أستاذ العلوم السياسية محمد بوضياف لـ «الشعب»:

«الحراك الشعبي أظهر عظمة الشعب الجزائري»

أجرى الحوار: علي عزازقة

 مطالب الحراك عميقة والوقت كفيل بتحقيقها

 حماية المكتسبات من العناصر المقاومة للتغيير

اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة المسيلة محمد بوضياف، إن الحراك أظهر عظمة الشعب الجزائري ونفسه الثوري، وأنه عصّي على الترويض، مشيرا إلى أن تاريخ 22 فيفري كان إنذارا شديد اللّهجة في وجه الحكم الفردي، مذكرا آنذاك الجميع سلطة ونخبا وتنظيمات سياسية واجتماعية بأن الشعب هو صاحب السيادة.
أوضح بوضياف في حوار خصّ به «الشعب»، أن مطالب الحراك عميقة ومتعددة وقد تحتاج إلى بعض الوقت والحكمة وتحتاج إلى كثير من الوعي والرشد، فإزالة الفساد السياسي والمالي وحتى الثقافي يحتاج إلى تأهيل المؤسسات وتدريب الموارد البشرية ووضع خطط لليقظة وحماية المكتسبات من العناصر المقاومة للتغيير.
-  الشعب: الرئيس بادر بحل المجلس الشعبي الوطني، وأصدر عفوا رئاسيا مع تعديل حكومي، كيف تقرؤون هذه الخطوة؟
 محمد بوضياف: الحالة الصحّية التي مرّ بها الرئيس الذي أصبح مادة لبعض المتربصين، واستعداد بعض الأطراف لإطلاق «موجة جديدة من الحراك»، بعيدا عن فكرة الاحتفال به كحدث وطني رسمته النصوص الدستورية، أمام هذه الملابسات جاء خروج الرئيس تبون في يوم الشهيد ليذكّر الشعب بانجازاته، منذ 12 ديسمبر، تاريخ انتخابه وتجاوز الدولة الجزائرية لبعض المحطات التي كادت أن تعصف بها، وذلك من خلال التزامها بالمسار الدستوري، فجاء خطاب  الرئيس ليوقف كل تشكيك بخصوص صحّته ويستكمل الإجابات التي قدّمتها السلطة برئاسته للحراك الشعبي سواء من خلال وثيقة الدستور ومشروع القانون العضوي للانتخابات أو من خلال التغييرات التي مسّت كل القطاعات بحثا عن نجاعة في الأداء وتلبية لطموحات الشعب وتطلعاته.
حل المجلس الشعبي الوطني كان أبرز قرار في خطاب الرئيس، لأنه ينهي بقايا نظام سابق قام على المال الفاسد والاحتكار السياسي والوظيفية السياسية ويقترح في المقابل ومن خلال قانون الانتخابات اطلاق ديناميكية جديدة تتيح للشباب وبدعم من الدولة الانخراط في الحياة السياسية وإنهاء السلبية التي تلازمه بسبب منظومة الفساد والتخلص من فكرة إلقاء اللائمة على الغير، المجال اليوم مفتوح وعلى الأحزاب السياسية الاستثمار في هذا التوجه وتعزيز قوائمها بهذه الطاقات الحية.
قد يثير البعض مشكلة العودة إلى التشريع عن طريق الأمريات الرئاسية لتمرير قانون الانتخابات، لكن الرئيس أصر أن يمر القانون عبرها بوصفه حائز على الشرعية الشعبية، من خلال انتخابات حرّة ونزيهة لم نسمع أي خلاف بخصوصها، وتجاوز مجلس مطعون في شرعيته للأسباب التي ذكرناها.
أما عن تعديل الحكومة فجاء استجابة للتذمر، الذي أبداه الشارع من أداء بعض القطاعات، لكنه جاء أيضا من أجل التحضير للانتخابات المسبقة المبرمجة في مطلع شهر جوان  وكسر ظاهرة العزوف، وما التوافق الذي أبداه رؤساء أحزاب المعارضة عند لقائهم برئيس الجمهورية في المشاورات بخصوص قانون الانتخابات، إلا تمهيدا للمساهمة في رفع نسبة المشاركة وتوسيع قاعدة الحكم.
وإطلاق سراح بعض موقوفي الحراك عربون حسن نية أبداها الرئيس لبعض من يتطرف في مطالبه، ودعوتهم إلى تجاوز الخلافات التي يسعون لتكريسها خدمة لمصالح ضيقة أو حتى لمصالح أجنبية تمس باستقرار البلد وأمنه.
- تمر اليوم الذكرى الثانية للحراك الشعبي، ما هو تعليقكم على المشهد؟
  أكد الحراك الشعبي عظمة الشعب الجزائري ونفسه الثوري، وأنه عصي على الترويض، فكان تاريخ 22 فيفري إنذارا شديد اللهجة في وجه الحكم الفردي وذكر الجميع سلطة ونخبا وتنظيمات سياسية واجتماعية بأن الشعب هو صاحب السيادة ومتى أساء هؤلاء تسيير موارده المادية والمعنوية فإنه قادر على استردادها وحجرها عنهم.
وقد التقف الجميع الرسالة، سلطة وشركاء، وتوقفت كل المشاريع السياسية وكل الفساد فتوقفت عهدة الرئيس السابق المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وكل ما حملت من تجاوزات وطغيان وسقط معها نظام «مافياوي» كاد يقوض أركان الدولة، والجزائر تعاني من حجم الدمار الذي تسبب فيه أولئك.
واليوم نضع اللّبنات الأولى لتصحيح المسار الوطني وإعادة نهوض الجزائر من خلال النصوص الأساسية لتنظيم السلطة وإعادة بناء العملية السياسية بقواعد جديدة، قد يحملها مشروع قانون الانتخابات الجديد، ولولا وباء كورونا ومرض الرئيس لكانت الوتيرة أسرع استجابة لصرخة الشعب المدوية في 22 فيفري.
- ما هو تقييمكم للوضع السياسي بشكل عام؟
 قد يكون مبكرا جدا تقييم الوضع السياسي في بداية العهدة الرئاسية التي عطّلتها كورونا وكذلك انهيار أسعار النفط وما تسببتا فيه من تذمر شعبي ومحاولات مغرضة لإيقاف مسار الإصلاح الذي وعد به رئيس الجمهورية، وبالرغم  من الضبابية التي تطبع الوضع السياسي فإنه يمكن رصد مفردات ثقافة سياسية جديدة تؤمن وتدافع وكذلك تأمل في تحسن الأوضاع باعتبار الجهود التي تقوم بها مؤسسات الدولة والتي تسعى بكل قوة وعزم إلى توفير البيئة والمناخ المناسب سواء للدفاع وتأمين المصالح الوطنية في محيط مضطرب تستهدف  فيه بعض الجهات عناصر النهضة الجزائرية وأمنها القومي والتمهيد لإدماجها في منظومة الاقتصاد العالمي وتنويع الشركاء الدوليين.
على مستوى المؤسسات السياسية تتقدم الجزائر بكل ثقة، بالرغم من تعثر وتيرة التنفيذ بسبب جائحة كورونا، في وضع اللبنات الأساسية لإقامة مؤسسات ذات مصداقية وفعالية ومنها النصوص التي تضمنها الدستور أو مشروع قانون الانتخابات كاستقلالية سلطة القضاء واستقلالية سلطة الهيئة المنظمة للانتخابات، وفتح المجال أمام الشباب والمرأة باعتبار ديمغرافية الشعب الجزائري ومستوى تعليمه، مؤشرات أخرى جديدة يمكن التنويه بها كاستغناء السلطة عن التنظيمات الحزبية والنخب التي تورطت في الفساد السياسي والمالي زمن الحكم السابق وتأهيل المجتمع المدني للقيام بدور تمهيدي لبروز طبقة سياسية جديدة.
على مستوى العملية السياسية وبالرغم من التحفيزات - من خلال مشروع قانون الانتخابات المنتظر - المتعددة والمتنوعة  التي تطرحها السلطة من أجل دفع نخب جديدة للانخراط في الحياة السياسية والبرهنة عبر الاستحقاقات القادمة على قدرتها على ملء المشهد السياسي ومن ثم تجسيد مطالب الحراك والاستجابة لتطلعات وطموحات الشعب الجزائري.
- هل تم تجسيد مطالب الحراك في نظرك؟
 مطالب الحراك عميقة ومتعددة وقد تحتاج إلى بعض الوقت والحكمة وتحتاج إلى كثير من الوعي والرشد، فالثورة على الفساد السياسي والمالي وحتى الثقافي يحتاج إلى تأهيل المؤسسات وتدريب الموارد البشرية، ووضع خطط لليقظة وحماية المكتسبات من عناصر تعرقل للتغيير والاستهدافات الأجنبية التي تحرص على بقاء هياكل التبعية وخدمة المصالح الأجنبية.
وقد يستدعي هذا انخراط الإعلام وتجنّد النخب في مواجهة هذه الطوابير من المعرقلين، قد يصعب إقناع عموم الناس بضرورة احترام الوقت وعدم الاستعجال حتى لا تقع الجهود في الخطأ وإرباك مسيرة الإصلاح والتسبب في مزيد من الإحباط والتذمر.
وعلى العموم يمكن القول إن إنهاء العهدة الخامسة واستفاقة الكثيرين من خطورتها لو تمت يعتبر مكسبا أساسيا، كما أن إيقاف جرائم النهب المالي، وتحييد القوى السياسية والمالية الفاسدة من إدارة المشهد، والاحتياط من الهيمنة الإقليمية  التقليدية، وإطلاق جزائر جديدة تتطلع إلى مزيد من الحرية.
كما أن الإجابات التي قدّمها الدستور في قضايا الهوية والحريات والحقوق تعتبر انجازات حققها نضال الحراكيين وبكل جدارة، كما ان مخرجات وقانون الانتخابات، المنتظر تعتبر تحقيقا لمطالب الشباب في استلام المشعل والخروج من نظام الكوطة والزبائنية.
- وماذا عن الجزائر الجديدة، هل تم الوصول لها أم لازال هنالك عمل؟
 الجزائر الجديدة عنوان لمشروع بدأ مع سقوط رموز الفساد، والعزم على التخلص من التبعية لنظام الاستعمار القديم والحرص على عدم السقوط في تبعية جديدة ترهن مستقبل الشعب الجزائري وتكبح طاقاته.
 الجزائر الجديدة تبدأ بالمساهمة عبر المؤسسات الإفريقية  في تحرير القارة واستعادة زمام أمورها بوصفها رهان الاقتصاد العالمي، وهو ما نلاحظه في مختلف بلدان القارة السمراء.
الجزائر الجديدة تبدأ بإعادة الاعتبار للمواطن من خلال بناء سلطة العدالة وسلطة المعرفة من خلال إصلاح التعليم والتربية وهو ما يحرص عليه رئيس الجمهورية، وتحاول الحكومة بالرغم من تعثرها في تنفيذه لقلة خبرة طاقمها والظروف الصعبة التي واجهتها، وقد تكون الفرصة سانحة في قادم الأيام لحكومات قادمة، بعد أن يستعيد البرلمان حيويته من خلال تجديد ممثلي الشعب عبر استحقاق قد يكون بداية جوان القادم، بحسب بعض التصريحات.
-  تعليقك على استقبال الرئيس تبون لرؤساء أحزاب معارضة من أجل التشاور؟
 استقبال رئيس الجمهورية للأحزاب سواء التي تواليه أو تلك المعارضة، هو تحقيق لمبدأ التوافق الذي أعلن عنه الرئيس عبد المجيد تبون، إنه مبدأ ناظم في تعامله مع مكونات الساحة السياسية كلها، وإن تحقيق الإجماع حول المسائل الأساسية هو نهج الرئيس.
حضور الأفافاس، عميد المعارضة الجزائرية وأشرسها نقلة نوعية في الحياة السياسية، نثمنها لما تحمله من رسائل لكل من يريد أن يلعب ورقة الوحدة الوطنية أو يزايد بالمسألة الثقافية، وهي كذلك طي لصفحة الصراع المتطرف خارج مؤسسات الدولة.
كما أن حضور حركة مجتمع السلم، هو عودة تيار معتبر من المجتمع الجزائري إلى ثقافة المشاركة والاعتدال في دولة تتحسس طريقها نحو الديمقراطية وتحتاج إلى كل الأطياف لمرافقته مشروع الإصلاح والبناء في محيط يزداد كل يوم تعقيدا واضطرابا، أما بقية الأحزاب هو تأكيد على نضج الطبقة السياسية ووعيها برهانات وتحدّيات الانتقال إلى الجمهورية الثانية أو ما اصطلح عليه بالجزائر الجديدة.
- الرئاسة لم تستقبل أحزاب الموالاة التقليدية، ماذا يعني هذا؟
 إن ذلك يعود إلى ما تسببوا فيه من عفن سياسي وانهيار لقيم الممارسة السياسية، وتغليط للرأي العام وتدليس للحقائق من جهة، ومن جهة أخرى هو اعتبار وتقدير لمشاعر الحراك، وعدم استفزاز الشعب الذي حمّلهم مسؤولية خطر الانهيار الذي أصاب الدولة الجزائرية، وإعطائهم درسا قد يكون قاسيا لعلهم يراجعون أنفسهم ويصحّحوا أخطاءهم ويطهروا صفوفهم خاصة وأنهم على أبواب استحقاق قد يكون فرصة أخيرة لبقائهم في الساحة السياسية.
- وماذا عن موقع المجتمع المدني؟
 لا أعتقد أن الرئيس قد تخلى على مشروع إقامة مجتمع مدني جديد لأسباب موضوعية، فقد شكل وباء كورونا كابحا ومعطلا أساسيا لكل مشاريع الدولة، ومن ثمة نفهم تعثر هذا المشروع الحيوي الذي أراده الرئيس مدخلا لبروز طبقة سياسية جديدة، فالذي لا يخدم مجتمعه وينفع مواطنيه بكل إرادة وبعيدا عن بريق السلطة لا يمكنه أن يساهم بشكل نزيه في إدارة الشأن العام.
قد تحتاج عملية هيكلة المجتمع بشكل يعيد ترتيب سلم القيم بما يتوافق وأخلاق ومبادئ الشعب الجزائري وتاريخه وثورته، إلى بعض الوقت والتنظيم قد تساهم فيه التنظيمات التي أكدت عبر حضورها وقيادتها للحراك الشعبي، وأثبتت اعتدالها وحكمتها، وهي مرشحة ومؤهلة لشغل المؤسسة التشريعية ومن ثمة تجسيد مبدأ التوافق والتعاون لبناء جزائر جديدة تتضافر فيها جهود الجميع لإنجاحها.
- بعد حل المجلس الشعبي الوطني بقرار من الرئيس، ما معالم البناء المؤسساتي المرتقب؟
 المشروعية السياسية تبنى على معايير أساسها الشرعية والرضى، ومن ثم فإن مسؤولية السلطة الوطنية لمراقبة وتنظيم الانتخابات كبيرة وحاسمة في استعادة الشعب ثقته في مسؤوليه ومشاركتهم في توسيع قاعدة الحكم، وهو ما نصّ عليه وأكده مشروع قانون الانتخابات وساهمت فيه الأحزاب السياسية بالإثراء والمناقشة.
لهذا فإنه من خلال هذه الاعتبارات، فإن الامتحان والخطأ غير مسموح فالابتعاد أكبر قدر عن التلاعب بأصوات الناس وتوفير أكبر قدر من الحرية والتنافسية وكذلك حياد الإدارة فرصة سانحة لبناء مؤسسات تحظى بالمشروعية اللازمة واستعادة ثقة المواطنين رأس مال الجزائر في عالم يستهدف الدولة بالأساس ودول منطقة الشرق الأوسط بالخصوص.
- بناء على الواقع، كيف تتوّقعون المستقبل؟
 الحديث عن المستقبل حديث عن آلية ووسيلة اختارها الشعب الجزائري للتعبير عن غضبه من أداء سيئ لشؤونه متمثلة في الحراك، ومتى تم إصلاح أمور الدولة وسادت الشفافية والنضج فإن روح الحراك ستنتقل بالضرورة إلى مؤسسات الدولة، على حد تعبير أحد السياسيين الجزائريين.
فمحطة الانتخابات التشريعية والمحلية ستحقق متى شاركت جموع «الحراكيين» في هذا الاستحقاق إلى تجسيد شعار ممارسة الشرعية الشعبية وفي إطار دستوري يحافظ على كيان الدولة ويحافظ أيضا على مكتسبات الشعب الجزائري المادية والمعنوية ومعهم أمن وسلامة المواطنين، وأعيد التأكيد على ثقل مسؤولية سلطة تنظيم ومراقبة الانتخابات في استقرار المجتمع وسلامته.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024