وضع لوح تذكاري بالمبنى الذي جرت فيه مفاوضات إيفيان “لي روس” غايتي
تؤمن السيدة قنصل الجزائر ببزونسون الفرنسية بأن الجزائريين في المهجر لم ينقطعوا عن وطنهم الأم، وبأن من واجبها كقنصل أن تظهر للعالم وجه الجزائر المشرق، ومن واجبها كجامعية الحفاظ على الموضوعية والرؤية النقدية. ومن واجبها كامرأة أن الكفاءة وتحمّل المسؤولية ليسا مرتبطين بالجنس أو اللغة أو الانتماء.. التقتها “الشعب” بمقر القنصلية، وأجرت معها هذا الحوار.
الشعب: في البداية كيف ترون مهمة القنصل وبالأخص في فرنسا حيث تتواجد أكبر جالية جزائرية في المهجر؟
السيدة عائشة كسول: أعتقد أن الأهم في المهمة القنصلية ليس فقط إصدار الوثائق وجوازات السفر التي لا ننكر أهميتها، ولكن مهمة القنصل الحقيقية تكمن في إشعاع الجزائر في المنطقة التي يتم إرسال القنصل إليها. يجب التعريف بالجزائر، بثقافتها، بتاريخها، والبداية تكون بجاليتنا، لأنه في السنة الأولى التي قدمت فيها، لاحظت باندهاش وجود مجموعة من الجزائريين يدقون أبواب القنصلية ويتساءلون لماذا هي موصدة في ذكرى مثل عيد الاستقلال، ولاحظت كيف أن الناس هنا متعطشون إلى معرفة تاريخهم وماضي أمتهم. يجب على الناس هنا أن يتعرفوا على الأقل على المحطات الكبرى في تاريخنا، الخامس جويلية، الفاتح نوفمبر، 17 أكتوبر 1961 التي هي ذكرى مهمة هنا ما زال كثير من الجزائريين في فرنسا يتذكرونها بمرارة لأنهم عانوا كثيرا في مثل ذلك اليوم، وهو ما عملنا عليه من خلال اللوح التذكاري الخاص بهذه الذكرى، الذي تمّ وضعه سنة 2011، ويمكن اعتبار هذا الأمر انتصارا للجزائر بالعمل على أن تتذكر فرنسا مثل هذه المحطات المؤلمة في تاريخ البلدين المشترك.
أما ما أسعى إليه حاليا فهو وضع لوح تذكاري بالمبنى الذي احتضن مفاوضات إيفيان بمنطقة “لي روس les Rousses” قرب الحدود السويسرية، وهو ما نعمل عليه بمعية رئيس بلدية لي روس (وهو من اليسار)، وكذا مع حاكم الولاية، من أجل أن تتذكر فرنسا هذه التواريخ الهامة.. إذن فمهمة القنصل لا تتوقف في شقها الإداري، بل هناك الجانب الثقافي، والتعريف بالجزائر في أبهى صورها، ورونق جمالها، ولم لا يكون هذا من خلال جاليتنا الجزائرية التي يحمل غالبية أفرادها الجنسية المزدوجة.
كفاءات تنتظر
على ذكر جاليتنا.. كيف ترون الإضافة التي يمكن أن تقدمها هذه الأخيرة لمسار التنمية بالجزائر خاصة مع دعوات السلطات من أجل اندماجها في المشاريع والبرامج؟
أعتقد أن هناك كفاءات جدّ معتبرة، وموارد وطنية هامة في أوساط جاليتنا بفرنسا، ومن بين هذه الموارد نجد شخصيات ملتزمة ومؤمنة بوضع قدراتها وكفاءتها في خدمة الجزائر.. المشكلة هي في إيجاد الطريق المؤدي إلى نجاح هذه المشاريع، وأعتقد أن المسألة متعلقة بالتنظيم والمنهجية أكثر منها بالإرادة.. فمن الطرف الجزائري نجد الإرادة السياسية متوفرة، وهي موجودة أيضا هنا بين أفراد جاليتنا، وهو ما أعرب عنه كثير منهم، ولكن الأهم هو كيف نجد التقاطع بين هذه الإرادة السياسية الجادّة وتلك الإرادات الفردية التي تريد المشاركة في تنمية وطنها الأم. إذن على أي أرضية نعمل على أن تتحقق هذه المشاريع؟ وكيف العمل على أن تحسّ هذه الكفاءات بأنها ذات فائدة في خدمتها وطنها، وهو جلّ ما ترغب فيه؟ يجب أن نعترف بأننا مررنا بجانب فرص عديدة دون اغتنامها بالصورة الأمثل، ولكن ما تزال الفرص قائمة من أجل إعادة بعث ديناميكية فعّالة لإنجاح هذه المشاريع.
حينما نعرف بأن امرأة على رأس قنصلية جزائرية بأوروبا نحس بالإعجاب، ولا ريب بأن هذا يندرج ضمن سياسة الجزائر في تفعيل دور المرأة.. ماذا تقولين للنساء اللواتي قد يتوجسن خيفة من خوض المعترك السياسي أو اعتلاء المناصب الهامة؟
أعتقد بأن النساء لا يحسسن بأي خوف. أنا لا أفرّق كثيرا بين إمكانيات الرجال والنساء، وأؤمن بأننا بشر بقدرات وكفاءات وشهادات متكافئة، إذن لنعط الفرصة للمرأة.. في السنة التي قدمت فيها إلى فرنسا كنا 4 نساء يتمّ تعيينهن كقنصل وقنصل عام بفرنسا وإسبانيا، وأنا هنا أدعو إلى تقييم مسارنا بعد 3 سنوات ونصف، ولنرَ ما هي حصيلة كل واحدة منا بكل موضوعية وشفافية.. هنالك نقاط إيجابية وسلبية في كل حصيلة، إذن لنقم بذلك بمساواة مع الرجال، دونما تمييز أو مفاضلة، وإذا نجحنا في مهمتها فنحن بذلك قد نجحنا في الجزء الخاص بمهمتنا الإنسانية.. أعتقد أن ما هو مهم بالنسبة لنا نحن الجزائريات هو أن نثبت قدرتنا على القيام بعملنا بطريقة جادة وصحيحة دون إعطاء صورة بأننا نقوم بعملنا بشكل أحسن فقط لأننا نساء. لا أميل إلى التفرقة بين قيام المرأة أو الرجل بمهمته، فكل منهما يحاول أن يقوم بعمله بأفضل ما يمكن.. إذن فلنعْطِ كلاًّ فرصته على أساس قدراته، كفاءاته وشهاداته.
الجامعة قاطرة التطور
لنتحدث الآن عن السيدة كسّول الجامعية.. كيف ترون دور الجامعة والمكانة التي يجب أن تتبوأها في السياسات العامة للجزائر؟
الجامعة ورشة كبيرة، ولا يمكن أن أتحدث عن الجامعة في مجملها، ولكن سأتحدث عن الجامعة التي انتميت وأنتمي إليها، وهي كلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر، ولفترة طويلة في قسم اللغة الفرنسية.. أودّ الإشارة هنا إلى أنني أستاذة جامعية منتدبة لهذه المهمة القنصلية، وأنا سعيدة بهذا الانتداب لأنه سمح لي باكتشاف عوالم جديدة، وخلق لدي إحساسا بالفخر والاعتزاز، وإحساسا بأنني ذات فائدة، وهو الأهم في نظري.. وأرى بأن على الجامعة أن تقوم بدورها في بناء الأفكار على أسس علمية سليمة بعيدة عن الاعتبارات التي من شأنها تشتيت المجهود العامّ في إبقاء الجزائر محافظة على استقرارها.
قلتم إنكم مختصة في الأداب.. ما هي نظرتكم لأهمية اللغة في عالمنا المعاصر؟
بالعودة إلى قسم اللغات الذي أنتمي إليه، أودّ القول إن اللغة في عصرنا باتت سلاحا، وأن التحكم في اللغات الأجنبية أمر لا بدّ منه.. أعتقد أن الإشكاليات حول اللغة هي مشاكل زائفة، فالمهم هو الفهم الجيد للعالم، والإدراك الجيّد للأمور في إطار الحقائق الحالية، إذن أن نتحدث بالصينية أو الجاوية أو الألمانية أو أي لغة كانت، فإن المهم هو أن الناس يتفقون على رؤية للعالم وعلى الحقيقة التي نعيشها، والخروج بحصيلة لما هو موجود ومحاولة المضي قدُما نحو الأحسن.. إذا اتفق الجزائريون حول هذه الفكرة، وعلى أنه مهما كانت اللغة، إذا استطعنا الاتفاق حول ما هي الجزائر وما يمكن أن نقوم من أجلها لكي تتبوأ مكانتها بين الأمم، فإننا سنتجاوز الانقسامات الزائفة، لأنني أرى في اللغة مشكلا زائفا يهدف إلى التجزئة أكثر منه إلى لمّ الشمل، مثلا أنا أتفق كثيرا مع معرّبين وأنا المفرنسة، لأننا نتفق على فكرة عليا للجزائر، وصورة كبرى لهذا البلد، وندافع عنها هم بالعربية وأنا بالفرنسية.
هل من كلمة تريد أن تضيفها سيادة القنصل عائشة كسّول في النهاية؟
أودّ أن أقول إنه بعد فترة “الانقطاع” هذه التي أوكِلتُ فيها هذه المهمة، وأنا التي لم أغادر الجزائر كلّ هذه المدة من قبل، حاولتُ أن تكون لدي نظرة مختلفة وأكثر شمولا، وكما هو معروف بالنسبة للباحث الأكاديمي فإن العودة خطوة إلى الوراء تساعد على بناء صورة نقدية أكثر اكتمالا.. وخلصت إلى أن السؤال الأهم الذي يُطرح أمامنا كجزائريين وجزائريات هو أن نعرف ما الذي يمكن أن يقدمه كل واحد منا، وما الذي يمكن أن يفيد به من خلال كفاءته وخبراته، لكي تبقى الجزائر واقفة شامخة، مواصلة مسيرتها في محفل الأمم، ولكي تكون صورة الجزائر الأجمل، وهي بالفعل كذلك، لأننا نحملها في قلبنا ونكن لها أسمى معاني الحب.
عائشة كسّول في سطور
-عائشة كسّول، قنصل الجزائر بمدينة بزونسون الفرنسية منذ ثلاث سنوات ونصف، أستاذة بجامعة الجزائر بكلية الآداب واللغات قسم اللغة الفرنسية قبل أن تنتدب للسلك الدبلوماسي.
- كاتبة لها مجموعة مؤلفات باللغة الفرنسية بين العمل الأكاديمي والرواية، ناهزت الـ12 عملا فرديا جماعيا.
- من مؤلفاتها “الجزائر بالفرنسية في النص” نشرته المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار، “ألبير كامو والقدر الجزائري” الذي نشر في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذا “مولود معمري، الديمقراطي العنيد” من منشورات قصبة.
بزونسون ……… بطاقة تقنية
- تقع المدينة قرب الحدود الفرنسية مع سويسرا وألمانيا، وهي إحدى أكبر المدن الأقرب لمدينة ليون، ثاني أكبر مدن فرنسا.
- تبعد المدينة حوالى 100 كم عن “لي روس les Rousses” أين انعقدت المفاوضات السرية في فيفري 1962 الممهدة لمفاوضات إيفيان الثانية.
- اختيرت كأول مدينة خضراء بفرنسا، ما جعلها من بين الأحسن من حيث نوعية العيش.
- تعتبر مدينة أثرية، بها آثار من الحقبة رومانية ومن العصور الوسطى، وصنفت اليونسكو حصن المدينة ضمن التراث العالمي، كما تحتل المرتبة 12 في فرنسا من حيث المواقع المصنفة.
- هي مسقط رأس الأديب العالمي فيكتور هيجو، وقد ذكرها في أولى قصائد ديوانه “أوراق الخريف”.. كما ذكرها ستاندال في “الأحمر والأسود”، وكذا بالزاك وألكسندر دوما وغيرهم.
- يعتبر الإسلام، على غرار أغلب مدن فرنسا، ثاني الديانات بالمدينة، وبها عدد من المساجد، وأكبر مسجد بها هو بمساهمة جزائرية.. وقد دخل الإسلام المدينة حوالى 1870م.
- تعرف المنطقة بالصناعات الدقيقة والميكروتقنية، على غرار صناعة الساعات، وقد يرجع ذلك إلى قربها من سويسرا.
- يقطن بالمنطقة عدد هام من أفراد الجالية الجزائرية، المغاربية والعربية، منهم كفاءات في الطب والجراحة والعلوم التقنية.