الجهد والوقت ونجاعة في ٱدائها وجودة في تكويناتها. ورغم أن التعليم عن بعد مثلا أملته الظروف الناتجة عن جائحة كورونا، إلا أنه غير إلى الأحسن طريقة تفكير وذهنيات الطالب والأستاذ معا، فأصبحت وسيلة الاتصال والتواصل بينهما هي الانترنت ووسائط الإعلام والاتصال المختلفة، وبالتالي تحول عالم الدراسة في الجامعة إلى عالم رقمي ولو نسبيا وبتفاوت من جامعة إلى أخرى ومن أستاذ إلى ٱخر.
لكن هذا يعتبر مؤشر عن تغير كبير ستشهده الجامعة الجزائرية في المستقبل، قد يكون بداية لاسترجاع دورها المحوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي بناء الجزائر الجديدة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024