بعد تراجع واستقرار نسبي في عدد الإصابات بكوفيد-19، ها هي الأرقام تعاود الصّعود، وتقترب من 200 حالة يوميا، مع تسجيل ارتفاع طفيف في حالات الوفيات، مؤشّر لا يدعو للاطمئنان على ضوء التراخي واللامبالاة وعدم الالتزام بالتدابير الوقائية، هذا ما أكّده البروفيسور رياض مهياوي عضو اللجنة الوطنية لرصد ومتابعة «كوفيد» في هذا الحوار لـ «الشعب».
- الشعب: تقترب الإصابات مجددا من 200 حالة في اليوم، وفي ظرف وجيز، هل هو مؤشر لموجة ثالثة؟
البروفيسور رياض مهياوي: لسنا في منأى عن موجة ثالثة، بالنظر إلى حالات التراخي والاستهتار وعدم التقيد بالتدابير الصحية، حيث لم يعد الناس يرتدون الكمامات، ولا وجود للتباعد الجسدي، وكأنّ الفيروس قد تم القضاء عليه نهائيا. وهذا خطاء إذ أن ديناميكية هذا الأخير توحي أحيانا أنه سيختفي بعد تراجع الإصابات وتسجيل استقرار في الوضعية الوبائية.
لكنه في الواقع هو في حركية دائمة، ينتقل وينتشر بوتيرة تبدو أسرع، لأنّ الظروف متوفرة تماما لانتشاره، وقد ذكرتها، فالإنسان يساهم في بقاء هذا الفيروس فيصبح أقوى، وأكثر فتكا بالأرواح، والحقيقة أننا لسنا محميين من موجة ثالثة، وممكن أن نتجاوز عتبة الـ 200 ما دامت كل الظروف توحي بذلك.
- لم يمنع عدم فتح المجال الجوي والحدود من تسجيل موجة جديدة، هل ينبغي العودة إلى فرض الحجر مجدّدا على كل قادم من الخارج؟
لا توجد شركات جوية كثيرة دخلت إلى أرض الوطن، وأشير هنا إلى أنّ غلق الحدود قرار صائب جدا، وقد حمانا من الكارثة.
الشيء المطمئن هو أنّنا اكتسبنا خبرة في مكافحة الفيروس، كل يوم تسجل حالات إصابة وحالات شفاء، كما أنّنا نعرف الحالات الأولى للسلالة الجديدة الآتية من الخارج. لذلك لا بد من تطبيق الحجر مجددا على كل من يدخل البلاد على متن الرحلات الجوية، لأن الوضع الوبائي يعرف تطورا خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولذلك أرى أنه من الضروري الصرامة في تطبيق الإجراءات الاحترازية، والتشديد على ذلك، واللجوء إلى تطبيق القانون وفرض العقوبات إذا استلزم الأمر ذلك.
- هل يشير الوضع الوبائي الراهن إلى أنّ الجزائر طورت على غرار أغلب الدول «متحورا خاصا بها»، لاسيما بعد مرور أزيد من سنة على ظهور الوباء بها؟
إلى حد الآن معهد باستور شخّص سلالتين: نيجيرية وبريطانية، والأرقام التي تسجل في الجزائر لا تدل على أن هناك متحور «محلي» جزائري، ولكن كيف نبقي منحنى الإصابات على الأقل مستقرا، من خلال التشخيصات وتطبيق البرتوكول الصحي بحذافيره في كل مكان.
- هل للمستشفيات الإمكانات والقدرة على مواجهة تداعيات ذروة جديدة؟
استطعنا توفير أسرّة، أطباء وشبه الطبيين وجراحين، لابد من التحضير لموجة أخرى، الإمكانات نفسها لكن خبرتنا بالفيروس كبيرة اكتسبناها في مجال المكافحة الوباء منذ أزيد من سنة، وبالتالي الجميع مهيّأ ومستعد لمواجهة أي طارئ.
نعمل على استراتيجية جديدة ضد كوفيد، بحيث نجعل المستشفيات في أريحية، حيث لا تستقبل حالات كورونا إلا تلك التي تعرف تعقيدات على غرار ضيق التنفس الحاد، بينما الحالات الخفيفة نسبيا، يعطى لها الأدوية المناسبة وتعالج في بيوتها، وهذا ما سيخفف كثيرا الضغط على المستشفيات، ويمكن من التكفل الجيد بالحالات المتقدمة من الوباء.
- هل من الضّروري تطبيق القانون والعودة إلى فرض غرامات مالية لفرض الالتزام بالاجراءات الوقائية منها الكمامة والتّباعد؟
أكرّر وأؤكّد أنّ الإجراءات الاحترازية تبقى الوسيلة الوحيدة التي تحمينا من الذروة، لابد من الاستمرار في وضع القناع الواقي، الالتزام بالتباعد الجسدي مع التلقيح بطبيعة الحال، ويبدو أن العودة إلى تطبيق القانون تفرض نفسها، لأنّ هذه اللامبالاة والاستهتار يؤدي إلى وفاة أشخاص، والجزائر تحصي أزيد من 3000 حالة وفاة منذ ظهور الوباء، وهذا وحده كاف لتشديد العقوبة على الرّافضين للتقيد بالبرتوكول الصحي.
- الجارية مهم جدا، خاصة وأنّه سيتم إنجاز مستشفى مغلق مخصص لـ «كوفيد-19»، حسب ما أعلن عنه رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي، هل يعني هذا أنّنا دخلنا زمن الأوبئة؟
بالفعل دخلنا «زمن» الأوبئة، «كوفيد-19» ينبئ بأوبئة أخرى يخبئها المستقبل، وهذا ما يتطلّب مخطّطات ويقظة دائمة، وبالتالي فإنّنا بحاجة إلى مخبر لعلوم الأوبئة، لرصد ومتابعة حركيتها التي تمكن من وضع الإجراءات الاحترازية وتوفير اللقاحات المضادة لها، مع التأكيد على أهمية اللقاحات في التحكم في الوضعية الوبائية.