تطوير البنية الأساسية لتقنيات المعلومات والاتصال أولى المحطات
المواطنة التشاركية أساس تجسيد أي استراتيجية تنموية رقمية
يفرض الانتقال الطاقوي، الانتقال إلى المعيشة الذكية التي تترجم في مدينة بيئة باستخدام الطاقات الجديدة والمتجددة وبيئة رقمية ترتكز أساسا على تطور البنية الأساسية لتقنيات المعلومات والاتصال ما يقودنا بالضرورة إلى المدن الذكية التي ما تزال بالجزائر حلما لا يبارح الخيال رغم المشاريع الطموحة التي وضعت منذ سنوات من أجل جعل حياة المواطن أفضل، وإصرار صناع القرار على وجود إرادة لتجسيد ذلك على أرض الواقع بداية بالعاصمة.
غير أن ذلك يتطلب وجود وعي حقيقي بماهية الذكاء الرقمي والذي يحتاج لتقنيات وبرمجيات وقبلهما ثقافة مواطن تقبل للرقمية ويتحلى بالمسؤولية خارج عتبة منزله، وهو ما ناقشته «الشعب ويكاند» مع د. مصطفى حاتي المتخصص في الطاقات الجديدة والمتجدّدة الذي ركز على أهمية المواطنة التشاركية في تجسيد أي استراتيجية تنموية رقمية بعيدة عن أي منظور أحادي يكون فيها المواطن محور العملية والأداء..
- الشعب ويكاند»: الانتقال الطاقوي يحتّم التفكير في المدن الذكية والتأسيس لمجتمع رقمي، كيف ترون ذلك؟
بالفعل الحديث عن الانتقال الطاقوي يقودنا إلى التفكير في المدن الذكية باعتبار أن الطاقات الجديدة والمتجددة هي محور هذا التحول، ما يسمح ببناء مجتمع معلوماتي لمراقبة استهلاك الطاقة والتكيف مع التكنولوجيات الحديثة للطاقات المتجددة في الحياة اليومية لأن المرور نحو هذا النوع من الطاقات صعب، لكنه ممكن إذا ما انخرط المواطن، في هذه المقاربة خاصة وأن أكبر استهلاك يسجل على مستوى السكنات، وبالتالي فهو المعني بهذه الخطوة والمستفيد الأول من التوّجه نحو الطاقات المتجددة كخيار ضروري يفرض نفسه قبل الدولة.
اليوم ما يهمنا هو ترسيخ ثقافة استهلاكية وحس مواطنة لدى الجزائري، فلم يعد الأمر يقتصر فقط على تسديد الفاتورة، بل يجب أن ينخرط في مسعى اقتصاد الطاقة من خلال التعرف على طريقة استهلاكه وكميته وكيفيته حتى لا يضيع استهلاكه سواء عن طريق التبذير أو عن عدم معرفة.
وبالتالي فالهدف من المدن الذكية المصغرة هو المساهمة في خلق هذا النوع من الاطلاع الدقيق عن الاستهلاك للطاقة لدى المواطن بداية بناء على معطيات وبيانات بحيث يتحول الى الاستهلاك المدروس، ليتكيف فيما بعد مع الواقع الجديد والذهاب إلى أبعد من ذلك خاصة ما تعلق باقتناء تجهيزات مقتصدة للطاقة سيما منها الالكترونية وخلق ثقافة سلوكية يومية جديدة.
- هل ترى أن الذهاب إلى المدن الذكية الرقمية أصبح ضرورة؟
بالفعل الذهاب الى المدن الذكية أصبح أكثر من ضرورة وذلك تماشيا مع خيار الانتقال الطاقوي الذي تعتزم الجزائر المضي فيه، وذلك لأن هذا المسعى لا يكون فقط بالتحول في الإنتاج من أجل تلبية الحاجيات الوطنية المتزايدة سواء على الصعيد المؤسساتي أو المواطن، بل أيضا في الاستهلاك الذي يجب أن يكون ذكيا أيضا واقتصاديا هو الآخر بحيث أن كيفية تسيير وتوزيع هذه الطاقة المتجددة المنتجة تفرض أيضا الحفاظ عليها من الضياع والتبذير بالاستهلاك المدروس.
ولدينا في العالم أمثلة كثيرة عن التحول الرقمي وليس فقط على الصعيد المجتمعي، بل حتى على المستوى المؤسساتي، فمثلا محافظة الطاقة النووية بفرنسا على مدار 30 سنة عملت على تحول تدريجي ملفت للانتباه إلى محافظة الطاقة المتجددة، وهذا التحول لم يأت عن طريق الصدفة، بل جاء كخيار مدروس للحفاظ على خبرتها في المجال وتوفيرها وتوظيفها في الطاقات المتجددة، حتى تلبي حاجياتها المتزايدة، وكذا تخفف من أضرار الطاقة النووية على البيئة.
- هل تتوفر الجزائر على شروط ومقوّمات إيكولوجية لإنشاء المدن الذكية؟
المدن الذكية موجودة حول العالم، منذ التسعينات بما فيها إفريقيا التي تحصي حوالي 50 مدينة، ونفس الأمر بالنسبة لجيراننا تونس والمغرب، في حين أن الجزائر ما تزال متأخرة رغم إطلاق بعض المشاريع المحتشمة التي فشلت قبل أن ترى النور.
والمعلوم لدى الخاص والعام أن المدينة الذكية تتطلب أولا توفر شبكة أنترنت عالية التدفق و رقمنة المؤسسات، ما سيؤدي بالضرورة إلى خلق استثمارات ذكية متصلة بالبنية التحتية والخدمات، لأنها في الأساس تستخدم حلولا مبتكرة تساعد على جعل حياة وبيئة الإنسان أفضل من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ونشير أن مفهوم المدينة الذكية يجب أن لا يكون بالمنظور الأحادي، بل يجب أن يكون مقترنا بالمواطنة التشاركية، ولهذا فإننا كمواطنين يجب أن ندرك أهمية هذا التوجه ودورنا في تحقيق هكذا نوع من المشاريع الرقمية لأن سلوكاتنا اليومية المسؤولة تجاه المحيط الذي نعيش فيه تصنع الفارق، ولقد أثبتت التجارب العالمية هذه المقاربة.
ويمكن البدء بالنسبة للجزائر بالمدن السياحية، ففي هذا الإطار كان لدينا عدة اجتماعات ورفعنا العديد من المقترحات الى المسؤول الأول لولاية تيبازة الذي بدوره أسدى إلينا بجملة من التوصيات أكد فيها ضرورة الاستثمار في هذا الخصوص في المجال السياحي والفلاحي.
والمقصود هنا أن انشاء المدن الذكية يكون حسب خصوصية كل منطقة حتى نتمكن من استغلال الإمكانيات التي تتوفر عليها بما يعود عليها بالفائدة دون استهلاك كبير للطاقة وأيضا دون الإضرار بالبيئة، فيراعى في إنشائها الجانب الاقتصادي والإيكولوجي على حد السواء.
وبالتالي لا يمكن إنشاؤها حسب الطلب، فمثلا يمكن بناء مدن مصغرة لكن سنجدها تفتقد لروح المدن الذكية، لأنها لا تتوافر على المعايير ما يؤكد أن الأمر لا يمكن اعطاؤه لغير أهله، لأن البنية التحتية للمدن الذكية لها خصوصية معينة، حيث يجب أن تستند بالأساس على تقنيات المعلومات والاتصالات وتمس العديد من النقاط التي تؤسس لها من بيئة وحكومة ذكية ومجتمع رقمي، مع العلم أنه هناك إمكانية لتحويل المدن العادية الحالية الى مدن ذكية إذا ما توّفرت الإرادة لتجسيد ذلك.
ولهذا تم وضع 15 معيارا لتصنيف المدن الذكية بشكل يجعلها تستشرف المستقبل على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، منها النجاعة الطاقوية التي تعتمد على الطاقات الجديدة والمتجددة ومختلف الحلول التكنولوجية المستخدمة في هذا الخصوص، ناهيك عن مجتمع ذكي من خلال استخدام تطبيقات التقنيات والمعلومات يستوعبها لتجنب الفراغ الرقمي تتوفر فيه ثقافة الإبداع والابتكار سواء لدى الأفراد أو المؤسسات، يتم من خلالها تقديم الخدمات من المؤسسات التعليمية التي تقدم التعليم عن بعد مثلا .
الى جانب الانتقال إلى المعيشة الذكية التي تضم مجموعة من الأنظمة والنشاطات التي من شأنها أن تجعل حياة المواطن ذات نوعية جيدة في كل المجالات سيما المنظومة الصحية، الحركة الذكية أي النقل وكذا المياه والصرف الصحي، بداية باستهلاك الماء وإعادة تدوير استخدامه للحفاظ على مصادر المياه الطبيعية وضمان استدامتها إلى غاية الوصول إلى الاقتصاد الذكي سواء تعلق الأمر بالتجارة أو السياحة أو الخدمات الالكترونية.
^ هل هناك مشاريع نموذجية بالجزائر ترقى لأن تكون مدنا ذكية؟
^^ بالفعل كانت هناك مبادرات محتشمة، لكنها فشلت لأنها كانت تفتقد لمحور المواطنة التشاركية، والإرادة لدى صناع القرار لا تكفي وحدها فلابد من إدراكهم لأهمية هذا الخيار وتوّجهاته، كما يتعين على الإطارات الفاعلة والقائمة على هذا المجال أن تكون واعية بأبعاده وتنخرط في هذا المسعى وتتشبع بهذا الفكر الرقمي الذكي من أجل تحقيق نهضة حقيقية ومستدامة.
ومن بين هذه المشاريع ترشيح الجزائر العاصمة لتحويلها إلى مدينة ذكية، حيث كان احتضانها للندوة الدولية للمدن الذكية في 2018، فرصة لرسم تصوّر من أجل تحقيق هذا المسعى، وللأسف كان يفتقد الى الجمع بن الفواعل المتدّخلة من إدارة محلية، أصحاب رؤوس الأموال من مقاولين ورجال الأعمال وأخيرا النخبة المحلية والجامعيين، ولكن تم تغييب العنصر الأخير من هذا التصوّر ما جعل هذا المشرّع يفشل لأنه تم الاقتصار فقط على الادارة المحلية والاقتصاديين إلى جانب أن المواطن لم يندمج في هذا التوجه.
ولهذا أرى أن ولاية وهران هي من تصلح لأن تكون مدينة ذكية باعتبارها مدينة اقتصادية وتتوفر على بنية تحتية قوّية وقابلة للتطوير والتوسيع، ناهيك عن امتلاكها لشبكة فنادق من الطراز العالمي التي تعتمد على الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة، وبالتالي فهي تتوفر على الكثير من المعايير المطلوبة في المدن الذكية ويمكن أن نحذو بخصوصها حذو إسبانيا التي جعلت من برشلونة مدينة ذكية بعد أن احتضنت الألعاب الأولمبية واستفادتها من بنية تحتية حديثة، في حين بقيت مدريد مدينة عادية.
- وعلى المستوى المحلي، هل يمكن استهداف مناطق أو قطاعات محدّدة لإذكائها وجعل المواطن شريكا فيها؟
وعلى المستوى المحلي سأتحدث على ولايتي باعتباري رئيس جمعية تيبازة «سمارت سيتي» وحامل لمشروع، سنبدأ بثلاثة مشاريع نموذجية تمس الحياة اليومية للمواطن، بداية بالنقل في المحيط الحضري للمدينة، حيث سيتم اعتماد نفس النموذج الإعلاني المعتمد في الترامواي في عرض التاريخ، الوقت المحدد لوصول الحافلة واقلاعها، و سيتم العمل على استمرار العملية لمدة زمنية من أجل زرع الثقة لدى المواطن في التكنولوجيات الحديثة وتطبيقاتها الذكية التي ستكون محصّلة هذا التعامل لنؤسس معا لحركة نقل ذكية.
كما نحضر لتطوير تطبيق للتبليغ عن أي ضرر يلحق بطرق المدينة على غرار الحفر مثلا، من خلال تصويرها وتحديد الموقع وإرسالها للجهات المعنية حتى تتدخل في وقت قياسي سواء بالمعاينة أو الصيانة، وبذلك نجعل المواطن شريك بطريقة غير مباشرة في العملية من خلال الاستثمار في حسه المواطناتي.
ونفس الأمر بالنسبة للنفايات فبعد زرع الثقة في التكنولوجيات يمكن التحكم في عمر بقائها في المحيط الحضري الذي يجب أن لا يتجاوز ربع ساعة، من خلال تحديد وقت رميها الذي يجب أن يتماشى مع ساعات مرور شاحنات رفع القمامة، وفي حال عدم احترام الوقت المحدد ساعتها يمكن فرض عقوبة على المواطن مستقبلا، لكن يجب أولا الترسيخ لهكذا سلوكات حضارية.
- ماهي ايجابيات المدن الذكية التي تجعل منها مشروعا واجب التجسيد في الواقع؟
فوائد المدن الذكية كثيرة يمكن لمسها مباشرة في الجانب الاجتماعي للمواطن ومحيطه الذي يعيش فيه حيث تؤدي بالضرورة إلى تحقيق حياة سعيدة وآمنة وتحسن من جودتها في الخدمات المقدمة لهم، سيما في القطاعات الحيوية مثل النقل والاتصالات والصحة والتعليم وغيرها، بالإضافة إلى الحفاظ على البيئة وتعزيز مشاركة المواطن في ذلك.
وفي الجانب الاقتصادي فإن المدن الذكية تعتمد على الاقتصاد الصناعي الذي يشكل فيه الابتكار عصب حياته وأساس قيامه، ما يعني جلب الاستثمارات في مجال انتاج الطاقات المتجددة والحلول التكنولوجية في هذا المجال، وتغيير طريقة التفكير في استهلاك الطاقة، من اقتصاد، وتخفيف من التكاليف واختصار الوقت، ما من شأنه إرساء قواعد الاقتصاد الرقمي.