عبد القادر سوفي خبير في الشّؤون الدولية لــ «الشعب ويكاند»:

التّواجد الإرهابي بمنطقة السّاحل يندرج ضمن الحروب الجديدة

حوار: فضيلة بودريش

بالكثير من الدقّة والتّحليل المعمّق، قدّم الدكتور عبد القادر سوفي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رؤيته المبنية على معطيات  واقعية ومتغيّرات تشهدها منطقة الساحل، وانطلاقا من نتائج آخر قمة لمجموعة الخمس بمنطقة الساحل وكذا فرنسا، ويرى أنّ المقاربة الحقيقة لبناء السّلم والقضاء على بؤر التوتر بهذه المنطقة الغنية بالثّروات الباطنية، يمكن الأخذ فيها بعين الاعتبار مجموعة من التغيرات الحقيقية المتوفّرة على أرض الواقع، من خلال وضع خارطة طريق تجمع بين البعد الاقتصادي، السياسي والاجتماعي، على غرار خارطة الطريق التي وضعتها الجزائر، والذي يعرف بمسار «الجزائر 2015»، حيث مكّنت على ضوئها الشعب المالي من التقارب. وعكف بالموازاة مع ذلك، على تشريح ظاهرة تبني سياسة جديدة تتمثل في تفاوض بعض هذه الدول مع الجماعات الإرهابية.

الشعب ويكاند: عقدت الأيام الماضية قمّة مجموعة الخمس لدول الساحل التي تضم كل من موريتانيا، تشاد، مالي النيجر وبوركينافاسو مع فرنسا..هل تعتقدون أن تطهير المنطقة من الإرهاب بات قريبا زمنيا؟
 الأستاذ عبد القادر سوفي: أعتقد أنّ انعقاد قمّة مجموعة خمس دول للساحل التي ترأّستها فرنسا، جاء لإعادة مجموعة من الاعتبارات الإستراتجية والتكتيكية التي تقوم بها فرنسا من أجل الإبقاء على مصالحها، خاصة بعد تراجع الدعم الأمريكي اللوجستي والاستخباراتي لها، ممّا أثّر على تواجدها كثيرا، وربما كانت قد أعلنت في وقت سابق عن نيّتها في الخروج من هذه المنطقة من خلال ما يسمى بعملية «برخان»، لكن قبل الاسترسال في هذه المسألة، يمكن القول أن هناك من وراء مجموعة خمسة زائد واحد أو عملية «برخان» ما هو معلن وما هو خفي، وربما المعلن يتمثل في العام والخاص أو بناء قوّة مشتركة خماسية لمنطقة الساحل، الهدف منها مواجهة هذه الدول للعديد من التحديات.
علما أنّ أهم تحدي الذي تتحدّث عنه يتمثل في التهديد الإرهابي بالإضافة إلى الجريمة المنظمة، لكن نفس الهدف المعلن بالنسبة لعملية «برخان» التي تعد امتدادا لعمليتي «صقر» التي أنشئت في تشاد، ثم تحولت فيما بعد إلى مالي تحت اسم «سرفان،» بينما أصبحت لاحقا عملية «برخان»، وكلها في حقيقة الأمر عمليات عسكرية. وهنا بالعودة إلى الهدف الحقيقي ومضمون هذه العمليات يمكن الوقوف بالدرجة الأولى على تحقيق مصالح فرنسا التي تحددها الشركات الكبرى سواء كانت «فيرا» أو «توتال» في المنطقة، لما تكتسيه هذه المنطقة أي الساحل من ثروات حيث تفوق مساحتها 6 ملايين كيلومتر مربع، ويمكن كذلك إيعاز الأمر إلى ربما وجود رغبة في تحقيق تواجد يمنع طفرة في التواصل الجزائري النيجيري الإفريقي في عملية بناء استراتيجي إفريقي محضة مائة بالمائة.
ويقودنا الحديث عن هذه المسألة في الخوض حول الزخم والتواجد الكبير للعديد من الدول في المنطقة مع عودة المصلحة الأمريكية دون المناولة الفرنسية، من جهة، ودخول روسيا والصين للمنطقة وتحقيق بعض الامتيازات من خلال الشركات الصينية التي تنقب عن البترول والغاز والمعادن، وكذا إستراتيجية «طريق واحد حزام واحد» التي تجعل من الجزائر شريكا استراتيجيا وتمر عبر منطقة الساحل، وأيضا صار ربما الاتحاد الأوروبي وألمانيا التي تعتبر القاطرة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي فيما تكون فرنسا القاطرة السياسية، ترى أن فرنسا تراوغ من خلال الشراكة الاورو-متوسطية، حيث أنها تنفرد بكونها المستعمر التقليدي وامتيازات لا تتقاسمها مع الاتحاد الأوروبي.
لذلك ظهر تحالف آخر سمي بتحالف من أجل منطقة الساحل يضم كل من فرنسا، ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ما يجعله ممثلا في خمسة وعشرين شريكا، فإذا كان الهدف تعزيز مساعدة دول المنطقة بتقديم ربما دعم مالي لتحقيق الاستقرار، فالهدف التموقع وتحقيق بنى تحتية تحقق تواجد الاتحاد الأوروبي وألمانيا لتقاسم المصالح حتى فرنسا تفتح المجال لتجاوز أي اختلاف مع الاتحاد الأوروبي، ولا ينبغي أن ننسى أن هناك أيضا بعثة الأمم المتحدة منذ عام 2017 من أجل عملية السلام.
لكن يجب القول أن ما تقوم به فرنسا أو ما أجبرت عليه أثرت سلبا على إستراتجية «النيباد» التي تنقل الغاز النيجيري عبر منطقة الساحل إلى الجزائر ثم إلى أوروبا، وكذا الطريق الإفريقي سواء البري والمتعلق بالسكك الحديدية ليربط دول الساحل الغربية والشرقية ثم جنوب إفريقيا وكذا الجزائر بالشمال.
وكل هذا من شأنه أن يجعل الدول الإفريقية تتمتّع باستقلالية كبيرة وتقارب من حيث الاندماج والتكامل الاقتصادي، هذا ما يؤثر على مصالح القوى التقليدية، وهنا ينبغي التذكير أن الجزائر كانت سباقة في محاولات بناء السلم والأمن في هذه المنطقة بمعية الاتحاد الإفريقي أو من خلال دول الميدان عبر مسار «تمنراست» في عام 2010 الذي يجمع بين دول المنطقة، وكان الهدف منه القيام بعمل تنسيقي بين كل هذه الدول مع دعم أفراد المجتمعات، وبالإضافة إلى تقديم المعلومات الأساسية التي من شأنها تفعيل عمليات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ودراسة التكتيكات الجديدة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ومع إلزامية تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية في المناطق البعيدة والشمالية على غرار مالي وتشاد، وكذلك التنسيق الحدودي من أجل التصدي لعمليات تهريب الأسلحة، خاصة بعد الانفلات الأمني في ليبيا.
  جاء لاحقا مسار الجزائر 2015، الذي كان خارطة طريق لتقارب الإخوة الفرقاء في مالي لإعادة بناء وتشابك الإخوة فيما بينهم وتقسيم عادل للثروات، وبعث التنمية المحلية في المناطق الشمالية، وان كانت قد تضرّرت بالأبعاد المناخية، إلاّ أنها تسخر بموارد طبيعية مهمة في باطنها، وهذا ما جعلها عرضة للصراعات والتكالب الغربي والتواجد الإرهابي الذي أقدره كامتداد لبعض القوى الكبرى على مفهوم الحروب الجديدة بمفهوم الحروب التماثلية، لأنّ وجود الجماعات الإرهابية يمكن بعض هذه الدول ويمنح لها شرعية التدخل في المناطق، ومن ثم وضع القواعد العسكرية لمراقبة كل المنطقة وجعلها فارغة من التواجد الإنساني واستغلال خيراتها ومثلا مالي تملك حوالي 370 منجم ذهب، ولا تملك احتياطي للذهب، هناك دول لا تملك أي منجم ذهب، وتصنّف ثالث أو رابع أقوى خزّان للذهب حوالي 4 آلاف طن وهذا غير معقول، بل ويؤكّد أنّ العديد من العمليات لم تأتي لخدمة المنطقة بل للإبقاء على مصالح واستمرار التواجد، والإبقاء على الوضع القائم كما هو من دون تغيير.
   
-  هل بإمكان تعزيز الدّعم الدولي أن يعيد الاستقرار للمنطقة؟
 أظن أنّ تعزيز الدعم الدولي إذ كان يهدف إلى إعادة الاستقرار للمنطقة سيكون له ذلك، لكن إذا كانت النّوايا صادقة والإستراتيجية مدروسة، وإلى جانب ذلك تأخذ بعين الاعتبار كل المتغيّرات والمشاكل الحقيقية الموجودة في الميدان، فما ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة أو الهجرة غير الشرعية أو تدفّق الأسلحة إلا امتداد لأسباب خلفية، ونحن في معالجتنا ومكافحة الأزمة لا نبحث في أسباب الأزمة لأنّ الأسباب تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المحلية ومكافحة التصحر ومواجهة التغيرات المناخية التي جعلت من هذه المناطق مناطق تصارع داخلي أولا، ومن أجل الحفاظ على بقاء المجتمعات موحّدة داخل المنطقة، وبالتالي تحقيق هذه القفزة النوعية في البناء الاجتماعي والتطور الاقتصادي مع تحقيق بنية تحتية حقيقية وتمكين الشباب من الوصول لبناء مؤسسات تحقق لهم الاكتفاء الذاتي، لكن أيضا أهم شيء أنّ الدول الإفريقية لها خصوصيات وإمكانيات وقدرات كبيرة، يمكنها في إطار ما يسمى المقايضة بالمنطقة أن تتعاون فيما بينها وتحقيق الكثير من التقدم إذا ما تم إبعاد القواعد العسكرية الغربية التي لا تحقق إلا منفعتها من جهة، وتمكين المجتمع من الوصول لحد أدنى من شروط الحياة.

^ لم تخفّض فرنسا من تواجدها العسكري بمنطقة الساحل كما كان منتظرا..هل هذا يعني أن الوضع الأمني يمكن أن يحمل بعض المفاجآت مستقبلا؟
^^ يمكن القول أنّ المقاربة الحقيقية لبناء السّلم والقضاء على بؤر التوتر بمنطقة الساحل يجب الأخذ فيها بعين الاعتبار مجموعة من التغيرات الحقيقية الموجودة بالميدان، من خلال وضع خارطة طريق تجمع بين البعد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على غرار خارطة الطريق التي وضعتها الجزائر في مسار «الجزائر 2015»، والتي مكّنت الشّعب المالي من التقارب، ورأينا كيف تكتّل جميع الماليين حول هذه الوثيقة، ولأنّهم لمسوا فيها الكثير من الإنصاف والصراحة التي يمكن للدولة في هذه المنطقة أن تتجاوز مشاكلها الداخلية، ويمكن الحديث في ليبيا أنّ خارطة طريق الجزائر التي نرى أن كل الفرقاء الليبيين متمسّكين بها رغم بعض التشويش الخارجي، وهذا بيت القصيد، لأن التشويش الخارجي على الأفراد والجماعات المانع الكبير لتحقيق التكامل.
 
- ما هي المقاربة التي تبني السّلم وتقضي على بؤر التوتر بمنطقة الساحل التي مازالت ثرواتها تسيل لعاب قوى خارجية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الجزائر لتفعيل الحلول السياسية لتسوية الأزمات العالقة؟
 قامت الجزائر ومازالت بدور محوري في المنطقة المباشرة أو على مستوى القارة السمراء وحتى في العديد من القضايا سواء كانت في إفريقيا أو عبر العالم، وهذه المقاربة في الأساس مقاربة سياسية دبلوماسية، لأنّنا نعلم متى تبدأ الحرب لكن لا نعلم متى تنتهي والحلول الحقيقية تلك التي تغلب العقل، وتمكن الجميع في الانغماس في عملية موحدة تخدم مصلحة الجميع، وبالتالي الابتعاد عن الترتيبات والمصالح والرؤى الضيقة، لذلك أعتقد أن خارطة طريق الجزائر بالنسبة لمالي تستطيع أن تكون مرجعية في تسوية العديد من المشاكل والقضاء على بؤر التوتر مع إعطاء الأهمية الكبرى والقصوى للتنمية المحلية التي تبعد الأفراد عن مساومات الجماعات المتطرفة وجماعات الجريمة المنظّمة.

- غيّرت العديد من دول الساحل على غرار مالي وبوركينافاسو من إستراتيجيتها من خلال مفاوضة الإرهابيّين..هل هذا الخيار مقبول بعد الفشل العسكري؟
  أظن أنّ مواقف بعض الدول على غرار مالي وبوركينافاسو في تغيير استراتيجيتها من خلال مفاوضة الجماعات الإرهابية، سواء تعلق الأمر بالرهائن هذا شيء غير مقبول ولا يمكن العمل به.
أما بالحديث والعودة للسؤال ندرك أن فشل فرنسا وتراجعها جعلها تعيد حساباتها من خلال إعادة إستراتجية التفاوض مع الإرهابيين لكن تحت مسمى آخر، لأنّه أحيانا تكون الدولة في مواجهة صعوبات ويأتي القرار فوقيا، لكن الخلفية الحقيقية ليست مفاوضة الإرهاب لأنّ عملية التّفاوض بين رهائن فرنسية وجماعات إرهابية محكوم عليها ومتطرّفة لأكثر من مائة شخص تزج بالمناطق في بؤر التوتر ومع تمكينها من أظرفة مالية أمر لم يسمي نفسه، ولكن ضخ بدماء جديدة وبأموال يتسبّب في إعادة بعث العمليات الإرهابية في المنطقة لا غير، وهذا ما يؤكّد أن الجماعات الإرهابية ليست مستقلّة في عملياتها بل تابعة وتوظّف حسب الحاجة وحسب المصلحة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024