التصـورات المتخيلـة تجــاه الجزائر مختلفة ومتفاوتـــة
انفتــاح المغاربيين على اللغات الأجنبية منحهم مزيـدا مـن المــيزات
المشهـد الجــزائري يبـــدو فريداً ومختلفـا
في هذا الحوار، نحاول قراءة المشهد الثقافي الجزائر من منظور «مشرقي»، مع الكاتب والإعلامي محمود أبو بكر، ونحاول معه قراءة تفاصيل الصورة بعيدا عن النظرة الذاتية التي تختصر كثيرا من التفاصيل اختصارا يكون مخلّا في كثير من الأحيان.
ومحمود أبو بكر، كاتب وإعلامي أريتري الجنسية، ومصري الإقامة، سبق أن عاش في الجزائر، يجيد كثيرا من اللغات وخبير في ثقافات القرن الإفريقي ومصر والسودان واليمن والخليج.
كيف ينظر المشارقة إلى المشهد الجزائري، هل الصورة تبدو أوضح من بعيد؟
لا يمكن اختزال المشارقة ككل في تصور واحد، سيما وان تعريف المشرق واسع ويمتد لأكثر من دولة، كما ان التصورات المتخيلة أو الحقيقية تجاه الجزائر مختلفة ومتفاوتة وفقاً لكل فئة أو شخص.
لكن على العموم في اعتقادي الصورة لم تكن واضحة بشكل كامل، لأسباب كثيرة ومتعددة، قد يكون جزء منها متعلق بالإعلام الجزائري نفسه، فضلا عن الإعلام المشرقي، خاصة المصري، الذي لم يكن يولي أهمية كبيرة، خلال العقود الماضية تجاه قضايا المغرب الكبير ككل، والجزائر بشكل خاص، حيث ظلت الصور النمطية حاضرة بقوة.
الإعلام العربي وبشكل متفاوت ظل يختزل الجزائر في مرحلة الثورة التحريرية وبعض رموزها، وتلك صورة مشرقة لكنها غير مواكبة بشكل كامل للمشهد الثقافي والفكري، وحتى السياسي، ربما تطور الأمر قليلا الآن، حيث ساهمت السماوات المفتوحة، ووسائط التواصل الاجتماعي، في إعادة تشكيل الصورة، وضمنت متابعة لصيقة للأحداث لدى فئات واسعة من الجمهور المشرقي،بعيدا عن قنوات الإنتاج المعرفي والثقافي الرسمية !
هل النظرة القديمة التي تتمثل في ثنائية المشرق والمغرب تلعب دورا في الأمر والتي يلخّصها البعض في مقولة إن المغارب مجرد «صدى للمشرق»؟
اعتقد أن تلك النظرة تلاشت بشكل كبير، كما ذكرت سابقا، ذلك نتيجة التداعيات التي خلقتها وسائط الاتصال الحديثة، لم تعد المركزية الثقافية ثابتة في المشرق العربي، فالمغرب العربي مساهم بشكل فعال في الحركات الثقافية والفكرية، خاصة ما يتعلق منه بالإنتاج الفلسفي والأدبي .
فحتى على مستوى دول المشرق العربي لم تعد تلك المركزية محدودة في دولة واحدة أو دولتين، فكما تعلم ظلت كل من القاهرة وبيروت تمثل نقطتي مركز لعقود طويلة، الآن هناك فواعل جديدة في المشهد، فدول الخليج العربي، سخّرت الإمكانات المادية التي تمتلكها، من أجل استقطاب العقول العربية والأجنبية، في سبيل ابتكار طرق ومشاريع ثقافية وأدبية وإعلامية كبرى، فأطلقت قنوات إعلامية وازنة، ومبادرات فكرية، فضلا عن استقطاب الجوائز العالمية كـ «البوكر « التي أضحى لها نسخة عربية في دولة الإمارات، والتي أصبحت علامة بارزة في الفعل الأدبي العربي على عمومه مشرقاً ومغرباً، علاوة على جوائز اخرى اطلقتها قطر كـ «كتارا»، تلك الجوائز بكل ما يقال عنها، ورغم علاتها، ساهمت في تجسير الهوة المفترضة بين المشرق والمغرب، بل ضمنت رواجا كبيرا للمبدعين المغاربة في كل دروب الإبداع خاصة الرواية والإنتاج الفكري والفلسفي والنقدي .
هل فعلا أن المشارقة لا يقرؤون للمغاربة إلا ما كان تقليدا له؟
كما أشرت لك سابقا، المغاربيون عامة الآن في وضع المنافسة مع الكتاب المشرقة، بل حققوا مركزاً متقدمة خاصة في الرواية والانتاجات الفكرية والفلسفية .
كما أن انفتاح المغاربيين نحو أوروبا، والكتابة باللغات الاجنبية خاصة الفرنسية، منحهم مزيدا من الميزات، واضحت نتاجاتهم تتأتي مترجمة للمشرق .
فضلا ان البعض ونتيجة حصدهم ل مجموعة من الجوائز الروائية العربية اضحوا اليوم من فئة الـ بيست سيللر في المشرق .
وهل يمرّ نجاح الجزائري بالمشرق عبر بوابة غربية أو جائزة كبيرة؟
للاسف هذا صحيح بشكل نسبي، فلا تزال الجوائز الادبية الكبرى عربياً، في المشرق، وبالتالي لا يزال هذا المرور مؤثراً.
لكن من يكتبون بالفرنسية يعدون استثناء من هذا الامر، حيث تاتي كتبهم مترجمة، كما هو حال ياسمينه خضرا، والطاهر بن جلون وغيرهم .
وماذا عن تجربتك الخاصة؟ كيف تقرأ المشهد الجزائري؟
تجربتي مزدوجة ولعلها فريدة الى حد ما، لأنني عاصرت تجارب ادبية وثقافية وفكرية من داخل الجزائر لاكثر من عقد ونيف من الزمن، بجانب تنقلي بين مصر والجزائر .
وبالتالي أعد نفسي جزء من المشهد الجزائري، ليس لجهة اقامتي الطويلة فحسب، بل ايضا لاني كنت قريبا من الوسط الادبي الجزائري على المستويين الخاص والعام، كنت اقرأ الكثير من مخطوطات الاصدقاء قبل طبعها، كما هو الحال بالنسبة لنصوص سمير قسيمي، علاوة حاجي، مهدي بن راشد، هاجر قويدري، واخرين كثر .
اي كنت معايشاً لتشكلات نصوص هذا الجيل، ولصيقا به، لذلك تجدني منتمي له بكل حواس الوعي، أكثر من أي جيل اخر في المشرق مثلا، كما انني عشت فترة التحولات الكبرى في الجزائر سياسيا واعلاميا، لذلك قد تبدو قراءتي متأثرة بكل هذه العوامل، وهي اقرب لنظرة الجزائري منها لأي شيء آخر .
لا اعتقد انني أجبت على السؤال كما يتوقع القارئ، لكنها الحقيقة .
وكيف تميّز المشهد الجزائري عن نظرائه في الدول المغاربية الأخرى؟
لا أدعي انني مطلع بشكل كاف على المشاهد الثقافية والادبية والفكرية في دول المغرب العربي، باستثناء الجزائر، لكن في اعتقادي أن المشهد الجزائري يبدو فريداً ومختلفا الى حد ما، ليس قياسا بالدول المغاربية فحسب، بل ايضا على المستوى العربي، لعدة أسباب، أهمها أنه متأثر بشكل كبير بتجربة الثورة التحريرية وتداعياتها السياسية والثقافية والفكرية، كما أن العشرية السوداء قد القت بظلالها في النتاج الأدبي والثقافي، وأضحت رافدا مهما لرصد التحولات الكبرى عبر سردا قاسياً وعميقاً، كما أن مسألة الازدواجية اللغوية تبدو اكثر حضورا في الجزائر (اكثر من كل دول المغرب ) وبالتالي لها تأثيرها في دروب الكتابة، واتمنى أن يمثل الحراك الشعبي -الذي ساهم في إعادة تشكيل الصورة الجزائرية عالمياً لجهة سلميته وحضاريته- أتمنى أن يجد مساحة مهمة في الإنتاج الأدبي والفكري الجزائري، ولعل أحدى أهم أمنياتي أن أعود لقراءة المشهد مرة أخرى بعد الحراك.