الباحث في الشأن الليبي د.عبد الحميد عوض حمد لـ«الشعب ويكاند»:

أطراف دولية تريـد استنزاف المتنازعين لقبول “أجندتها”

حاورته: آسيا قبلي

سيناريو تفتيت ليبيا وارد جدا وهناك قوى داخلية ودولية تدفع نحوه

بعد مرور عقد كامل على اندلاع الأزمة الليبية، لم يستطع المتنازعون على السلطة في ليبيا الوصول إلى حل ينهي النزاع، ويعيد الأمن والاستقرار إليها، ورغم المبادرات الإقليمية وفوق الإقليمية التي طرحت لرأب الصدع بين الأشقاء المتحاربين وإرساء المصالحة الوطنية، إلا أن أطرافا داخلية وأخرى خارجية لا يرضيها أن تنتهي الأزمة، لأنها لم تحقق أهدافها من إسقاط النظام في ليبيا، أو لأنها لا تريد فَقْد الامتيازات التي يمنحها إياها الوضع الراهن هناك. ضبابية المشهد السياسي والأمني الليبي تفتح الباب على مصراعيه لكل السينـاريوهات حتى تلك المتطرّفــة، وهذا ما يشرحــه الباحــث الدكتـور  عبد الحميد عوض حمد من ليبيا في حوار مع «الشعب ويكاند».
«الشعب ويكاند»: تسعى بعض الأطراف المتنازعة في ليبيا ومن يقف وراءها إلى إيجاد سبل لحل الأزمة، والمضي قدما نحو إعادة بناء الدولة في ليبيا، ماهي النظرة الاستشرافية فيما تعلق بإعادة بناء الدولة في ليبيا؟
د. عبد الحميد عوض: بالنسبة لإعادة بناء الدولة في ليبيا هناك عدة سيناريوهات أولا: أن تنجح القوى السياسية بمساعدة القوى الخارجية في تخطي العديد من المعوقات والتحديات، السيناريو الثاني فهو إبقاء الوضع القائم أي استمرار انعدام الأمن والفوضى واللا استقرار السياسي الذي يخدم من بيدهم السلطة الفعلية، ومن يملكون السلاح. أما السيناريو الثالث هو تقسيم الدولة الليبية وهذا وارد جدا بقدر سيناريو إنهاء الأزمة ولكل منهما شواهده ومؤشرات تدعمه.
بالنسبة للسيناريو الأول: نجاح وتفعيل الوفاق الوطني على أرض الواقع، بين أقاليم ليبيا الثلاثة خاصة بين برقة وطرابلس، عن طريق تقديم التنازلات بين الطرفين، لكن هناك مشكلة كبيرة جدا حول الدستور الذي لم يتم الاستفتاء عليه، وهناك مشاكل أصلا حتى في المسودة، وقد أخذ ذلك وقتا طويلا في ظل أوضاع كلها هشّة، لكن نفترض أنه في حال تمّ الاستفتاء على الدستور سيتم تفعيل الاتفاق على أرض الواقع، ويعني ذلك أن المشكلة انتهت وأننا نسير نحو بقاء ليبيا دولة موحدة دون تجزئة أو انفصال، خاصة وأن هنالك قوى سياسية وميليشياتية وقبلية وجهوية تسعى إلى الحفاظ على ليبيا دولة موحدة، وإلى تعزيز الوحدة ولم الشمل وعدم التفريط في أي شبر من الأرض الليبية، إلى جانب هيئات المصالحة الوطنية في الشرق والغرب التي تسعى هي الأخرى إلى إنهاء الحرب والاقتتال في مختلف المناطق.
أما الثاني سيناريو استمرار الوضع القائم: إذ نجد في الغرب قوى سياسية وعسكرية ميليشياتية تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم، من فوضى وانعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي، ممثلة في تحالف الإخوان المسلمين مع قوات مصراتة إلى جانب تنظيم القاعدة، الاخوان والقوى السياسية في مصراتة في تحالف منذ انتفاضة 17 فبراير، وقد استحوذت مصراتة على كمية كبيرة جدا من الأسلحة أثناء وبعد القضاء على القذافي، وهي قوة سياسية وعسكرية كبيرة جدا على الميدان تمثل رأس الحربة بغرب البلاد، بينما لدى الاخوان قوة سياسية نظرا لامتدادهم الدولي.

- لماذا تسعى هذه القوى إلى الحفاظ على الوضع القائم؟
لأنها هي المسيطر على كافة مفاصل الدولة منذ 2011، البنك المركزي والاستثمار الخارجي والحكومات والهيئات التشريعية، هذه المؤسسات السيادية موجودة في طرابلس لكن مصراتة تحديدا هي من يسيطر عليها، وعندما يصير اتفاق سياسي ووحدة وانتخابات، والتي يسعى الشعب الليبي والمجتمع الدولي إلى إجرائها منذ 2014 وعندما تنجح فإن هذه القوى ستفقد نفوذها وسلطتها ومواردها المالية التي تحصل عليها، وقد تحدث غسان سلامة في أكثر من مناسبة، عن وجود مليونير جديد كل يوم في ليبيا، خاصة في طرابلس التي تواجد بها كل الوزارات السياسية والمصرف المركزي والحكومة بكل وزاراتها.
السيناريو الثالث: وهو سيناريو التقسيم فيتردد حاليا الكلام نفسه الذي قيل قبل استقلال ليبيا العام 51، من حيث أنه لا يمكنها ان تتوحد إلا في ظل نظام فدرالي، يحافظ على خصوصية كل إقليم ويعزز من العدالة الاجتماعية في السلطة والنفوذ والموارد المالية وهذه العناصر يطالب بها سكان إقليم برقة بقوة، ومن أسباب تعطل الدستور الآن هو أن إقليم برقة يصر على تبني النظام الفدرالي للحد من هيمنة إقليم طرابلس الذي يسيطر على كافة مفاصل الدولة والنفوذ منذ سقوط النظام في فبراير 2011.
وأبعد من ذلك يوجد داخل الإقليم من هم أكثر تشدّدا لدرجة المطالبة بانفصال الإقليم تماما، وإن كانت أقلية قليلة جدا إلا أنهم يستندون إلى أطروحات قد تجد صداها منها أنهم يملكون إنتاج ثلثي النفط الليبي وأن الإقليم يعتبر نفسه هو من حرّر ليبيا من نير الاحتلال الإيطالي ووحدها تحت حكم فدرالي ملكي، وهم من انتفض ضد القذافي وأسقط النظام، وبالتالي يرون أنهم الأحق بالصدارة، وهذا التيار قد يزداد ويمتد بالموازاة مع وجود أصوات أخرى تطالب بالانفصال عن إقليم طرابلس بعد حرب 2019 هناك، وهؤلاء ليسوا من مؤيدي الجيش الليبي ولا إقليم برقة، لكنهم من أنصار النظام السابق ودخلوا الحرب تشفيا في مصراتة والزاوية وطرابلس التي انتفضت وغدرت بالقذافي وأنصاره. وكذلك لنيل نصيبهم من السلطة بعد إضاعتها إثر سقوط النظام. كما توجد مطالب في مصراتة بإقليم خاص، كما يطالب الأمازيغ وهم الفئة الأكثر تطرفا في كل مطالبها بإقامة إقليم لهم.
وعليه بالنسبة لهذا السيناريو نكون امام تفتيت للدولة الليبية، فتصبح هناك أقاليم كثيرة وربما دويلات.

- منذ بداية الأزمة الليبية كانت هناك عديد المبادرات الرامية إلى حلها أو على الأقل التقليل من حدة الاقتتال وتدهور الوضع الأمني خصوصا، ورغم ذلك لم يُتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، ماهي معوقات المسعى في نظرك؟
 نعم هنالك عوائق كثيرة تحوّل دون حل الأزمة وإعادة بناء الدولة الليبية على الأقل في الوقت الراهن، يمكن تقسيمها إلى عوامل أقل ديمومة، وهي رغم ذلك تحديات صعبة منها تسريح الميليشيات المؤدلجة والمناطقية والجهوية التي تسيطر على مفاصل الدولة وتتغذى على الأموال الضخمة في مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وكل الوزارات السيادية هناك بتحالف مناطقي وجهوي في مصراتة والزاوية مع جماعة الاخوان المسلمين المسيطرين على مفاصل الدولة في طرابلس، وكذا تفكيك السلاح وإعادة بناء الجيش والشرطة والمؤسسات الهشة والمتهالكة، وعوامل أكثر ديمومة وهي الجهوي والاثني، أقصد بالاثني الأمازيغ والتوارق والتبو، هذه الإثنيات لها مطالب كبيرة جدا، كالحقوق الثقافية واللغوية حيث قاطعوا مسار إعادة الدستور وبعض الانتخابات، ويعتبر الأمازيغ الأكثر تشددا من حيث المطالب رغم اتفاقهم في بعض المطالب واختلافهم في المطالب والأهداف الأخرى. مع التبو والتوارق.
أما العامل الجهوي، وأقصد به أقاليم ليبيا الثلاثة برقة وفزان وطرابلس، وهو أهم من العامل الاثني بحكم أننا نتحدث عن أقاليم شاسعة وكبيرة، إقليم برقة له ثقله وسكانه وله رصيده تاريخه وموارده الطبيعية، حيث إن ثلثي إنتاج النفط النفطية موجود فيه، ويرى بأن يكون لها ثلث مناصب الدولة والموارد المالية والعدالة التوزيعية. وهذا الثقل السكاني والتاريخي والسياسي والاقتصادي في تنازع شديد منذ استقلال ليبيا مع إقليم طرابلس. ورغم ذلك إذا توافق الشعب الليبي بمعونة المجتمع الدولي ونيته الصادقة في المضي قدما وحيد البلاد وهو ما حدث شكليا في الشهر الماضي من تكوين حكومة وحدة وطنية.

- ذكرت أن لكل من السيناريوهات الثلاثة شواهد ومؤشرات تدعمه، هل يمكن التفصيل فيها؟
 بالنسبة للقوى الاقليمية والدولية هي الأخرى تدفع نحو الوحدة أو التقسيم، وهناك شواهد ومؤشرات كثيرة تدفع نحو هذا السيناريو أو ذاك، نبدأ بمصر: على المستوى الرسمي من أيام المجلس العسكري ثم حكم الاخوان والسيسي كلهم بلسان حال واحد حول وحدة ليبيا ورفض التدخل.
أما تركيا فلها حسابات اقتصادية إذ تبلغ استثماراتها 16 مليار دولار، وتسعى إلى تثبيت أقدامها في ليبيا نظرا لغناها بالنفط، خاصة وانها تستود كل نفطها من الخارج، وتستند أيضا إلى الحقوق التاريخية في ليبيا باعتبارها كانت تحت الحكم العثماني، ولها مليون ليبي من أصول تركية، كما هو الحال في عدد من الدول العربية، وهي ورقة تستعملها، وأعتقد أنها تدفع إلى التقسيم، خاصة وأن لديها أنصار في مصراتة، كما يشير إلى ذلك تدخلها العسكري ودحر قوات الجيش الليبي عن الزحف نحو طرابلس، وغرضها من ذلك هو حماية الحقول النفطية الموجودة في الإقليم، ولو نجحت في ضم المنشآت النفطية فيه فإنها ستدع برقة وشأنها، ولا يهمها أن تكون تحت حكم دولة ليبية موحدة، وقد ذكر غسان سلامة في تصريح له أن مصر وتركيا لم تكونا راضيتين على الاتفاق السياسي الأخير.

- بالنسبة للجزائر، فمن المؤكد أنه ليست لديها أية مصلحة في تقسيم ليبيا، بل تسعى إلى توحيد البلاد وإنهاء الميليشيات والانقسام، وذلك يؤدي إلى تأمين حدودها.
 واتضح ذلك من خلال مبادراتها لرأب الصدع بين الطرفين المتنازعين، وتفكيك الميليشيات وتكوين جيش ليبي والمضي قدما نحو المصالحة الوطنية، إلى جانب اللقاءات والاجتماعات ولجان التنسيق من أجل إنهاء الأزمة في ظل ليبيا موحدة.
أما بالنسبة للدول الغربية فنجد إيطاليا ليست لديها مصلحة في التقسيم، رغم انها تبعيتها للنفط الليبي حيث تستورد ثلث نفطها من ليبيا، كما أن التقسيم سيزيد من معاناة إيطاليا مع الهجرة غير الشرعية لأنها أكبر بلد أوروبي متضرر منها بحكم القرب الجغرافي، أما بريطانيا وفرنسا فأدوارهما مشبوهة منذ تدخلهما في 2011، بريطانيا تدعم الاخوان المسلمين، فيما تدعم فرنسا الجيش الليبي، أما أمريكا فلا مصلحة لها في ليبيا، وغير مهتمة بها سواء من حيث الموقع أو من حيث النفط، بل تسعى إلى التخلي عن نفط الخليج، بحكم أنها لم تعد بحاجة إلى النفط كما كانت من قبل بفضل اكتشافات النفط الصخري، وتَعتَبر أفريقيا منطقة نفوذ أوروبي، كما أنها معنية فقط بالقضاء على الجماعات الإرهابية، لكنها تدخلت فقط خوفا من تمدد روسيا في المنطقة، هو سبب غضها الطرف عن التدخل العسكري التركي في ليبيا.
 أما شواهد الدفع نحو الانقسام فهي: لو كانت هذه القوى فعلا صادقة في إعادة بناء الدولة لقامت بدعم الدولة الهشّة بعد إسقاط النظام الذي سقطت بعده الدولة، ورغم ذلك لم تقدم هذه الدول دعما لبناء جيش لا حتى الحد من تدخل القوى الإقليمية والغربية والتدخل العسكري في ليبيا، وهذا يعزز الانقسام واستمرار الحرب.
الشاهد الآخر هو عدم القضاء على الميليشيات بعد الاحتراب في 2014 إثر الانتخابات التشريعية التي أدت إلى انقسام سياسي أنعكس في مواجهة عسكرية في الميدان، فلم توقف الميليشيات عن حمل السلاح بل اكتفت بمبعوث أممي جديد، ولم يمنع الحكومات المتتالية الانقاذ والوفاق من ادخال الجرافات والسلاح عبر الموانئ الليبية، كما أن المجتمع الدولي لم يوقف الجيش الليبي من التمدد على الشرق الليبي والسيطرة على خليج سيرت والجنوب الليبي، وكأن المجتمع الدولي يسعى إلى مزيد من التشظي والحرب وإرهاق كلا الطرفين حتى يصلا إلى مرحلة تفرض فيها المجتمع الدولي ما يريده على الأطراف المتنازعة.
 أيضا تماطل حلف الأطلسي في القضاء على كتائب القذافي لـ8 أشهر سمح بتغول الميليشيا وحدوث كوارث في الغرب الليبي. كما قدمت الأمم المتحدة خطة عن طريق المبعوث الأممي الأسبق عبد الإله الخطيب مفادها بقاء خط التقسيم الموجود حاليا: مناهضو القذافي مرابطون في بريقة في الخليج النفطي وقوات كتائب القذافي مرابطة في سيرت، على اعتبار أن إقليم برقة مناهض للقذافي وطرابلس مؤيد للقذافي، لكن ظهور انتفاضة الزنتان والزاوية ومصراتة وطرابلس أفشل المشروع، ولولا انتفاضة هذه المدن الكبيرة والمؤثرة لفُعّل التقسيم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024