المختصّ في علم النفس والاقتصاد السّلوكي، لعراب:

الجزائريون عادوا إلى الحياة بسلوكات أنانية وحبّ الذّات

حوار: هيام لعيون

يفسّر، أستاذ متخصّص في علم النفس الاقتصادي والاقتصاد السّلوكي بجامعة الجزائر2 عبد الحليم لعراب، التغيرات الحاصلة في المجتمع الجزائري خلال السنتين الأخيرتين موازاة وأزمة كورونا، بتغيّر الذّهنيات والسلوكيات بسبب الخوف والهلع من الفيروس المستجدّ خلال السنة الأولى، والذي نتج عنه أنانية كبيرة سواء لدى المستهلك أو التّاجر، وبات الكلّ يبحث عن مصلحته المادية فقط، ويرى المختصّ أن الجزائريين اليوم عادوا إلى الحياة وبقوّة، بعدما تلاشى الخوف من الوباء، لكن بسلوكات طغت عليها الأنانية وحبّ الذات.

- «الشعب ويكاند»: يحلّ علينا شهر رمضان للمرة الثّانية، ونحن نعيش أزمة صحيّة، أخلطت المفاهيم وقلبت الموازين الاجتماعية، كيف تقيّم سلوكات الجزائريين في هذه الفترة؟

 عبد الحليم لعراب: أولا، نرى في الشوارع والمقاهي وفي كلّ أماكن العمل  الجزائريون، وقد تخلّوا عن البروتوكول الصّحي، وتقريبا بقيت المساجد المكان الوحيد الذي تُحترم فيه الإجراءات الصحية من التباعد والتعقيم وارتداء الكمامات.
ونشهد انطلاقا كليا للحياة، بعد ما عشناه السنة الماضية من خوف وهلع من الفيروس الذي انجرّ عنه التباعد الذي أحدثته الأزمة الصحية، وخلّف تغييرا وتأثيرا كبيرين في نفسيات وذهنيات الفرد الجزائري، الذي انغلق على نفسه تماما.
أما اليوم  فنشهد العودة إلى الحياة، فالجزائريين رموا وراء ظهورهم الخوف من الإصابة بالوباء، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية أثّرت كثيرا على العائلات الجزائرية، على مختلف مستوياتها، فنجدها تخلّت عن امتيازات وكماليات كانت تدرجها في خانة الضروريات.
وتضطر اليوم إلى الاكتفاء بالأمور الضرورية فقط، نظرا لتراجع المداخيل بفعل فقدان ألاف الأشخاص لمناصب عملهم، ففي السنة الماضية من هذا الوقت كنّا جميعا ننتظر يوميا أخبار الكورونا عالميا وداخليا، بترقب وخوف شديدين، أما اليوم نشهد الـتأقلم السريع للجزائريين مع الأزمة الصحية.

- قلتم إن الخوف من الوباء قد ولّى، لكننا بالمقابل نشهد مظاهر الغلاء والندرة في السوق، ففي السنة الماضية عشنا أزمة السّميد، وحاليا أزمة الزيت.. كيف تفسّر ذلك؟
 فعلا، أعتقد أنها أمور مفتعلة من قبل الفاعلين في السوق، خاصة وأن الدولة أرادت أن تضرب بعصا على المضاربين، وحدثت أزمة الغلاء والندرة التي يفسرها اقتصاديون أكثر.
أما من الجانب الاجتماعي فأرى أن سلوكات الفرد الجزائري  مستهلكين وتجار قد تغيّرت، فلجوء الأخير إلى تكديس المواد الغذائية، حتّى ولو كان مصيرها المزابل بعد فسادها، يشير إلى أن المستهلك يريد تأمين حياة عائلته، خاصة وأن المادتين أساسيتين في المطبخ الجزائري، وخوفا من استفحال وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
وتدخل الإشاعة على الخطّ لتغذّي مثل هذه الظواهر، وتحدث اللهفة والطوابير، فالمستهلك ضحية التجار الذين يهمهم المال، لذلك أقول وأكرر أن سلوكات الفرد الجزائري تغيرت، ونحن اليوم نعيش  الاقتصاد الكلاسيكي الذي يجعل الإنسان اقتصادي محض، بمعنى لا يهمه إلا المادة، ولا يبحث إلا عن مصلحته على حساب غيره.
واذا انطلقنا من النظرية الكلاسيكية، التي تقول إنّ الإنسان اقتصادي قبل كلّ شيء، فإن الدراسات أثبتت من خلال التجارب الاقتصادية، أنّ الإنسان ليس عقلاني، ولا هو راشد في تصرّفاته، بمعنى أنه يتأثر بعوامل نفسية مثل التصورات والإدراكات والاتجاهات، وهي عوامل ذاتية للإنسان، قد تؤثر في اتخاذ قراراته وتفضيلاته ورغباته من حيث الاستهلاك.
أمّا الجانب الثاني فيتمثل في العوامل الخارجية مثل الأسرة التي قد توجّه سلوك الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية التي تقوم بتعليم الإنسان سلوكه من سنّ الطفولة إلى الرّشد.
ونحن اليوم في شهر رمضان الذي يحلّ علينا للمرة الثانية ونحن نواجه أزمة كورونا، ولا تزال نفس السّلوكيات من استمرار التبذير في ظلّ غياب الوازع الدّيني، ونحن نعلم جميعا أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير قدوة لنا في الاستهلاك، كيف كان يتعامل مع أسرته، كيف يأكل ويشرب وكيف ينام، وهو خير نموذج، فلماذا لا نتبعه؟ لذلك إذا أردنا أن نسوّي سلوك الفرد، فلابد أن نأخذ بعين الإعتبار هذا الجانب.  

- ماذا عن تواصل جشع التجار لثاني رمضان، خلال الأزمة الصحية التي تضرب العالم؟
 هم يؤمنون أنّ الربح السريع هل الحلّ، فتواصلت مظاهر الجشع من رفع الأسعار وفقدانها في المحلات التجارية لإحداث الندرة ، فسلوكيات التجار تغيّرت  كثيرا  مقارنة مع السنوات الماضية ،  حيث كان الوازع الديني يؤدي دورا كثيرا ، وكان الاكتفاء والقناعة سمتان تميزان الفرد، بينما خلال الأزمة الوبائية أصبح همّ التاجر الوحيد جمع المال، متناسيا «البركة»، بدليل أن عمال يتقاضون أجرا زهيدا غير أنهم يعيشون في صحة وهناء، لماذا؟ لأنها البركة.

-  في رأيكم ما سبّب استمرار ظاهرة التّبذير وتخزين السلع في المنازل، وهو ما حدث خلال أزمتي  الزيت والسّميد؟
 لأن الإنسان غير عقلاني، بدليل أنه يتبع شهواته، والشّرع حدّد أن نأكل ما نحتاج فقط، وما حدث ويحدث يعود لغياب التوازن، والسؤال المطروح كيف نستطيع إعادة هذا التوازن من خلال سدّ الحاجة فقط، وليس تحميل الجسم فوق طاقته البشرية، فلو كان الإنسان يعلم أنّ المأكولات تؤثّر في صحته لما تجرّأ على ذلك.
 فالمشكل أنهم يعتقدون أنّ الإنسان عندما يمسك طوال النهار يفقد حريرات، ولابد من أن يجلب غذاء كبيرا يسدّ ما فقده خلال النهار، وهذا أمر خاطئ لأنه ثبت حديثا أن الصوم يعتبر شفاء ودواء للانسان بدليل أن الخلايا السرطانية تتغذى من المواد السّكرية، والصوم يقلّلها، لهذا ينصحون به اليوم في الغرب كنوع من أنواع العلاج.

* لماذا تغيرت سلوكات الجزائريين بالرّغم من تحسّن الظروف المادية؟
** لوجود عوامل داخلية وخارجية، فالأولى تتمثل في تصوّرات الفرد للطعام كتصورات الفرد للمال، فلو سألناه عن تصوراته للأخير، سيجيبك أنه السعادة والرّفاه والفخر والجنة وغيرها، فيما أن تتغيّر التصورات من فرد إلى آخر فقد يرى أن الطعام هو السعادة، النفس البشرية تميل إلى التّنوع.
في القديم لم يكن هناك تنوّع في المأكولات، واليوم ومع التسويق الذي يستهدف الترويج للمنتوجات من أجل جلب عدد أكبر من المستهلكين، و تلبية حاجيات الأشخاص، وفي نظري فإن التسويق استغل الفروق الفردية من أجل التنويع في المنتجات، علما أن الإنسان يميل كثيرا إلى التنويع، قديما كانت هناك مؤسسة منتجة واحدة لكل أنواع الصّابون كمثال، وبالتالي لم تكن لدينا حريّة الاختيار.
أما اليوم وبعد التوسّع والانفتاح على السوق العالمي والإشهار، يضطرّ المستهلك إلى تجريب كل المنتجات المعروضة، ما يؤدي إلى التبذير، أما ظاهرة التخزين فيؤثر فيها عوامل كثيرة من اضطرابات اقتصادية، انتشار إشاعات، خوف من العودة إلى حقبة ما، أضف إلى أنانية المستهلك، المهم بالنسبة له تلبية حاجياته ولا يهمه غيره، وهي أيضا مظاهر جديدة التصقت بالمستهلك الجزائري الذي كان يتضامن فيما بينه وبيته مفتوح للجميع، وأعتقد أن أزمة كورونا أثرت كثيرا على تلك السلوكيات وأحدثت الأنانيات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024